مداخلة نائب المدعي العام لدى المحكمة العليا أمام المؤتمر الفلسطيني التركي

ملخص لأبرز ماتضمنته المداخلة المقدمة أمام المؤتمر الفلسطيني التركي التاسع المنعقد برام الله في الفترة مابين 11 الي 13 إبريل 2019 تحت عنوان الادلة الرقمية بين مقتضيات التحقيق وحقوق الانسان ، وذلك بحضور سيادة المدعي العام لدي المحكمة العليا سيد محمد محمد الأمين مع مجموعة من نظرائه في فلسطين ، تركيا ، الأردن..........وبحضورأعضاء الوفود الكثيرة المشاركة في المؤتمر ، كانت المداخلة بعنوان : جمع الأدلة الرقمية وعرضها علي المحاكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
تحتل الادلة الرقمية في العصر الحديث مكانة رئسية في مجال الإثبات وأساسا علميا وفنيا يعول عليه القضاء كثيرا في تأسيس أحكامه .
فهي حسب تعبير العديد من الفقهاءمجموعة معلومات يتقبلها العقل والمنطق ويعتمدها العلم يتم الحصول عليها بإجراءات قانونية وعلمية من خلال ترجمة البيانات المخزنة في أجهزة الحاسب الآلي وملحقاته وشبكات الاتصال بالشكل الذي يمكن من خلاله إستخدامها في أية مرحلة من مراحل الدعوي العمومية لإثبات حقيقة فعل أو شيئ أوشخص له علاقة بجريمة معينة أو جان أو مجني عليه .....
وانطلاقا من هذا التعريف يتحدد ماتمتاز به الأدلة الرقمية من طبيعة علمية وتقنية تجعلها تختلف عن سواها من الادلة التقليدية المادية ، وتخلق في ذات الوقت من عملية جمعها ومعالجتها وضبطها وتأمينها أبرز ماتواجهه أجهزة العدالة الجنائية في العصر الحديث من تحديات نظرا لماتتطلبه تلك الإجراءات من وسائل فنية وتقنية للتعامل معها ومن خبراء يجمعون بين الدراية القانونية والمهارة في التحقيق وعلوم تقنية المعلومات .
وعلي ضوء ما تمتاز به الأدلة الرقمية من خصائص ومايثيره ضبطها وتأمينها من إشكالات فقد أصدر المشرع الموريتاني القانون رقم 07/2016 المتعلق بالجريمة السيبرانية الذي يعد في الواقع إستجابة منه لمواجهة ماقد يترتب علي الثورة الرقمية من آثار وما ينجرعنها من مخاطر بسبب التوسع في إستخدام نظم المعلوماتية والإنتشار المهول لوسائل الاتصال والافراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك ، تويتر ، يوتوب ، واتساب ............والتي لم يسلم أي نشاط مشروع أوغير مشروع من الاعتماد في تنفيذه عليها .
فتم من خلال قانون الجريمة السيبرانية وضع القواعد الموضوعية والإجرائية الكفيلة بمحاربة مايترتب علي تلك الوسائل من جرائم ، وإن كان المشرع لم يتوسع كثيرا في تحديد مايحكم الأدلة الرقمية من ضوابط ومايتعين إتخاذه في التعامل معها من إجراءات مكتفيا الي جانب ذلك بالإعتماد علي ماهو منصوص عليه في قانون الاجراءات الجنائية من أحكام في هذا الشأن ، وهو مايمكن إرجاعه الي أن المشرع الموريتاني وإن كان قد تطرق في القانون رقم 07/2016 لمجموعة من الضوابط والاجراءات فيما يتعلق بجمع وضبط وتأمين الأدلة الرقمية إلاأنه لم يعقد الاختصاص في ذلك لجهة معينة تاركا الأمر لماهومنصوص في قانون الاجراءات الجنائية .
ومهما يكن من أمر فإن ماتمتاز به الأدلة الرقمية من طبيعة معنوية ومايتطلبه ضبطها من وسائل تقنية ومايجب أن يتوافر في القائمين عليها من مميزات ، أدت في مجملها الي جعل عملية البحث والتحقيق في الجرائم المرتبطة بها مثارالعديد من الملاحظات والي وجوب خلق المزيد من الظروف وأعتماد العديد من الاجراءات حتي تتوافرلدي تلك الأدلة أسباب القوة والحجية في الإثبات .
الملاحظات : من بين مايمكن عرضه من ملاحظات في هذا السياق :
1) ان ماشهدته البلاد من انتشاروتوسع في إستخدام ما أفرزته الثورة الرقمية من وسائل لم ينعكس بشكل مباشر علي كم ونوع مايسجل سنويا علي مستوي المحاكم من جرائم سيبرانية إبتداء من دخول القانون المتعلق بتلك الجريمة حيز التنفيذ .
2) إن عدم تكليف جهات بعينها بالقيام بالبحث والتحقيق والحكم في الجرائم ذات الأدلة الرقمية من شانه أن يجعل تكوين الطواقم المكلفة بتلك العمليات وإقتناء الأجهزة والمعدات اللازمة للقيام بها أمر يتطلب توفير غلاف مالي كبيرا.
3) في إطار جمع وضبط وتأمين .......... الأدلة الرقمية . أتاح المشرع الموريتاني إمكانية الإستعانة بماهو متوفر من خبراء في مجال الحوسبة والإتصال
4) إنطلاقا مماتضمنته المادة 386 من قانون الاجراءات الجنائية من أحكام يكون من غير الممكن إعتبار الأدلة الرقمية وسيلة إثبات لجميع الجرائم .
التوصيات : من أهم مايمكن أن يوصي به في هذا المجال :
1) العمل علي وضع الآليات الكفيلة بتحديث طرق وأساليب البحث والتحقيق بشكل عام وعلي وجه الخصوص ماتعلق منهابجمع الأدلة الرقمية وضبطها وتأمينها........وذلك من خلال رصد الوسائل المادية اللازمة لتلك العمليات من إقتناء للأدوات وتكوين للطواقم القضائية المكلفة بالبحث والتحقيق والحكم ...........
2) وضع والإجراءات والتدابيرالتشرعية والواقعية الكفيلة بتعزيزمبدأ التوفيق بين قاعدة المحافظة علي النظام العام ومبداعدم المساس بالحياة الخاصةللأشخاص وشرفهم وضمان حماية المعلومات وعدم إفشائها أو السماح للغير بالاطلاع عليها ونشر محتواها أثناء تنفيذ مستلزمات البحث والتحقيق والمحاكمة........
3) وضع الآليات الكفيلة بتعزيز وتقوية التعاون وإنسيابيته بين الأجهزة المكلفة بتنفيذ القانون وجمع الأدلة الرقمية من جهة والمؤسسات القائمة بتقديم خدمات المعلومات والاتصالات من جهة أخري
4) العمل علي تعزير التعاون الدولي في مجال محاربة الجرائم السيبرانية وضبط وتأمين أدلتها
5) العمل مستقبلا علي إنشاء مركز لمراقبة وتتبع الجرائم السيبرانية تكون من ضمن هياكله إدارة مكلفة بالادلة الرقمية .
والله من وراء القصد
نائب المدعي العام لدي المحكمة العليا القاضي : عبد الله اندكجلي

أربعاء, 17/04/2019 - 22:13