ذكريات صحفي: شاهد من أهل الشعب (16) في سنة 1982 جريدة "الشعب" تتوقف في ظل احتقان سياسي

IMG_97
تعثرت جريدة "الشعب" خلال سنة 1981 لكنها في سنة 1982 توقفت وبقرار شبه رسمي وأدى الاحتقان السياسي إلى بداية مسلسل ضرب الحركات السياسية وذلك باعتقال القيادات المحسوبة على حزب البعث العربي الاشتراكي في حين استمرت ملاحقة أنصار حركة »التحالف من أجل موريتانيا  ديمقراطية«    المتهمين بتدبير المحاولة الانقلابية في ال 16 مارس 1981 ..
توقف مؤقت
المدير العام الجديد للشركة الموريتانية للصحافة والطباعة السيد/ حبيب الله ولد عبدو المعين في أواخر دجمبر 1981 اعتبر أن الاستمرار في إصدار جريدة "الشعب" العربية بشكل غير منتظم "هدر للمال العام" و "خطأ مهني" وبادر إلى اتخاذ قرار "بالتوقيف المؤقت" لإصدار هذه الصحيفة وجسد ذلك في القرار رقم (0001) بتاريخ 20/01/1982 بمنح العطلة لجميع الصحفيين العاملين في "الشعب" العربية.. وعددهم يومئذ (12) محررا بمن فيهم رؤساء الأقسام.
وعندما أبلغني كرئيس للتحرير عن قراره وقف إصدار الجريدة العربية إلي أن تتوفر لها الظروف الملائمة للصدور المنتظم  - حسب ما قال - اقترحت عليه برنامجا للتحقيقات والدراسات من أجل زيادة الرصيد استعدادا لانطلاقة جديدة، لكن المدير العام لم يقتنع بذلك ومما أزعجه كثيرا كون كل رؤساء الأقسام في هذه الجريدة هم من الناشطين في حركة البعثيين ولا أستبعد أنه كان يعتبرني من "غزية"... أو كهذا بدالي من خلال معاملته لي.. تم تسريح المحررين وبقيت رئيسا لتحرير صحيفة متوقفة بلا محررين ومع ذلك فرضت الظروف إصدار ملاحق باللغة العربية أتذكر منها ملحقا عن دولة الكويت بمناسبة زيارة ولي عهدها لموريتانيا (المرحوم سعد العبد الله صباح).
وقد من الله علي أن التحق بي في تلك الفترة الزميل أحمد ولد مصطفي الذي حول إلى تدريب يسبق الإكتتاب ولا أنسى أنه ساعدني كثيرا  في إنجاز تلك الملاحق واكتشفت قدراته وأعجبتني كفاءته المهنية -بارك الله فيه ـ
اعتقال رؤساء الأقسام
في مستهل الأسبوع الثالث من مارس 1982 طلبت الإذن من المدير العام للقيام بزيارة دينية للسنغال المجاور وبقي الزميل أحمد مصطفي رئيسا للتحرير .
وفي الوقت الذي كنت منهمكا في إجراءات السفر أبلغت أن اعتقالات واسعة قد جرت في صفوف "البعثيين" وأن من بين المعتقلين رؤساء أقسام الجريدة الثلاثة (باب الغوث بن الطلبه ، الشيخ ولد لوداعه، ومحمد حرم ولد محفوظ) وعدت إلى المدير العام لأبلغه الخبر وأطلب منه التدخل لإطلاق سراحهم، خاصة أن أسرهم قد اتصلت بالشركة؛ فقال لي أن المؤسسة لا علاقة لها باعتقالهم، وأنها لا يمكن أن تتدخل في أمر لا علاقة لها به.. كان هذا السفر بداية لتغيب لي عن انواكشوط استمر أكثر من سنتين، فقد غادرت نواكشوط يوم 18 مارس 1982.
لماذا كل هذا الغياب ؟
وكيف عدت إلى العمل؟
غياب عن العمل لمدة سنتين
غادرت نواكشوط والأوضاع العامة للدولة مضطربة  ويسود فيها الظلم والتعسف وتصفية الحسابات بين الفرقاء السياسيين وحتى بين الأفراد، أما الوضع في الشركة الموريتانية للصحافة والطباعة فهو انعكاس للوضع العام: مدير عام جديد محسوب على حركة سياسية معينة يبدأ تصفية الحسابات مع حركة سياسية ينتمي لها سلفه، وكانت جريدة "الشعب" العربية هي الضحية الأولي، ثم تلاها المحررون في هذه الصحيفة وبقي رئيس التحرير أقل ما يقال عنه أنه "شخص غير مرغوب فيه". في حين ساد جو من "الوشاية " لم نعهده من ذي قبل.
في مثل هذه الأجواء سافرت إلى السنغال بإذن بالتغيب مدة أيام وأردفته بطلب لعطلتي السنوية مدة شهر وخلالها عدت إلى موريتانيا وبعد انقضاء عطلتي بأيام أرسل لي الزملاء في قريتي التي أقيم فيها قرارا اتخذته الإدارة العامة بفصلي عن العمل.
كنت حريصا على العودة إلي انواكشوط فورا للطعن في قرار فصلي عن العمل، لكن المشفقين علي كانوا يرون أن عودتي تعني اعتقالي مباشرة لأن العديد من زملاء العمل وأصدقائي الخاصين أودعوا السجون وكنت أدرك ما يسود من ظلم وحيف في تلك الفترة وهو ما ذهب ضحيته أبرياء كثيرون لكنني كنت أعرف في قرارة نفسي أنني لا أنتمي لأي تنظيم سياسي سري وعند التحاقي بالعمل الصحفي في سنة 1975 قررت اعتزال التنظيمات السرية ومنذ ذلك الوقت وحتى كتابة هذه السطور لم أنتم تنظيميا لأية حركة سياسية مع أنني أتقاسم مع الحركات الإسلامية والقومية الكثير من المواقف والأفكار.. كما أنني لم أقبل أبدا استدراجي للتعامل مع أية جهة استخباراتية محلية أو خارجية لاقتناعي بأن ذلك يتناقض مع ممارستي للمهنة الصحفية.
المهم أنني لم أسافر إلى انواكشوط فقد أمرني من لا تسعني مخالفته أن أنتظر وهكذا فعلت.. ولست نادما على ذلك فقد استأنفت دراستي المحظرية التي انقطعت منذ سنواتي الأولي في الابتدائية وعدت إلى خدمة مجتمعى ودخلت مدرسة التربية والتزكية فذقت حلاوة الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد وازددت معرفة لله ومحبة  له وحباني الله من نعمه ما أرجو دوام حمده "ولئن شكرتم لأزيدنكم".
وبدا لي أن (28) شهرا من حياتي (من إبريل 1982 إلى يوليو 1984) أزكى وأنفع من (28) عاما التي انقضت من عمري (1954-1982).
إدارة عامة جديدة
في وسط 1984 تم تعيين مدير عام جديد للشركة الموريتانية للصحافة والطباعة هو السيد/ اسلم ولد محمد الذي عين السيد/ حدمين ولد سادي مديرا للتحرير.
وقد اتصل بي الأخوين والزميلين: العالم ولد أحمد خليفة مدير عام الوكالة الموريتانية للأنباء في ذلك الوقت وعبد الله ولد السيد رئيس تحرير في هذه الوكالة وطلبا مني العودة إلى انواكشوط لأن الإدارة الجديدة للشركة الموريتانية للصحافة والطباعة ترغب في استئنافي للعمل في الوقت الذي تعد فيه انطلاقة جديدة لجريدة "الشعب".
وعند عودتي أصدر المدير العام الجديد قرارا  بإلغاء قرار فصلي عن العمل وكلفوني بإعداد الصفحة الإسلامية في جريدة "الشعب" وبعد حوالي أربعة أشهر صدر تعييني من  جديد رئيسا لتحرير جريدة "الشعب" بعد أن غادر رئيس التحرير السابق الزميل أحمد ولد مصطفي المؤسسة ليواصل دراسته  بالمغرب.
وللأمانة التاريخية فإنه لم تكن لدي أية علاقات شخصية بالمدير العام الجديد السيد/ اسلم ولد محمد القادم من إدارة الإحصاء ولا بمدير التحرير السيد/ حدمين ولد سادي القادم من الإذاعة الوطنية بل لم أكن أعرفهما شخصيا وقد انسجمت معهما وسعينا إلى أن تتحسن "الشعب" شكلا ومضمونا، ولم نلبث إلا يسيرا حتى جاء انقلاب 12/12/1984.
كيف كانت بداية تلك التجربة؟ وكيف جرى ذلك الانقلاب الذي حكم بموجبه السيد/ معاوية ولد سيدي أحمد الطايع البلاد أكثر من عشرين سنة ؟
ذلك ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة بإذن الله.
محمد الحافظ بن محم
الصحفيون العاملون بجريدة "الشعب" العربية يناير 1982
1-    باب الغوث ولد الطلبة (استفاد من حقه في التقاعد 2009)
2-    محمد حرم بن محفوظ (استفاد من الذهاب الطوعي سنة 1994)
3-    الشيخ بن لوداعة (استفاد من حقه في التقاعد نهاية سنة 2011)
4-    اسلم بن سيدي حمود (استفاد من حقه في التقاعد سنة 2009)
5-    محمد الأمين بن سيدي (مسؤول الإخبار في جريد الشعب حاليا سنة 2013 )
6-    عبد الله بن محمد عبد الرحمن -رحمه الله-
7-    الشريف بن بونا – (في قطاع الأخبار بالوكالة حاليا سنة 2013 )
8-    يحي بن منا بن دهاه (غادر الشعب منذ 1983 ويعمل حاليا في معهد التكوين الفني)
9-    أحمد سالم ولد اسويدات  (استفاد من حقه في التقاعد نهاية سنة 2010)
10 - سيدي ولد المامي (في قطاع الأخبار بالوكالة حاليا سنة 2013 )
11 - أحمد ولد السباعي -رحمه الله-

12 - بونن بن البشير (أكمل تكوينه في مجال الإدارة وغادر الشعب منذ الثمانينيات من القرن الماضي)

نقلا عن :مدونة قبس

جمعة, 31/01/2014 - 16:25