يوميات سجين في معتقل الظلام بقاعدة صلاح الدين (الحلقة الثامنة)

 

الحلقة الثامنة

وبعد فترة من استعمال الحمية الغذائية تحسنت الحالة الصحية للإخوة وبدؤوا يعودون إلى وضعية طبيعية ولله الحمد

كانت الظروف في السجن قاسية بما تحمله الكلمة , زنازين ضيقة تشبه الأقفاص المغلقة من كل جهة ودهليز ضيق لايتجاوز عرضه متر ونصف

مخصص للذهاب إلى المرحاض الوحيد في القاطع ، الذي هو الآخر يمثل مرحاض وحمام في نفس الوقت،

والمشكلة الكبيرة أن هذا المرحاض يشترك فيه 7 من الإخوة السجناء في جميع الظروف الصحية  أكرمكم الله،

حيث كان الوضع مزريا فكان الواحد منا إذا طلب الحمام لقضاء الحاجة يتأخر عنه السجانون كثيرا ، كنت حين أذهب إلى الحمام وأرجع أنظر وأنا في طريقي إلى زنزانتي زنازين الإخوة فكنت أشعر بالحزن نظرا الى أنها   تشبه القبور شيئ لايصدق ، يعكس قسوة الجهات المسؤولة عن هذه الجريمة النكراء المتمثلة في إنشاء هذ السجن الذي  يمثل وصمة عار في جبين تاريخ حكومة ولد عبد العزيز وكل من ساعده على هذه الجريمة التي كتبت في صحائفهم

 

مع كل ذلك كان الإخوة يصابرون قسوة ذلك السجن الغير إنساني الظلمة في كل مكان من السجن ،فالزنازين أشد ظلمة لدرجة أن الواحد منا في داخل زنزانته لا يرى إلا الظلام الدامس ، ولقد أصبت كغيرى بوجع في عيني بسبب الظلام كانت العينان أحيانا لا أستطيع أن أفتحهما بسبب الوجع مما استدعى جلب الطبيب العسكري بعد نداءات متتالية .

نكتة مضحكة مبكية:

في مرة من المرات جاؤونا بعلبة لبن حيث طلبت شئا من السكر فاعطوني ثم أغلقوا الزنزانة تلمست بيدي أبحث عن كوب الشراب وهو الآنية الوحيدة الموجودة في الزنزانة لمسته بيدى فقلت الحمد لله وجدت الكوب قربت السكر الذي أعطوني واللبن وشيئ من الماء  ثم بدأت أصنع الشراب نسميه ( الزريك)

 صببت اللبن ثم السكر ثم الماء  ظنا مني أني صببته داخل الكوب فلما تناولت الكوب بيدي لأشرب وجدته فارغا ليس فيه شيئ وإذا بالعملية تمت خارج المكان المخصص لها، نعم لحظات يختلط فيها الشعور بالحزن والتعجب !!!!!؟؟؟

فليس عندنا ما نقول إزاء ذلك إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.

للتذكير هذا النوع من الحوادث يتكرر معنا كثيرا  ،

ومنها أن الواحد منا اذا أراد أن يقوم أو يضجع كثيرا ما يرتطم رأسه بالجدار بسبب انعدام الرأية ، وهكذا تتواصل المأساة في ذلك السجن الوحشي الذي يعكس وحشية الآمرين بإنشائه والقائمين عليه وعلى رأسهم الرئيس السابق ولد عبد العزيز  ونظامه المشؤوم ،

ولقد جلسنا مدة أشهر ونحن نصلي لغير القبلة وذلك أننا لما سألنا حرس السجن عن القبلة أعطونا إتجاه خاطئ وكانوا يتعمدون تضليلنا عن القبلة فلم نزل على ذلك حتى لاحظنا مع الوقت أنهم يصلون إلى غير الإتجاه الذي نصلي عليه ، ثم تحققنا من خلال طبيب الجيش الذي كان يأتينا بين الفينة والأخرى فأعطانا نفس الإتجاه الذي يصلى عليه حرس السجن فتأكدنا حينها أنهم كانوا يخدعوننا فقلنا لهم ألا تعتبروننا مسلمين ؟؟

 قالوا نعم !!!

فقلنا إذا لماذا تعطوننا إتجاها خاطئا عن القبلة؟؟؟

قالوا هكذا التعليمات!!!

و كانت هذه حجتهم دائما كلما فعلوا في حقنا جرما أو ظلما قالوا هذه تعليمات مكتوبة ،،

وكنا في كل مرة نرجع إلى الصبر و الدعاء ،

كان هناك أنس عجيب بالله و بالقرآن الكريم كان الإخوة منشغلون بالقرآن الكريم رغم ماهم فيه من المعاناة وقد كانت معية الله حاضرة في كل مراحل سجن الظلام ، كان الليل خاص بمذاكرة الأدب العربي خاصة الكلاسيكي منه ، كان بين الفينة والأخرى ينسج أحد الإخوة قصيدة أو محاولة وقد أثرى ذلك الصفحة الأدبية  لسجن الظلام، ومع مجيئ الكتب بعد الإضراب  الثانى  و الذي يمثل أول إضراب جماعي في السجن  ازداد الميول الأدبي كثير ما كنا نتتبع الكلام على الشعراء الواحد تلو الآخر خاصة شعراء الطبقة الأولى والثانية و الصعاليك  وكنا نقوم بأسلوب أدبي فريد في استخراج موهبة شاعر ما وكان هذا الإسلوب من إختراع سجن الظلام و كان يحصل بشكل عفوي بداية إلا أنا مع الوقت درجنا عليه فاتخذناه عادة للحاجة إليه ،

ما أجمل الرغبات حيث يدرها *

شغف النفوس ثرا بغير تكلف

  وهذا الأسلوب هو أنه كان الواحد منا يتولى مهمة الدفاع عن أحد الشعراء الذين  يعجبونه من حيث بلاغته الشعرية وقوته في إستخدام مختلف الأغراض الشعرية النسيب والفخر والحماسة والمديح والهجاء و التذكار وغيرها ثم يبدء باقي  الإخوة برشق  هذا الشاعر بالإنتقادات الأدبية مما يدفع  الأخ المناصر للشاعر بتلميع صورة شاعره بإبراز مهاراته و كل ما يتميز به  من مواهب شعرية وابداعات أدبية

و أحيانا نقوم بمقارنة تنافسية بين شاعرين ما فنقارن بين فخرهما ونسيب كل واحد بنسيب الآخر وهكذا وما يتميز به كل واحد عموما ،

نقارن بين علقمة ابن عبدة وامرئ القيس

وبين الشنفرى الأزدى وتأبط شرا الهذلي و المعلقات السبع والعشر وأيام العرب في الجاهلية وأيامهم في الإسلام وما رافق ذلك من درر أدبية خالدة وأمثال رائدة وحكم تثمر كل حين عبرة أو فائدة

يتـــــــــــــواصل

خميس, 27/08/2020 - 02:59