مكافحة الفساد في موريتانيا../القاضي د. محمد محمد محمود عمي

مكافحة الفساد في موريتانيا

قراءة في الإطار التشريعي والمؤسسي

د. محمد محمد محمود عمي

دكتور في القانون العام    

بفرنسا LexFeim le Havre Normandieوباحث في مختبر

إذا كانت الجمهورية الإسلامية الموريتانية اودعت صكوك انضمامها الي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد[1]بتاريخ 25 أكتوبر 2006 فإنها ظلت بدون إطار قانوني حتى العام 2016 حين صدر القانون 2016- 014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد، الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016.

وقد اعتمد القانون رقم 014-2016 مجمل احكام الاتفاقية – ان لم نقل بشكل حرفي-لبعض المقتضيات، الاانه أيضا غيب بعض الجوانب التي نصت عليها هذه الاتفاقية، والتي نجدها أيضا في تشريعات بعض الدول المجاورة.

ويتجسد ذلك النقص في غياب بعض الأجهزة او المؤسسات الرقابية الموجودة في شبه المنطقة، والتي كمن شان وجودها تدعيم مكافحة الفساد، وإيجاد الطرق والاليات الكفيلة بالتصدي لهذه الظاهرة.

وإذا كان هذا النقص واضحا في الميكانيزمات الهادفة الي محاربة هذه الظاهرة، فان الإطارالمؤسسيتجسد في عدد من الهيئات هي المفتشية العامة للدولة، والشرطة المكلفة بمحاربة الجرائم الاقتصادية والمالية، والمحكمة الابتدائية المختصة بالجرائم المرتبطة بالفساد.[2]

ويستوجب التطرق لفاعلية هذه المكافحة من حيث الالية القانون، المرور على القواعد المعروضة للتجريم وانفاذ القانون، وكذا الإجراءات المتخذة في إطار التعاون الدولي الهادفة الي توقيف وترحيل الضالعين، او تلك التي من التبادل مع الهيئات الأجنبية، سبيلا الي تعزيز ترصد الأموال المنهوبة او المختلسة سبيلا لردع هذه الظاهرة.

ولا يمكن نقاش الجدوائية التي أنشأتها التجربة الردعية في موريتانيا، دون التطرق لمكامن النقص، وإمكان الاستفادة من البني المؤسسية وتجارب دول الجوار، خاصة تلك التي نتقاسم معها طبيعة وشكل النظم الإدارية والقضائية.

أولا: الملامح العامة للإطارالتشريعي موضوعيا واجرائيا

 

أ-من الناحية الموضوعية:

 

إذا كان الطابع العام لهذا القانون هو تجريم الرشوة بالنسبة للموظف العمومي (الرشوة والمتاجرة بالنفوذ في المواد) فان المادة 7 من هذا القانون عاقبت الارتشاء في القطاع الحاص، متناصة بشكل حرفي مع مقتضيات الاتفاقية، وكذا الاختلاس وإساءة استغلال الوظائف في المواد 19-20-22[3].

وقد دعم هذا القانون في المادة منه17 الإطار التشريعي المجرم لجريمة الاخفاء، إضافة للمادتين 435،436 من قانون العقوبات، والمادة 2 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وهنا يجدر التنويه بالنص على جريمةا لاثراء غير المشروع في المادة 16 التي يمكن ان تسد بعض الفراغ التشريعي الذي لا يمكن ان تسده المادة 379 من القانون الجنائي التي يمكن حملها علىخيانة الأمانة في القطاع الخاص.

وبالنسبة للظروف المخففة، يمكن القول ان القانون كان متشددا ان لم يسمح بها الي في إطار ضيق وقبل اكتشاف الوقائع موضوع المتابعة، حيثان م35 نصت على تخفيف العقوبات المفروضة علىالمتهمين الذين يتعاونون مع سلطات التحقيق والملاحقة القضائية،بيد ان هؤلاء لا تمنح لهم الحصانة من الملاحقة القضائية.

وقد جاءت المادة 18من القانون لتعاقب اعاقة سير العدالة مدعمة بذلك المواد 209-342-348 من القانون الجنائي.

وبالنسبة لآثار أفعال الفساد -وكما هو الشأن لأي جريمة تم المتحصل بها على مكسب معين-، فإنها ترتب ابطال جميع العقود المنبثقة عنها، بالنسبة للطرفين الجانحين، مع الاخذ بالاعتبار حقوق الطرف الثالث حسن النية م 23.

كما يتيح ذلك الابطال الحق في التعويض عن طريق الاجراءات القانونية الرامية الي جبر الصرر طبقا للمادة 2 من قانون الإجراءات الجنائية.

 

ب-من الناحية الإجرائية

 

 قبل الحديث عن الإضافاتالإجرائية التي اضافها المشرع بموجب القانون 2016-014 ومن اجل ابراز الجدوائية الإجرائية للمتابعة،فإننا-وقبل الخوض في الأجهزة القضائية التي انشاها-سنعرجعلى القيود الإجرائية العادية، ينضاف اليها ما نص عليه هذا الفانون من قصر لأمد التقادم.

 

1-القيود الإجرائية

وهي اجمالا:

- تساهل أمد التقادم

 

نص القانون على ان التقادم يتم بعد جمس سنوات وسوي تقادم الدعوي بتقادم الحكم، كما ساوي بين تقادم الجنايات والجنح.

الشيء الذي يعتبر قيدا من القيود لضئالة المدة الممنوحة لأجهزة الرصد والتحري وتنقيذ الاحكام، خصوصا في الجنايات، التي تتسم بالخطورة، وتستلزم فتح امد المتابعة وانفاذ الاحكام الجنائية الصادرة فيها.

 

-قيود إجرائية عادية

 

يتسم الفانون الاجرائي الموريتاني بمبدأ الملائمة القضائية م 36 من قانون الإجراءات الجنائية، فالنيابة العامة هي التي تحرك الدعوي العمومية ولها إمكانية وقف الإجراءات دون ملاحقة حيث تبلغ القرار الي المدعي او الطرف المدني خلال 8 أيام.

الشيء الذي يجعل الدعوي العمومية مقيدة بإرادة النيابة العامة وتقديراتها.

تنضاف لذلك الحصانة، تلك التي يتمتع بها رئيس الجمهورية باستثناء جريمة الخيانة العظمي.

وبموجب المادة 93 من الدستور فانه "يتحمل أعضاء الحكومة المسؤولية الجنائية عن الأفعال التي يقومون بها".

كما ان البرلمانيين يتمتعون بحصانة وظيفية اثناء الدورات،  الافي حالة التلبس، ورفع الحصانة مشروطبإذنرئيس الجمعية الوطنية فيما عدا ذلك من الحالات.

تلك الحصانة التي يتمتع بها رئيس المحكمة العليا بموجب المادة 18 لمن القانون 2007-012 المحدد للتنظيم القضائي، الا في حالة التلبس وبأذن مسبق من المجلس الأعلى للقضاء.

كما يتطلب القانون رقم 93-20 المتعلق بالنظام الأساسي لمكمة الحسابات الراي المسبق للمجلس الأعلى للقضاء لملاحقة اعصاء محكمة الحسابات.

 

2-الأجهزة المكلفة بالمتابعة والتحقيق

 

نص القانون على ان كافة موظفي وأعوان الدولة المكلفون بالمراقبة والتحري ملزمون بإخبار النيابة العامة بكل ما يحصل لهم العلم به من تجاوزات معاقبة بموجب هذا القانون.

تم تناول ابتداء من مادته 26 الأجهزة المختصة والتي حصرها في:

1-الشرطة القضائية

وهي شرطة مكلفة بمكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية تقوم بمهام الشرطة القضائية المتعلقة الجرائم المنصوصة بقانون مكافحة الفساد بأداء مهمتها من خلال الحراسة النظرية، والتفتيش والحجز والتجميد والمصادرة[4].

2-النيابة العامة

وهي عبارة عن قطب من قضاة النيابة: وكيل الجمهورية على مستوي محكمة ولاية نواكشوط الغربية ونوابه، يتولى المتابعة والاشراف على عمل الضبطية القضائية[5].

 

 

 

3-التحقيق

وهو قطب من قضاة التحقيق يعهد اليه ببحث القصايا بطريقة جماعية ويحسم في الأمور المتعلقة بالحبس الاحتياطي والحجز والتجميد للأموال موضوع المتابعة[6].

4-المحكمة

وهي محكمة مختصة غلي امتداد التراب الوطني بالجرائم المتعلقة بالفساد او تلك التي لا يمكن فصلها عنها[7].

 

ثانيا: أبرز معالم النقص -الملاحظة وتحسين فاعلية مكافحة الفساد

 

يمكن اجمال أبرزالملاحظات التي بإمكانها تحسين او جدوائية مكافحة الفساد في نقطتين أساسيتين، اولاهما تهدف الي مراجعة النص من اجل تلافي بعض النواقص، بينما تهدف الأخرى الي وضع أجهزة رقابية ووقائية تساعد المؤسسات القضائية، كما مأخوذة من واقع تجارب مشابهة لواقعنا المحلي.

 

أ-من ناحية النص

 

قد بدي القانون متساهلا فيما يتعلق بأمد التقادم الذي جعله 5 سنوات بالنسبة للجنايات والجنح.[8]

وهو الشيء الذي لا يتناسب مع مدي الخطورة الجرمية التي أراد القانون اضفائها على جرائم الفساد، مما يقتضي معه النصعلى عدم إمكانية التقادم، او زيادة امده او "عدم إمكانية التقادم في حالة نقل عائدات الجريمة الي الخارج او هروب مرتكب الجريمة".[9]

ومن الأمور التي تدعو للاستغراب، فيما يتعلق بجريمة الاثراء غير المشروع، ان المشرع الموريتاني لم ينص على عقوبة بدنية لهذه الجريمة، مما يجعله متساهلا معها، عكس ما مال اليه المشرع في مالي الجارة الذي نص على عقوبة من سنة الي 5 سنوات.[10]

مما يقتضي معه فرض عقوبة على الاثراء غير المشروع بالإضافة الي ما نص عليه من الحرمان من الحقوق الوطنية.[11]

كما يلزم أيضا توسيع نطاق مصادرة الممتلكات، وكذلك زيادة الضمانات والتدابير المتعلقة بالشهود والخبراء والادلاء بشهاداتهم باستخدام تقنيات الاتصال.[12]

وهنا نري انه كان بالإمكان دمج النصوص المتعلقة بالجانب الوقائي مع النصوص المجرمة، كما هو حال المشرع البوركينابي الذي أدمج في القانون المتعلق بمكافحة الفساد التدابير الوقائية في القطاع العام والخاص، من خلال ضوابط سلوك الموظف العمومي، ومؤسسة التصريح بالمنافع والممتلكات.[13]

ويهدف كذلك الي توسيع نطاق التدابير الرامية الي تشجيع التعاون مع أجهزة انفاذ القانون وكذا التعاون الدولي من خلال تسليم المجرمين الذي كان الإطار التشريعي له المواد 713 714 من قانون الإجراءات الجنائية. بالإضافة الي الاتفاقية العربية في المجال القضائية 1983 المعروفة باتفاقية الرياض، وعدة اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول.

فقد وضع هذا القانون اطارا واضحا للتعاون في مجالات تنفيذ الإجراءات القانونية والتحقيقات المشتركة وأساليب التحري الخاص.

وبمقدور ذلك الإطار التشريعي ان يدعم ما كان موجودا سلفا من تعاون دولي في مجال الرصد المالي خاصة في الانتربول ونظام الاستخبارات في غرب افريقيا، كذا الاتفاقيات الثنائية مع بعض الدول لتبادل المعلومات المالية مباشرة وما للجنة تحليل البيانات المالية من إمكانية لتبادل المعلومات مع أجهزة الاستخبارات المالية الأخرى[14].

 

ب-من حيث الإطار المؤسسي

 

كما رأينا في العرض السابق، لقد تم وضع مجموعة من القواعد المجرمة موضوعيا وإجرائيا، الا انه يلاحظ غياب للمؤسسات الوقائية التي لا شك ستساهم بانحسار هذه الظاهرة الخطيرة.

فلئن كان القانون انشا المحكمة المختصة بالجرائم المرتبطة بالفساد، وقطبي النيابة العامة والتحقيق المكلفين بمكافحة الفساد، في ظل وجود لجنة تحليل البيانات المالية، واوجبت المادة 25 على جميع المسؤولين في الدولة المكلفين بالرصد والمراقبة ابلاغ النيابة العامة عن جميع الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون، فان غياب أجهزة التحري الوقائي كانت السمة البارزة في البنية المؤسساتية لمكافحة الفساد.

فلما كان الهدف هو الوقاية ومحاربة الرشوة والجرائم المرتبطة بها، من اجل ترقية النزاهة والاستقامة في تسيير المال العام، كان من الانسب انشاء سلطة عليا تكلف بالرقابة ومكافحة الفساد، وتسند الي هذا الجهاز مراقبة التصريح بالممتلكات، والمراقبة المالية الداخلية، كما هو الحال بالنسبة لبوركينا فاسو التي أنشئت سلطة الدولة العليا للرقابة ومكافحة الفساد.[15]

وقد عهد المشرع في جمهورية مالي المجاورة بنفس المهمة (الوقاية والتصريح بالممتلكات) للمكتب المركزي لمكافحة الاثراء غير المشروع[16].

كما هو حال المشرع في جمهورية النيجر الذي انشات سلطة عليا لمكافحة الفساد والجرائم المشابهة.[17]

 

 الاتفاقية الصادرة بموجب القرار 58 \4 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 31 أكتوبر 2003.[1]

 تنص المادة 33 من القانون 2016-014 علي تشكله المحكمة المختصة بالجرائم المرتبطة بالفساد.[2]

القانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد، الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016.[3]

  م 2 من للقانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد، الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016 [4]

 المادة 31 من نفس القانون.[5]

المادة 32 من نفس القانون[6]

  المادة 33 من نفس القانون [7]

م 24 من للقانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد، الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016.[8]

 التقييم الصادر عن مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فيينا، ما بين 7و8 نوفمبر 2017.[9]

 المواد 37 و38 من القانون 2014-015 الصادر بتاريخ 27 مايو 2014 المتعلق بمكافحة الاثراء غير المشروع.[10]

القانون رقم 2015-004 المتعلق بمكافحة الفساد بوركنا فاسو.[11]

الاتفاقية الصادرة بموجب القرار 58 \4 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 31 أكتوبر 2003.[12]

 القانون رقم 2015-004 المتعلق بمكافحة الفساد بوركينا فاسو.[13]

 التقييم الصادر عن مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فيينا، ما بين 7و8 نوفمبر 2017.[14]

 المرسوم 2016-16 المصادق على القانوني النظامي رقم 82-2015 من المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 24 نوفمبر 2015 المحدد اختصاص وتشكله ونظام السلطة العليا للرقابة ومكافحة الفساد، جمهورية بوركينا فاسو.[15]

القانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد، الصادر بتاريخ 15 ابريل2016.[16]

 القانون رقم 44-2015 المنظم للسلطة العليل لمكافحة الفساد والجرائم المشابهة.[17]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 القانون رقم 2015-004 المتعلق بمكافحة الفساد بوركينا فاسو.[1]

 التقييم الصادر عن مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فيينا، ما بين 7و8 نوفمبر 2017.[1]

 المرسوم 2016-16 المصادق على القانوني النظامي رقم 82-2015 من المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 24 نوفمبر 2015 المحدد اختصاص وتشكله ونظام السلطة العليا للرقابة ومكافحة الفساد، جمهورية بوركينا فاسو.[1]

القانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد، الصادر بتاريخ 15 ابريل2016.[1]

 القانون رقم 44-2015 المنظم للسلطة العليل لمكافحة الفساد والجرائم المشابهة.[1]

سبت, 30/11/2019 - 00:10