عودة ملك التبغ في موريتانيا

شكلت عودة الملياردير محمد بوعماتو -المستورد الحصري لعلامة مالبورو، وصاحب الشركات العديدة التي نشأت وترعرعت في ظل الدكتاتورية – حدثاً استثنائيا لدى الوسط السياسي المعارض(سابقا)، و الذي كان يدعمه بواسطة ممثله السياسي في موريتانيا محمد ولد غده، الذي نفذ بنجاح عملية الانقلاب على التعديلات الدستورية في مجلس الشيوخ، وهي العملية التي وصفها نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتصويت الدفع المسبق، في حين اعتبرتها المعارضة نصرا على نظام أراد أن يسلك اقصر الطرق لتعديلات دستورية غير مجمع عليها.

لقد عاد الرجل ولم نعلم ما إذا كان قد خضع لفحص فيروس كورنا، هو و الطاقم الذي كان يصاحبه من “مظاليم ولد عبد العزيز” كما يحلو لهم تسمية انفسهم، وهو أول إجراء لإثبات مدى احترام القوانين.

لقد اشتعلت الحرب السياسية والاقتصادية بين ولد عبد العزيز ونظامه، وبوعماتو والمعارضة من جهة، ووصلت لنقطة اللاعودة، حيث استخدمت فيها كافة المحرمات، والموبقات من الطرفين بما فيها الضرب تحت الحزام كما يقال حكام رياضة الفن النبيل.

والغريب أن بوعماتو وقف بقوة خلف الرئيس ولد عبد العزيز في حملته الانتخابية ودفع مليار من الأوقية في سبيل وصوله لسدة الحكم في البلاد ، في استخدام فج للمال السياسي، لدعم مرشح للانتخابات ساءت به علاقته لاحقا واصبح ألد اعداءه.

بوعماتو وصف وصوله لموريتانيا بأنه جعله اسعد رجل على وجه الأرض، وتوجه رأسا لمرقد والدته التي توفيت في غيابه، في مشهد مؤثر وحزين، واعتبر في خطاب مطول حمل الكثير من المعاني الإنسانية عن معاناته على المستوى الشخصي، ووصف رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني بالشجاعة، حيث سعى لمواجهة الشكوك والتآمر بعد تسلمه لمقاليد السلطة سعيا لإعادة موريتانيا لسكة القانون والديمقراطية حسب ما يقول الملياردير  الذي لم يجمع ثروته في كنف العدل.

من الأشياء المهمة التي تكشفها  عملية المصالحة، أن النائب بيرام ولد الداه سيفقد ممولا مهما لسياسته، كما أن عودة الرجل تعد قطعية مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز .

 وقد افرد بوعماتو جزءا من خطابه للثناء على طاقم مستشفى لعيون الخيري  الذي تدعمه منظمته، وذلك على لما قال بأنه نكران للذات والتفاني في خدمة المعوزين من المرضى.

الأكيد أن بوعماتو عاد وفقا لشروط معنية، من بينها عدم انخراطه في العمل السياسي، أو على الأصح عدم استخدام المال السياسي، للتأثير على الناخبين والقرارت السياسية، وهو ما يجب أن يلتزم به الفرقاء السياسيين من سلطة ومعارضة، كما أنه مطالب -وكما عبر هو شخصيا عن ذلك- لعدم السير في منحى سياسة الانتقام،وتصفية الحسابات، وإنما لحمل شعار عفا الله عما سلف، لأن السلطة الحالية تنتهج سياسة الانفتاح و الهدوء والعمل.

منذ سنوات عاد السجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي من معتقل غوانتانمو الرهيب، و أعلن أنه لا تثريب على من سلمه، وأنه قد عفى عن الجميع، بما فيهم الأجهزة الأمنية القذرة، بعد أن وقع ضحية لخطاب بوش بعد تفجيرات منهاتن”من ليس معنا فهو ضدنا”، و الذي ارتعدت له فرائص الأنظمة العربية، وبدأت في تسليم مواطنيها كقرابين ولاء للعم سام.

لقد كان لافتا أن ولد صلاحي أعلن انتهاج العفو عن الجميع، وكذلك فعل محمد بوعماتو اليوم في خطابه الذي تم تداوله عن كونه لا يحمل ذرة حقد كما قال، إنها سياسة التسامح بإيعاز من السلطة، كمقترح أو شرط لاستعادة الحرية، أو السماح بالعودة، مع انتفاء المقارنة بين وضع الرجلين، حيث كان ولد صلاحي سجينا بين اربع جدران في جحيم معتقل خارج القانون، وكان بوعماتو يعيش في فنادق الخمسة نجوم إلا أنه بعيد عن خزائنه وشركاته.

المامـــــي جـــــدو

ثلاثاء, 10/03/2020 - 18:57