ولا تهنوا.... ولا تحزنوا...

ولا تهنوا.... ولا تحزنوا...

بعد الأخبار المفرحة التي تلقاها مجتمعنا بالحمد والشكر لمستحقه جلت قدرته وعظم شأنه؛ لا يسعني إلا أن أكرر الحمد والشكر لله تعالى وادعوا الجميع لمداومة الاستغفار والتسبيح والتقديس للمنعم المتفضل والابتعاد عن لغة التحدي والانتصار، فالبلاء من الله والنجاة منه وحده لا شريك له...

وأود هنا أن أشد على أيدي القائمين على الشأن العام وخاصة وزارة الصحة والداخلية والدفاع تقبل الله عملهم وضاعف لهم الأجر وأخلص بفضله نياتهم له..

كان ذلك قوسا كما يقال أردت فتحته بعد الإعلان عن خلو البلاد من حالات فيروس كوفيد-19 المؤكدة يوم السبت: 18/04/2020، وهي مسألة بقدر ما تفرح إلا أنها تضع ضغطا هائلا على كل جهات إنفاذ القانون وكل من له معرفة ولو بسيطة بمحيطنا الإقليمي وواقعنا الاجتماعي، فلم تكد تظهر نتائج الفحوصات التي تبين خلو آخر الإصابات من الفيروس حتى بدأت بعض الأصوات التي تطبعها السذاجة للأسف بالمطالبة برفع الإغلاق عن المدن وفتح الولايات أمام حركة النقل العادية وهو إجراء إن اتخذ سيحول البلاد من نموذج إلى عبرة لا قدر الله.. 

مع بداية تفشي الوباء في الجوار الصيني ظهرت عدة تجارب تستحق المتابعة بل و حتى الإشادة في كل من سنغافورة وتايوان واليابان وبدرجة أقل آنذاك كوريا الجنوبية ومع أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن اليابان ستكون من النماذج الناجحة إن لم تكن أفضلها، إلا أن الواقع إلى الآن يظهر أنهم جميعا لا زالوا يسيطرون على الوباء ما عدا اليابان.. فبسبب ركونها لقوتها الاقتصادية وتطور بنيتها الصحية انتهجت مقاربة قائمة على شمولية فحص المشتبه بهم ومن خالطهم وعزل المصابين في مقابل التساهل في حركة النقل وبالرغم من النتائج الجيدة التي حققتها في البداية إلا أن التراخي في حركة النقل جعل كثيرا من حالات الإصابة تتسرب إلى داخل البلاد وتنتشر بين الناس وتتنقل بين المدن لتعلن البلاد في: 08/04/2020 حالة الطوارئ في العاصمة طوكيو وست ولايات أخرى لمدة شهر وذلك بسبب قرب وصول المستشفيات في عموم اليابان إلى أقصى طاقتها الاستيعابية وهو إجراء يحتاج على الأقل لشهر حتى تتم معرفة آثاره، وهل تكفي حالة الطوارئ في هذه الولايات أم لابد من إضافة ولايات أخرى..، وهل الإجراء كاف أم إن الوقت قد فات..

وفي أوربا كان لافتا استهانة رئيس الوزراء البريطاني بالوباء عند تصريحه في: 03/03/2020 بعد زيارته لمستشفى تعالج فيه حالات الإصابة بالفيروس حيث صافح الجميع حسب ما ذكر مستهينا بالعدوى و ليظهر بعد تسعة أيام فاجعا شعبه بقرب بفقده لأحبته وفي اليوم الموالي أي: 13/03/2020 روج كبير مستشاريه العلميين السير: باتريك فولانس لمناعة القطيع؛ أي العجز عن مواجهة الفيروس والتفرج على صراعه مع أجهزة المناعة الذاتية للمواطنين..، لتضطر المملكة المتحدة لإعلان الإغلاق التام في: 23/03/2020 أي بعد عشرين يوما فقط من استهانة رئيس الوزراء بالوباء وبعد عشرة أيام من تجربة مناعة القطيع لتتوالي الكوارث بعد ذلكP حيث أعلنت إصابة رئيس الوزراء ووزير الصحة بالفيروس في:27/03، وبعد ما يقارب الشهر من الإغلاق التام في ابريطاينا لا تزال الإصابات و الوفيات في منحى من الارتفاع يرتفع ويقفز...

في حين كان الإجراء الألماني أكثر حكمة وعقلانية فانتهجت البلاد سياسة الفحص الشامل والإغلاق الموجه، فقبل أن تعلن إغلاق حدودها في 16 من مارس الماضي قامت بتتبع حالات الإصابة بالفيروس لمعرفة مصادر العدوى وأين وصلت، وعزل الجميع  وفرض الإغلاق على المناطق التي بها إصابات..، مدفوعة بقدرة وجهد هائلين على إجراء الفحوصات تجاوز 80 ألف تحليل يومي، حيث يتم فحص الكل في المستشفيات و الفرق المنتشرة والمتنقلة في عموم البلاد، لتعلن المانيا في السابع من الشهر الجاري سيطرتها على تفشي الوباء بعد تسجيلها أكثر بقليل من 130 ألف إصابة، ووفاة 4093 شخص ودعوتها لاستمرار الوضع على ما هو عليه، وفق إجراءات مستقبلية لتخفيف مدروس ومحدود للأكثر إلحاحا فالأكثر..

هذه التجارب من الدول الأقوى اقتصاديا والأكثر تطورا في بنيتها الصحية عالميا، أوردتها تكاملا مع مقالات سابقة بينت فيها خطورة الاستهانة بالفيروس وضرر التراخي في إجراءات الوقاية، خاصة في ظل دعوات متتالية وانتظار لفتح الطرق واستئناف حركة النقل بين المدن وهو إجراء مهما صاحبه من جهد لضبط الحدود ستعجز أجهزتنا العسكرية والأمنية عن تحقيقه بنسبة 100% وستعيش تحت ضغوط مستمرة من موجات الهجرة وتجارها، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نعيش حياة طبيعية في إقليم ينتشر فيه الوباء ويعمه الإغلاق وقلة العمل، فنحن اليوم لله الحمد والمنة نملك الأغلى عالميا..، فإعلان الحكومة خلو البلاد من الوباء دعوة للجميع للتوجه لموريتانيا ولو لم يكن بها غيره، فجيوش أوروبا وأجهزتها المتطورة لم تعصمها من الهجرة السرية التي يهلك كثير من طالبيها في البحار وينجح الباقون في الانتشار في أوروبا رغم كل الإمكانيات المرصودة.

تخفيف الإغلاق قد يكون مطلوبا للحالات المرضية من المواطنين، أو حالات حرجة و ضرورية النقل على أن يكون التخفيف في يوم واحد أو يومين أسبوعيا على الأكثر حتى تبقى إمكانية متابعة تنقل حالات الاشتباه أو الإصابة سهلة، على أن يبقى التنقل مقتصرا على المواطنين فقط وينظر في وضع سياسة تقدم قدرا من الحماية للمواطنين في وجه قلة ساعات العمل وعدم التواصل بين المدن..

وقبل اتخاذ أي إجراءات للتخفيف من الوضعية الراهنة ينبغي النظر في وضعية العالقين على الحدود وإدخالهم الحجر الاحترازي داخل البلاد، ووضع قواعد قانونية رادعة للمتسللين ومن يساعدهم والتركيز على تفعيل آلية حماية قادرة على تغطية الفترة المتبقية من السنة، وأقلمة الخطط والسياسات المحلية مع هذه الجائحة .

أدام الله علينا نعمه، وأسبغ علينا فضله، وتجاوز عنا سهونا وجدنا هزلنا وعمدنا، وعاملنا بما هو أهله لا بما نستحقه..

لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

د.سالم فال ابحيدة

ثلاثاء, 21/04/2020 - 11:45