يوميات سجين في معتقل الظلام بقاعدة صلاح الدين (الحلقة الخامسة)

الحلقة الخامسة

هنالك ،بدء بالتجويع ، و تدنيس الطعام على الإخوة بوضع الخنافس والذباب والقراد أحيانا داخل الطعام وأحيانا يكونون أكثر إنسانية فيكتفون بوضع العيدان والحشيش ، ولا حول ولاقوة إلا بالله ونسوا أو تناسوا أن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال تعالى :{و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يأخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم  }

 ،فكنا بسبب ذلك نصاب بإسهلات حادة فكانت بداية لأمراض الجهاز الهضمي ،

بدء بالبواسير و القرحة والقولون العصبي  إضافة إلى أمراض أخرى ارتفاع في ضقط الدم ، وغير ذلك مما لم يحضرني ، أو لايمكن ذكره ، لأسباب أخلاقية ،

ومن أساليب التعذيب المتبعة عندهم كذلك أنهم إذا خرج أحدنا من زنزانته يريد الحمام أو المرحاض، تخرج من زنزانته موجه من الحر بسبب الضغط في الزنازين من وهج الحر فكان السجان إذا خرج الأخ منها يبادر  بإغلاقها حبسا للحرارة داخل الزنزانة ،فإذا رجع الأخ إلى زنزانته وجدها كأشد ماتكون فيتعذب بذلك أشد العذاب وكان زبانية السجن إذا فعلوا ذلك يتضاحكون بعضهم لبعض وكان مما تتفطر له القلوب حين أسمع صوت أحد الإخوة يمزق الصمت القاتل قائلا حسبنا الله ونعم الوكيل ، وأحيانا أسمع آخر يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، وآخر مهللا ،

وكنا حين نسأل السجانين نريد مصحف للقراءة يجيبنا بصوت مرتفع يملؤه الكبر والغرور قائلا ممنوع ،باللغة الفرنسية

وحين نسألهم رياضة المشي ولو ساعة او نصف ساعة يجيبون بنفس الجواب ونفس الطريقة ،

بقينا على هذ المنوال فترة ثم بدأنا نصارع من أجل حياة أفضل ، وذلك لما رأينا أنهم يتلذذون بما نحن فيه فكان أحدنا يتحدى الألم والمرض بقراءة ما يحفظ من القرآن الكريم ، وجعل بعضنا ممن يحفظ القرآن أو جله يلقن البعض الآخر فكانت تلك الأشهر بل حتى  السنة سنة قرآنية بإمتياز ، هذا يرتل وذاك يسمع على غيره وذا يفسر اية أو آيتين رغم محاولة السجانين إسكاتنا عن القراءة في بعض الأوقات إلا أن محولاتهم باءت بالفشل ، بفضل الله ،

كانت الأجواء في تلك الفترة إيمانية تسودها الروابط الأخوية فالمحنة والمعاناة كانت كافية لتحسم الخلافات ، كان إذا خصص أحد الإخوة بظلم ما يثور معه الجميع ، حتى يرفع عنه الظلم وإلا فالظلم إبتداء واقع على الجميع في آن واحد ،

وكنا نصاب بحالات إغماء من شدة الحر فكان حراس السجن إذا وجدوا منا أحدا مغمي عليه يجرونه للخارج على أرضية السجن الخشنة وكأنهم يجرون حطبا أو شيئ لا روح له كان أمرا فظيعا لاتتصوره العقول السليمة  فإذا أخرجوا الأخ من زنزانته صبوا عليه الماء بالقوة ، فإذا أفاق أرجعوه إلى نفس الزنزانه وكأن شيئا لم يحدث كان زبانية السجن في تلك الفترة أشبه بالوحوش ، مقنعي الوجوه .

 فقلت في تلك الفترة تحت تأثير الواقع ،

ألا ليت شعري هل أقيلن ساعة *

بواد كثير الظل عطر النسائم

وهل أردن ْ يوما مياه (تصطفن) *

وهل أشربن منها جنى النحل في الفم

وهل يسرحن طرفي خلال مروجها *

ليقضي لبانات الفؤاد المتيم

بلاد إذاما زار شخص تربها *

يسيح بها جذلان قلب منعم

كأن لم أصحب عليها عصابة *

تذود عن الإسلام ذود القشاعم

ولم أشمخا فيها مقذا إلى العلا *

أعاطى كؤوس العز في غير مأثم

أيا ديم الأشواق سيري إليهم *

ثقالا من الأشواق من كل أسحمي

ومري على واد (بآدمر)  أفيح *

من الإذخر المعطار ريا وسلم *

وقومي على رسم هنالك دارس*

بهضبة واد الضبع للدمع أسجمي

وقولي أخوكم سامه الدهر صرفه *

فبات بسجن قاتم الليل مظلم

يضيق ظلام السجن حرا عليه في*

زنازين قد قامت على جور ظالم

حنين وحرمان وحبل مصرم *

من الأهل والأحباب أو ثغر باسم

و إنا إذا ما سامنا الدهر صرفه *

لنلقاه بالقلب الصبور المسلم

ونعلم أن الخير فيما قضى به *

وقدره المولى الحكيم لمسلم

سنبقى بإذن الله للدين أدرعا *

غدات الحميا والتطاير للدم

وشما رواس في الطريق وأنجما

نزين سماء المجد زينة لانجم.

ولما كان سجانوا السجن يصرون على إبقائنا على هذه الحال المأساوية كان لابد من تضحية لتغيير هذه الوضعية إلى أحسن أو أمر ما ، وكان الخيار الوحيد المطروح هو الإضراب عن الطعام ورغم أن أكثرية الإخوة كانوا يعترضون عليه ، رغم اختلاف الأسباب التى جعلتهم يعارضونه ، فالبعض يتحفظ على جوازه من الناحية الشرعية ، والبعض من ناحية جدوائيته لأن زبانية السجن كان يبدوا منهم عدم الإكتراث بحياتنا ولاحتى مماتنا إلا أننى والأخ الخديم قررنا في نهاية المطاف الدخول في الإضراب عن الطعام ، وكان ذلك بعد شهر رمضان بأيام ، ذلك رمضان الذى أتفق الإخوة أنه هو أشد رمضان عليهم على الإطلاق ، لإنعدام أبسط مقومات العيش ، إلا أن معية الله سبحانه كانت حاضرة في كل تلك المراحل الحياتية الصعبة ، والله لطيف بالعباد ،

يتواصل

سبت, 22/08/2020 - 19:54