يوميات سجين في معتقل الظلام بقاعدة صلاح الدين (الحلقة السادسة)

الحلقة السادسة

مذكرات السجين السلفي/محمد خالد أحمد

دخلنا في الإضراب عن الطعام الذي كان بمثابة إنتحار بطيئ وكان ,

الأخ الخديم في القاطع رقم 1

بينما كنت في القاطع رقم 2

فبدأت ساعات الزمن حينها تدق ببطئ ،وبدأ السجن عامة يدخل حالة من الترقب ، والسجانين رغم

قسوتهم  بدؤوا في حالة من التأهب ، فكان حرس السجن يظهرون عدم الإكتراث بإضرابنا إلا أنهم في الحقيقة كانوا قلقين جدا ،وبعد عشرة أيام من الإضراب تقريبا حان وقت استبدال دفعة النقيب ابراهيم ول البخارى بأخرى يقودها النقيب يعقوب ول ابدّا الذي لم يكن أحسن من سلفه كثيرا ، إلا أن التعليمات بسبب الإضراب بدأت تخف وطأتها وحدتها علينا ، وذلك بعد مفاوضات معنا و وعود بتلبية مطالبنا ، المتمثلة أساسا في ثلاثة مطالب :

_ أعطائنا مصاحف

_ تهوئة للزنازين والسجن

_ تحسين الإعاشة

ولكن كنا نرفض تعليق الإضراب حتى تتحقق مطالبنا كلها ، ثم على اثر ذلك حالتنا الصحية تزداد سوء واجسامنا تزداد نحولة بشكل مفزع للناظر إلينا ودخلنا في مرحلة الخطر الحقيقي ، فكان الطبيب العسكري يتردد إلينا بشكل يومي ، كان الإضراب في تلك الظروف القاسية مغامرة حقيقية كنا نصاب بحالات إغماء شبه يومي ، وشلل كلي فإذا صرنا إلى تلك الحال التي نفقد معها التحكم بأنفسنا يأتون بالطبيب فيناولنا شيئا من السكر ، فتعود أعضاء الجسم لطبيعتها بشكل مؤقت ، وقد أصبت شخصيا بهذه الحالة مرات عديدة فكان الطبيب حين يرى ذلك يصاب بالدهشة وكذلك السجانون يندهشون لأن هذ النوع من الحلات الشللية جديد عليهم ،مع ما في ذلك من تحمل للمسؤولية ،

فلم نزل على تلك الحال المأساوية حتى أتممنا شهرا وكأنه سنة ، جاؤونا بمصاحف ،ثم جعلوا يراودوننا على قطع الإضراب ،ثم بدؤوا بتحسين المعاملة جزئيا مقارنة بما كانوا عليه في فترة المجموعة الأولى ،

ثم حسنوا الطعام بغرض إغرائنا لقطع الإضراب فقلنا لهم لا لا لا حتى يستجاب لجميع مطالبنا بما فيها تحسين تهوءة الزنازين والسجن عموما ، فجعلوا يطاولوننا وكانت بالمقابل حالتنا تزداد سوء فسوء ،

كان السجانون بعد ذلك يحدثوننا أنهم كانوا يتوقعون وفاة أحدنا كل صباح لما يأتوا للتنزيل أو تبادل المجموعات ، وأن الطبيب كان يخبرهم بتلك التوقعات ،

فلما أتممنا أربعين يوما من الإضراب التام عن الطعام بزغ فجر الفرج ، إذا بأصحاب التلحيم يدخلون السجن بآلات القطع التي تقطع الحديد ، وبدءو في العمل فعلا كنت مرمي في ناحية الزنزانة  كالجثة الهامدة ، لكن رائحة التلحيم رغم نتنها كانت أطيب في أنفي من رائحة المسك ، لئنها كانت مؤذنة بالفرج بدأت الروح تدب في جسدي والمعنويات بسرعة البرق ترتفع ربما كان أسعد يوم في حياتي ، ودخل علي النقيب يعقوب ول آبد وقال لي لقد تحقق كل مطالبكم ، فلابد أن تقطع الإضراب لاتقتل نفسك ثم خرج فدخل علي الطبيب العسكري ، وقال: سآمر لك بشيئ خفيف تشربه ، فقلت نعم وهكذا انتهت هذه التجربة المريرة بعد شهر وعشرة أيام من المعاناة ،

أصبت على أثرها بقرحة معدية حادة وكذلك الأخ الخديم أصيب هو كذلك بمشاكل في الجهاز الهضمي ، ثم إنهم شرعوا في تنفيذ تعهداتهم ، بفتح نوافذ في زنازين السجن وفي الجدارن كذلك ، وسحبوا منا المصحفين الذين أتوا بهما ،في أثناء الإضراب ، و وزعوا علينا 14 مصحفا

ليصبح كل واحد منا بحوزته مصحفه الخاص ، رغم ما حصل من التحسينات إلا أننا لم نزل في معاناة بسبب الظروف التي بني فيها وعليها السجن الحر والبرد  الشديدين ، وإن كنا أحسن حالا من ذي قبل وكما قال الشاعر:

*حنانيك بعض الشر أهون من بعض *

يتواصل

اثنين, 24/08/2020 - 01:56