يوميات سجين في معتقل الظلام بقاعدة صلاح الدين (الحلقة الأخيرة)

مذكرات السجين السلفي /محمدخالد ولدأحمد

الحلقة الاخيرة

موقف حصل لي مع أحد الحرس :

 في مرة من المرات جاءنا حرس السجن ليفتحوا عن بعضنا حتى يتوضأ لصلاة العصر  بدأ بي أولاً فلما فتح عني الحارس وقف عند الباب وفي تلك الأثناء كانت زنزانة الواحد منا إذا فتحت خرجت منها موجة مندفعة من الحر ورائحة العرق فأصابته تلك الموجة فتقهقر إلى الوراء بشكل لا إرادي وقد علت عينيه نظرات الإستغراب مما حصل ،

أما بالنسبة لي لم أنتبه كثيرا لان هذا صار شيئا روتينيا ، لكنه ظل ينظر إليّ،

 لما انتهيت من الوضوء قال لي إن شئت أن تستحم فأفعل شعرت حينها بفرح شديد لأن ذلك كان يعنى لنا الكثير :

 تهوئة جلدية لمدة نصف ساعة  ،

 كان هنالك مواقف إنسانية مشابه من بعض الدرك العاملين في السجن وإن كانت نادرة قد يكون بسبب التعليمات المشددة علينا والله أعلم ،

وسأتحفظ على اسماء أولئك وإن كنت لا زلت أتذكرها ولله الحمد،

فمن تلك المواقف الإنسانية أنه كان هنالك حارس كنت حين أخرج إلى  " رياضة المشي"  بعد أن أُذن لنا بها كنت أتحدث إليه وأدعوه إلى الخير فكان يقول لي عبد الرغوف يريد عبد الرؤوف لأنه في لسانه عجمة لماذا دائما تضرب عن الطعام تقتل نفسك ثم يقول إذا انتهيت من المشي مُرّ علي فقد أحضرت لك شيئ ، فإذا أتيته أعطاني علبة من السردين وشيئ من عصير فوستر وكان هذا بمثابة شاة مشوية لأن تلك العلبة والعصير ستقسم بين خمسة أو ستة من الإخوة كان شيئا جميلا بالنسبة لنا،  وربما تكررت هكذا حوادث مع غيري من الإخوة ولكنها نادرا ماتحصل

ثم بدأت الأيام تتسارع بمجموعة النقيب خالد و قد أخذ صيفهم يسحب ذيوله موليا وفي تلك الأسابيع كان المسير خالد يحاول أن يصلح ما أفسد ويجمع ما تبدد ، ولكن هيهات بعد عنه مافات إذ أنه كان في تلك الأيام المتسارعة يأتي كل مساء يطلب من الإخوة الصفح لما أرتكبه في حقهم ، ومما كان يثير الإستغراب أنه كانت تربطه علاقة ضبابية بالأخ الخديم  ولد السمان ، وقد تسرب شيئ منها بعد ذهابه بفترة ،

وقد كان يعد قبل ذهابه عنا أنه قد أرسل  كل مطالبنا وأنه تم الموافقة عليها حسب زعمه بما فيها الكتب الإضافية وزيادة وقت الرياضة وغير ذلك من المطالب إلا أنه لم تمضي أيام حتى تبين أن كل تلك الوعود عبارة عن بروق صيفه وقد قال الأول :

بروق الصيف كاذبة الوعود *

و بدل من أن تأتينا القافلة التي كان يعدنا بها جاءت المجموعة الجديدة بقيادة النقيب " التار "

الذي لم يختلف كثيرا عن سلفه من ناحية التخبط الإداري ، فكنا لا نراه إلا بعد الكثير من الإحتكاكات و الإضرابات ، مما جعل السجن يعيش نوع من عدم الإستقرار و قد تميزت فترة التار هذ بجريمتين منكرتين

الأولى:  هي منع الإخوة من الوضوء ومنعهم من الذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة وقد تكرر هذ الإجراء الظالم في حقنا مرارا وكنا نقابل ذلك بضرب الأبواب كوسيلة للتعبير عن الإحتجاج

و الثانية : أنهم سحبوا منا الكتب مرتين منفصلتين في الأولى سحبوا حتى المصاحف مع الكتب وكان هذ الإجراء في غاية الظلم والبشاعة نظرا لما في هذا الإجراء من التعسف وسلب إنسان حق التعلم الذي ضمنه له ربه سبحانه وضمنه حتى القانون الوضعي والمفارقة أن يحصل هذا في أرض المنارة والرباط التي يترأسها في ذلك الوقت محمد ولد عبد العزيز

"رئيس العمل الإسلامي "كما يلقبه البعض .

ملاحظة:ستشفع هذه المذكرات التي اكتملت بمقال للاستاذة كريمة الدح سينشر لاحقا.

ثلاثاء, 01/09/2020 - 01:17