مستشار الوزير الأول : عام المحاسبة والأسئلة الملحة

/ أجدني غنيا عن الوقوف أمام ما تم من صبغ المشهد السياسي بالحكمة ولم الشمل وما ألبسه من لبوس أخلاقي يراعي المراسيم والأعراف والتقاليد المعتمدة في مختلف البلدان والأنظمة، صيانة لهيبة المؤسسية وانتشالا للجهاز التنفيذي من تبعات وآثار ومخلفات عَقد من التصرف الأسري في شأن الجمهورية.

٢/ لم يسجل التاريخ أن حاكما أراد الإصلاح إرادة صادقة إلا اعترضه المفسدون وعاقه من نبتت لحومهم بالسحت وانفتلت عضلاتهم رشوة وغصبا وغشا واختلاسا فضلا عن النشل والسرقة بلا قناع ودون وازع من دين أو رادع من حياء... عسى الله أن يكلل كل تلك الجهود بهزيمة نكراء للمتآمرين على الأمة، أعداء الوطن، خانة العهد، حنثة اليمين.

٣/ لا يكابر عاقل أن ثمة أسئلة معلقة لم تجد لها جوابا بل لعلها لم تعيها أذن واعية (ومن البلية خطاب من لا يفهم)،  فمنذ الاجتماع الليلي - وقرارات الليل طعينة لدى البعض- بلجنة تسيير حزب الاتحاد والرأي العام يطرح سؤالا ما الذي كان يخطط له الرئيس السابق بالضبط؟ هل يعتبر نفسه رئيسا فعليا وأن كل الذين تركهم وراءه من مكتب سياسي وجهاز حكومي هم أعوان له؟
ما الذي يريد أن يصل له من مؤتمراته الصحفية وتصريحاته المستفزة ولقاءاته المريبة واتصالاته المشبوهة وعزوفه الغامض عن حضور المناسبة الوطنية.
٤/ أليس غريبا أن يجتهد حاكم في اختيار نواب البرلمان فرضا للبعض على ذويه وجلبا للأجانب إلى دوائر انتخابية ليس بينهم معها رحم ولا جيرة ولا معرفة، ثم يقول: إنه لا يعترف بأي لجنة تنشأ عن أغلبية هو من اختارها ونجحها باسم الدولة وأرغم لها الشعوب باسم الدولة وأخرج لها رجال المال بعصا الضرائب وسيف الجمارك؟؟؟
٥/ واضح أن الرئيس السابق مكن القضاء من نفسه حين أقر في مبدأ أمره أنه لا يملك غير حفارة ثم أقر في نهاية حكمه أنه أثري جدا ثراء جعله لا يسحب أوقية من راتبه طيلة اثنتي عشرة سنة وهو الراتب الذي قدّر كبيرا بالمقاسات العالمية كي يغني صاحبه عن التجارة ويعفه عن الإشارة ويبعده عن سائر الخدمات مدفوعة الثمن.
٦/ صحيح أن عام المحاسبة عام فيه أغيث الناس واطمأنوا فنافس المقاولون بعضهم وتحررت لجنة الصفقات من الارتهان وتنفس المخنوقون مضايقة وانطلق المقيدون وسافر الممنوعون وعاد المعمم عليهم، وفرح المنفيون بالرجوع لوطنهم.

٧/ معلوم أن الإجماع الوطني على شأن التحقيق البرلماني سَنن غير مسبوق وبدعة حسنة في ديموقراطيات العالم الثالث حرية أن تحيى وأن تتكرر تجربتها شاملة كل الملفات التي يرى المراقبون فيها شبه فساد وشيات تحايل ومخايل تدليس.
ذلك الإجماع الذي تعزز طيلة المحنة الكوفيدية مشكلا شراكة واقعية في أحلك الظروف التي اعتاد الخصماء السياسيون طعن بعضهم في الخاصرة أثناءه انشغالا بكشف العورات وتبيان الثغرات وتسديد الضربات.
٨/ لولا القرار البرلماني بالتحقيق في ملفات العشرية وتحمل الجهاز التنفيذي المسؤولية بالإحالة للسلطة القضائية واحترام المؤسسة الرئاسية لمبدأ فصل السلطات، لما تنفس الجمهور عبير القانون وسر نظره بممارسة الصلاحيات وتمت المساطر وفقا للنصوص احتراما للإجراءات ووقوفا عند الآجال...
٩/ لولا قرار المحاسبة لما انكشفت معادن الرجال ولما بان خيط الوفاء من خيط التنكر ولظل الجميع منقسما حول صدقية شعارات الحرب على الفساد والعناية بالفقراء وتمكين الشباب وتأسيس الجمهورية الثالثة.

١٠/ بدون شك سيكون الوصول للهدف من المحاسبة أسرع وأقل كلفة وأكثر شرفا ونبلا واتساقا مع قيم الدين ومثل المجتمع ومقتضيات المواطنة الحقة وتقاليد الدولة المدنية حين يقدم المشتبه فيهم بالفساد استقالتهم ويقر المذنبون بموبقاتهم ويشفعون رد ما بأيديهم من مال عمومي باعتذار للوطن وتوبة للمواطن وإنابة للحق مما يحتم إقالة عثرتهم ويخفف من غلطتهم، وليس لكبيرة أكل المال العام نظير في السوء إلا المكابرة إصرارا على إنكارها وتمسكا بالإقرار بالثروة رفضا لذكر مصادرها وكتمانا لمسوغات الحصول عليها.

مستشار الوزير الأول
المحامي وأستاذ التعليم العالي د/ أحمد سالم بن ما يأبى

خميس, 03/09/2020 - 17:47