انتفاضة مقدمي خدمة التعليم

إن الانتفاضة الشريفة التي يقوم بها مقدمو خدمة التعليم هذه الأيام لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة لحقب طويلة عانى من خلالها "المدرس" العقدوي من الظلم و التهميش و الاحتقار.......

لقد كانت سنوات الجمر الماضية كفيلة بميلاد هذه الانتفاضة للتعبير عن هول التعذيب المعنوي الذي مورس على العقدوي بشكل منظم و مقصود، حتى يظل خاضعا للاستغلال و الاستعباد، و قد استُخدمت في ذلك شتى الوسائل للتأثير عليه، مثل:  إقناعه أنه غير مؤهل للدمج في الوظيفة العمومية و عدم امتلاكه المهارة الكافية للقيام بمهمته على أكمل وجه، لكنه في نفس الوقت يدرس التلاميذ، بل يدير مؤسسة مدرسية.........

الكثير من هؤلاء الشباب، أتعبته الوعود و عهود الإغراء المزيف  ليصيبه ذلك بالإحباط فدعاه إحباطه إلى الهجرة بصمت خارج الوطن، حتى يضمن لنفسه مستقبلا أفضل بعدما شرد من طرف من لا يريدون إصلاحا في وطنه.

و قد يكون الامر عجيبا فيكفيك وصفه بالغرابة و لكن الوصف أو "النظرة" التي تنظر بها وزارتنا "وزارة التهذيب" اتجاه مقدمي خدمة التعليم يزيد وصفك غرابة وتعجبا، لأنه معقد، و متناقض، و محير..... 
فهي تحاول إيهام الرأي العام بأن مقدم خدمة التعليم لا يمتلك من المؤهلات ما يخول له أن يكون معلما أو أستاذا، لكنه في نفس الوقت هو معلم و هو أستاذ، و قد يكون مديرا في بعض الأحيان إن دعت الضرورة إلى ذلك و الوزارة تريد أن يظل كذلك ما دامت هي بحاجة إليه و مادام هو مستعد لأن تستغله .....

إنها في تناقض بحكم ما تقوله عن مقدم خدمة التعليم و ما تفعله به، أم إن معيار الكفاءة عند وزارتنا هو: ما تمنحه من تعويض مادي حسب هواها ؟ أم هو منطق الاستغلال وتضليل الرأي العام خدمة لذلك...؟

إن زمن استغلال الأشخاص و جعلهم آلات موجهة، قد ولى و لم يعد له مكان في الوجود إلا في أذهان من تجاوزهم الزمن ، و إن مقدمي خدمة التعليم يدركون قيمتهم و أهميتهم ليس فقط عند الوزارة التي لا تقيم لهم وزنا، بل أهميتهم كبشر يستحقون حياة أفضل و لا يمكن استغلالهم من أي جهة.

لقد جاء مقدمو خدمة التعليم إلى الميدان، ففتحوا مدارس ابتدائية كانت مغلقة الأبواب قبلهم، و إعداديات و ثانويات كانت تعاني النقص الحاد في المدرسين، ففتحوا تلك المدارس و كملوا هذه الإعداديات....، و هم اليوم يدركون أن التعليم لا يستقيم من دونهم ما لم تبحث الوزارة عن بديل، ولن يوجد بديل أحسن شفافية من طريقة اختيارهم بمسابقة شفافة بشقيها: الكتابي والشفهي، وتكوينهم تكوينا سريعا من خيرة المفتشين، بعد أن كان اختيارهم -كما هو معلوم- بيد المديرين الجهويين، دون رقابة أو شفافية، ناهيك عن مسابقة أو تكوين
لذا يدرك مقدمو الخدمة كما يدرك الجميع أنهم مهضومو الحقوق.....

لقد أدلى المفتشون و مديرو المدارس بشهادتهم حول كفاءة مقدمي خدمة التعليم و أهليتهم لممارسة مهنة التدريس و قد صرح وزير التهذيب بذلك أيضا على وسائل الاعلام، إذن فما الذي يمنعهم بأن يصبحوا موظفين رسميين ماداموا قادرين على تأدية هذه المهمة في نظر الوزارة نفسها ؟

إن مقدمي خدمة التعليم لا يطالبون بالمستحيل و لا يكلفون الوزارة أكثر مما ينبغي أن تتحمله اتجاه الواجب الأخلاقي و الوطني، و احترام القانون، و تكريس مبدأ العدل بين العاملين لديها....، إنهم يسعون فقط إلى إنصافهم و معاملتهم باحترام كما يجب.

إنه من المستحيل أن يقبل إنسان يحمل شهادة عليا اكتسب الخبرة الميدانية، وهو في الأخير كفؤ متعلم، بالاستمرار في الاتجاه المجهول، فأقل القليل هو معرفة المستقبل بشكل واضح، و هو ما ترفض الوزارة الكشف عنه، لتظل ممسكة بزمام مقدمي خدمة التعليم  تجرهم نحو المجهول، مستخدمة في ذلك وعودا، غير موضحة الآليات و لا محددة الآجال حتى تستغني عنهم، فتتخلص منهم أو ترمي بهم عرض الحائط، أو تواجههم بعد سنين بواقع مر، كما فعلت بالعقدويين السابقين مع كامل الأسف.

إن مقدمي خدمة التعليم لن يكونوا آلة سهلة الاستخدام و لن يقبلوا بأقل من أن تتعامل معهم الوزارة بشكل واضح و قانوني، يضمن لهم حقوقهم من أجل مستقبل مشرق.

و سوف يستخدم مقدمو خدمة التعليم كافة الوسائل السلمية و الأخلاقية التي يكفلها لهم القانون و العرف كالتظاهر و الاعتصام إلى أن تتحقق مطالبهم
 وليس التظاهر و الاعتصام إلا سبيلا يوصل لذلك الهدف البعيد في نظر الوزارة
وليس الغرض منه في هذه الظرفية الحرجة، نشر الفوضى أو التشويش، كما يرى ذلك أصحاب النيات السيئة، بل هو تعبير عن ألم عميق، و رفض لواقع سيء تراكم منذ سنوات عديدة.

محفوظ السنوسي

خميس, 24/12/2020 - 21:03