وجاهة المادة 93 وعلاقتها بنازلة حكم القاضي (رسالة موجة إلى علماء الأمة)

منصب رئيس الجمهورية هو أسمى منصب في الدولة وعليه واجبات ومسئوليات تقديرية بدرجة كبيرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمارس سلطة التقدير ما دام ينتظره اتهام يتعلق بتقديره أو بقيامه بواجباته المنوطة به كرئيس للجمهورية.

ثم إن سلطته التقديرية لا تتوقف عند مجال محدد بل تتعلق بكافة مجالات الحياة، بما فيها، وهنا مربط الفرص، تعيين القضاة، وإقالتهم، تعيين وكلاء الجمهورية وإقالتهم، تعيين الوزراء وإقالتهم، تعيين الأمناء العامون وإقالتهم، تعيين رؤساء المحاكم وإقالتهم، تعيين رؤساء المحكمة العليا، تعيين رؤساء المجلس الدستوري .... إلخ.

كافة المناصب القائمة في الجمهورية يتم تعيينها بشكل مباشر أو غير مباشر من طرف رئيس الجمهورية.

و من هذا المنطلق فإن أي إقالة جاءت عن طريق تقدير رئيس الجمهورية (وهي حق له وواجب عليه) يمكن أن ينشأ عنها عدم رضى، يمكن أن يكون عاملا مؤثرا في أي شخص من المعنيين إذا وفر له الدستور إمكانية محاكمة الرئيس أو التحقيق معه أو استجوابه، او حتى إيقافه مؤقتا.

ومن هذا المنطلق فإنه أيضا وبنفس الدرجة، المشرع، لا يمكن أن يعطي سلطة تقديرية لشخص ويجعله محل مسائلة عن تلك السلطة التقديرية، أو حتى محل مكاشفة عن فحواها، أمام أي كان، السلطة التقديرية ترتبط ارتباطا وثيقا بواجب التحفظ.

ثم إنه من باب الحماية المكرسة دستوريا لرئيس الجمهورية مدى الحياة جاء مقابلها عدم الحماية من فعل واحد يعتبر الجريمة الوحيدة التي يمكن أن توجه إلى رئيس الجمهورية وهي الخيانة العظمى، وهنا يجب التوقف قليلا فجعل الجميع يفهم معنى الخيانة العظمى.

التعريف القانوني للخيانة العظمى هو:

لا يوجد تعريف واضح أو مدلول محدد لاصطلاح الخيانة العظمى، ولعل هذا ما دفع البعض إلى القول بأن الخيانة العظمى " هي جريمة سياسية لا تتأتى إلا عن أعمال الوظيفة فهي ليست بحد ذاتها جريمة جزائية، فالخيانة العظمى هي إذن فكرة ذات طابع سياسي غير محددة قانوناً قد يرافقها عناصر جرم جزائي وقد تأتي سياسية بكاملها دون أن يختلط بها عناصر جرم جزائي ".

ويرى الفقيه الفرنسي ( An-tide Moreau ): "أن الخيانة العظمى تتفق إجمالاً مع الإخلال بالواجبات التي تقع على عاتق رئيس الدولة، وتتجسد الخيانة العظمى إما في إعاقة السير المنتظم للسلطة التشريعية أو في ارتكاب جرائم جزائية لا تنفصل عن الوظائف التي ينهض رئيس الجمهورية بتأديتها ".

كما أن الفقيه الفرنسي موريس ديفرجيه M.Duverger قد عرَّف الخيانة العظمى بقوله " الخيانة العظمى بالنسبة لرئيس الجمهورية تتكون من إساءة استعمال الرئيس لوظيفته لتحقيق عمل ضد الدستور أو المصالح العليا للبلاد ".

ويشير العميد فيدل G.vedel إلى أن " الخيانة العظمى ليست جريمة جنائية وذلك لأن قانون العقوبات عرَّف الخيانة ولم يحدد المقصود بالخيانة العظمى، ومن ثم فإنه يجب على المحكمة العليا أن توجه الاتهام، والمحكمة العليا التي تتولى المحاكمة هي التي تقدِّر فيما إذا كانت الأفعال المنسوبة لرئيس الجمهورية تشكل خيانة عظمى أم لا "، وينتهي في النهاية إلى أن الخيانة العظمى هي جريمة ذات مضمون سياسي. (انتهى التعريف).

بالعودة إلى الموضوع فإن التهم الموجهة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ليست مؤسسة لأنها تدخل في إطار القانون الجنائي ولا تدخل أبدا في إطار ما يمكن أن يسمى "الخيانة العظمى" أو الجريمة السياسية.

ثم إنه بالرجوع إلى أصل القانون الدستوري (المادة 93) الذي ينص على أن رئيس الجمهورية يمكن أن يحاكم بسبب الخيانة العظمى، وأصل النص بطبيعة الحال فرنسيا، وليس عربيا، لأن الدستور بأكمله مستجلب من الدستور الفرنسي ونعتمد في الاستئناس والاستنتاج غالبا دستور الجمهورية الفرنسية.

يبدو أن النص الفرنسي أكثر وضوحا من الترجمة التي تمت عليه لتوجد منه نسخة عربية.

لا تمكن مسائلة رئيس الجمهورية عن الأعمال التي يقوم بها (في فترة حكمه) هذه هي الترجمة الصحيحة للنص الفرنسي، بينما النص العربي يقول "اثناء" فترة حكمه، وهي ترجمة ضعيفة وغير متناسقة.

فمقابل "أثناء" من اللغة الفرنسية "pendant" وليس "dans" الموجودة في النص الفرنسي.

المحير أن الخبير الدستوري الذي كتب دستور 2006 الأستاذ أحمد سالم ولد بوبوط رحمة الله عليه، كتب الدستور باللغة الفرنسية واعتمد العبارة "في" وليست العبارة "أثناء" ولا العبارة "عندما".

وهو ما يعني أن القضاء الجالس لا يستطيع البت في تهم جنائية موجهة لرئيس الجمهورية ما دام الدستور لم يخول له ذلك.

بل إنه ولتدعيم ما قدمته هاهنا فإن الدستور لم يوفر هذا لاستثناء للوزراء الذين حدد أنه يمكن أن يحاكموا جنائيا على جرائم ارتكبوها أثناء تأديتهم لمسؤولياتهم كوزراء، والعجيب أيضا أن المشرع حدد محكمة العدل السامية كمحكمة اختصاص في محاكمتهم في كافة الجرائم الجنائي، وهو ما يعني أن المشرع غير اختصاص هذه المحمكة من محكمة سياسية في حالة رئيس الجمهورية إلى محكمة جنائية في حالة اتهام الوزراء.

كل هذا و أكثر دليل على أن المشرع ليس غافلا عن احتمال قيام رئيس الجمهورية بأعمال يعتبرها القانون العادي "جنائية" بينما يراها المشرع بالنسبة لرئيس الجمهورية "سلطة تقديرية"، لذا لم يذكر أنه تمكن محاكمة رئيس الجمهورية محاكمة عادية، فلا يمكن ضمان العدل التام في محاكمة "مثلا" رئيس محكمة عليا من طرف قاض كان يعمل تحت امرته، فالعدل لا يتحقق إلا بأمرين أن يقوم على الدستور والقانون حرفيا، و أن لا يكون القاضي طرفا في عملية المحاكمة من خلال احداث سجلت في الماضي يمكن أن تؤثر على قراراته، فزواج القاضي سابقا من متهمة يمنعه من محاكمتها، وحصول خصومة مسبقة بين القاضي أو أحد أفراد أسرته مع متهم معين، يمنعه من محاكمته، بل نذهب لأبعد من ذلك، فحين يحدث حادث سير يكون القاضي فيه طرفا مع شخص آخر، توجه له تهمة فيما بعد و يمثل أمام نفس القاضي يجب على القاضي طلب تكليف قاض غيره بمحاكمة هذا المتهم.

وهذا ما يسمى الورع، والقاضي لا يكون إلا ورعا، فلا مجال لقبول محاكمة رئيس محكمة الفساد لرئيس الجمهورية الذي عينه أو ربما أقاله أو ربما حتى أدبه في أحد مجالس القضاء التي كان يترأسها طيلة فترة حكمه 11 سنة.

وهنا يستوقفني أمر محير للغاية حيث يعتبر حكم القاضي لنفسه حكما باطلا، خاصة إذا حكم لنفسه أو في مال هو شريك فيه أو لأصله أو فرعه، وهو (حكم القاضي لنفسه) محرم عند المالكية، و المعلوم أن القاضي شريك في المال العام ما يستدعي مني توجيه السؤال إلى السادة العلماء الأجلاء الفضلاء التالية أسماؤهم، و أحمل من له بهم صلة هذه الأمانة ليوصلها إليهم، و أنشدهم إلى الرد الذي أوجب الله عليهم فيما فقهوا وما عُلِمُوا من دين الله :

العلامة محمد الحسن ولد الددو

العلامة عبد الله بن بيه

العلامة لمرابط حبيب الرحمن

العلامة عبد الرحمن ولد فتن

العلامة حمدا ولد التاه

العلامة محمد فاضل ولد محمد الأمين

 

و إلى مجلس الفتوى والمظالم بأعضائهم أصحاب الفضيلة :

 

العلامة أحمد الحسن ولد الشيخ محمد حامد

العلامة محمد محمود ولد غالي

العلامة محمد محمود ولد أحمد يوره

العلامة أحمد لثيق ولد محمد لغظف

العلامة محمد الأمين ولد داداه

العلامة بون عمر لي

العلامة الراجل ولد عثمان

العلامة أمين ولد أباتي

العلامة محمد ولد يوسف

وأحمل هذه الرسالة إلى كل من له صلة بعالم رباني كان قد غاب عني ذكر اسمه وسبحان من لا يسنى.

والله من وراء القصد

كتبه الأستاذ محمد فاضل الهادي

أنواكشوط بتاريخ فاتح يوليو 2021

 

جمعة, 09/07/2021 - 17:00