لكوارب..جزء من المرافعات المقدمة أمام المحكمة الجنائية لصالح متهمي اركيز

قدم أكثر 10محامين من أصل 15محاميا يشكل لفيف الدفاع عن سجناء اركيز ،مرافعاتهم أمام المحكمة الجنائية التي تحاكم المتهمين ،وقد توصلت شبكة المراقب باحدى المرافعات وهي مرافعة المحامي الأستاذ/ حنن عبدالله:

تقديم:
فى البداية
أريد أن أنبه على أن تشكلة المحكمة الجنائية تضمنت  ضمانات خاصة
ويتجلى ذلك فى ثلاثية التشكلة القضائية لها وفى عضوية المحلفين لكونهم يمثلون الواقع والمجتمع بكل آماله وكل آلامه بكل تفاصيل دقائق حياة الناس وماينفعها ومايضرها
وأصواتهم فى مداولات المحكمة تداولية فتقع عليهم المسؤولية القانونية والشرعية أمام الله عن الأحكام التى تصدر عن المحكمة مثلهم فى ذلك مثل القضاة
لذلك أسترعي انتباه المحلفين كما أسترعي انتباه القضاة الأفاضل وأتمنى لهم جميعا التوفيق

المرافعة
أولا الوقائع:
بداية لابد من أن نستحضر السياق الذى جاءت فيه المظاهر ة السلمية التى قام بها سكان مدينة اركيز
لنقف على أسباب هذه المظاهرة السلمية
هناك عوامل تراكمية  وعوامل ظرفيةأدت لهذه المظاهر ة السلمية منها أن:
- أن أغلب الساسة وأصحاب المال والنفوذ من أهل المنطقة وجهوا نفوذهم وإنكانياتهم لتقوية قراهم الخاصة على حساب المدينة المركزية وتركوا سكان المدينة يواجهون لوحدهم ظروفا صعبة بل ربما  استغلوا نفوذهم للتنافس على السلطات المحلية واستغلالها مما جعل مصالح الدولة تركز خدماتها على القرى المحيطة بالمدينة.
وعين الدولة على مواطنيهاهي السلطات المحلية فإذا قصرت فشلت مهمة الدولة فى دعم مواطنيها وتوفير الخدمات الأساسية لهم.
 - أنه فى ظل أجواء فصل الخريف وما اكتنفها من صعوبات كان أداء مصالح الدولة فى المدينة ضعيفا جدا
فالكهرباء فى حالة انقطاع مستمر وكذلك الماء ، والخدمات الأخرى
ففقد الناس قدرتهم على مكابدة الظروف القاسية أصلا
- أنه بمناسبة فصل الخريف ظهرت فى المنطقة فرصة للسياحة والترويح  فتعرضت المدينة لضغط هائل نتيجة لأفواج السائحين إلى منتجع جوخة ولأن مصالح الدولة فى هذه الظرفية لم تعمل على تكييف  هذا الواقع بشكل يسمح من جهة باستفادة سكان المدينة ومن جهة أخرى يراعي الأبعاد الأمنية التى قد تنتج عن تدفق الناس على المدينة من كل اتجاهات الوطن
كان سكان المدينة منذو زمن يطالبون السلطات العمومية وساسة المدينة بالنظر فى أوضاعهم وحل بعض مشاكلهم لكن دون جدوى
لقد أسمعت لو ناديت@ ولكن لا حياة لمن تنادي.
فالجميع منشغل فى مصالحه الخاصة.
إذا فى ظل هذه الظروف وفى يوم من أيام تدفق الغرباء على مدينة اركيز والضغط مستمر
تحرك السكان فى مظاهرة سلمية للتعبير عن واقعهم الصعب ولتذكير السلطات المحلية بأن الدولة الآن محكومة من طرف نظام أعلن اهتمامه بمواطنيه وأن قوة فى الحق يدفعها الالتقاء بين النظام الجديد ومواطنيه ترفض السكوت على ضعف المصالح المحلية للدولة واستغلالعا من طرف النافذين وتخليها عن مسؤولياتها
وهنا أريد أن أرصد ملا حظتين:
الأولى: تتعلق بشرعية التظاهر السلمي فهو حق يكفله  الدستور، وتأصل له السنة وسير الصحابة
تتذكرون أنه حين أسلم الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج المسلمون لإظهار القوة فى الحق وترتب على ذلك إعلان الدعوة الثائرة على الفساد والمفسدين
كذلك يمكننا القول أنه حين خرج أهل مدينة اركيز لإظهار قوتهم وقوة نظام الحكم الجديد فى الحق  
ترتبت على ذلك نتائج مباشرة وغير مباشرة
فقد عبر النظام فورا عن موقفه الصارم ومبدئه الحازم فى هذه المسألة حين عاقب المسؤولين المحلين بإعفائهم من مسؤولياتهم وأمر بإصلاح الخلل وحل مشاكل المواطنين
بل أكثر من ذلك أدركت الدولة مسؤولية ممثليها عن الأحداث بسبب  خطئهم وتقصيرهم تجاه مواطنيها وعلمت أن من ارتكبوا عنفا أو تسببوا فى أضرار إما أنهم مجهولين وأغلب الظن أنهم دخلاء على المدينة رمت بهم قوافل السياح فيها، وإما أنهم بعض الأطفال القصر الذين ينشرون الفوضى فى مثل هذه الحالات  
المهم أنها بسبب ذلك لم تشك أحدا من المتهمين بل كانت رسالتها أن المذنب هو السلطات المحلية فعاقبتها على الفور، ولعل النيابة الموقرة تشاطرنا هذه الحقيقة.
أريد أن ألاحظ هنا أن هذه التظاهرة السلمية ليست خروجا على الحاكم  لأنها فى أهدافها التقت مع إرادة الحاكم وحرصه على احترام شعبه وتحقيق مصالحه.
ولأن الخروج على الحاكم يعنى شيئا آخر لا مجال الحديث عنه هنا.

ثانيا: التهم
رئيس وأعضاء المحكمة الموقرة.
لقد وردت أمر الإحالة تقريبا سبع تهم  أغلبها جنح
ولأنه بناء على الوقائع آنفة الذكر وموقف الدولة منها المعبر عنه فى حينه يمكننا القول بأن المتهمين غير مسؤولين عما حدث.
السيد الرئيس،
لقد أنكر جميع المتهمين أمام محكمتكم الموقرة التهم الموجهة لهم وسأتطرق لا حقا لأثر هذا الإنكار
لكن هنا أود رصد بعض الملاحظات المهمة جدا.
لقد ثبت أن أغلب المتهمين عملوا على تفريغ التظاهرة حين خرجت عن طور السلمية وانحرغت إلى الشغب ونجحوا فعلا فى ذلك
ولذلك لم تدرك القوة العمومية أي مظاهرات قائمة أحرى أن يكون هناك تجمهر.
لقد ثبت أن  بعض المتهمين بذلوا جهودا مضنية وصادقة للحيلولة بين المنشآت العمومية والخصوصية والمتظاهرين وعملوا على حماية وإنقاذ أفراد من السلطات العمومية والمواطنين.
فكيف إذا يستساغ اتهامهم كان من اللازم الإحسان إليهم ومكافأتهم  على حسن صنيعهم.
السيد الرئيس،
نعلم أن أغلب المتهمين إن لم يكن جميعهم لم يقبض عليهم فى مظاهرة ولا فى تجمهر مهما كان وصفه وإنما قبض على الكثير منهم فى منزله أو منزل ذويه أو مكان عمله، وبعضهم سلم نفسه.
إذا كيف يمكن أن تنسب إليهم هذه الوقائع المجرمة والحالة هي كما أسلفنا!!! ؟
إذا لا علاقة لهؤلاء الماثلين أمام محكمتكم الموقرة بالتهم الموجهة إليهم .

ثالثا: وسائل الإثبات
السيدالرئيس،
كما أسلفنا أصر المتهمون أمام محكمتكم الموقرة على إنكار التهم الموجهة إليهم وهذا حق يكفله لهم القانون ويترتب عليه أن:
المحكمة لا بد أن تأخذ تصريحاتهم أمامها بعين الاعتبار وخاصة ماتضمنته من إنكار خصوصا أنه لاتجد وسائل إثبات ضدهم معتبرة  قانونا ومانسب إليهم من اعتراف سابق لمحكمتكم الموقرة مشكوك فى صحته.
إن قصد المشرع من إجبارية  الإجراءات التحقيقية المقامة أمام المحكمة هو إتاحة الفرصة للمتهم من أجل أن يتمكن من الدفاع عن نفسه فى ظروف يشعر فيها بالأمان وعدم الحرج من قول الحقيقة وذلك استصحابا لمبدأ البراءة .
لذلك إذا أنكر المتهم مانسب إليه من تصريحات سابقة على مثوله أمام المحكمة ولم يقم دليل على إثبات عكس ما يصرح به أمام المحكمة فلامناص من الأخذ بتصريحاته أمام المحكمة وصرف النظر عما سبق ذلك.
من المعروف أنه لا توجد وسائل إثبات فى ملف هذه القضية يعتد بها ضد المتهمين.
أما الاعتراف فهو مجرد عنصر من عناصر الإثبات وقد ورد فة مضمون  المادة 387 من ق إ ج على أنه يرجع إلى تقدير المحكمة في ما يتعلق بصحته وإمانية الأخذ به كدليل ضد المتهم.
وتضمنت المادة 386 أن قناعة المحكمة الشخصية المنتجة لحكمها فى هذا المجال تعتمد على : البينات والمثبتات القانونية.
والاعتراف حتى يمكن وصفه بإثبات قانوني لا بد أن يكون خاليا من شائبة العيوب المتعلقة بالإكراه وقد صرح المتهمون بنسبة 99%  منهم أنهم التعرضوا للتعذيب والمغالطة
والتعذيب كما نعلم يكون جسديا ويكون معنويا والإكراه يأتى منهما معا.
والمغالطة هي الأخرى تأثر على صحة الاعتراف لماتتضمنه من تدليس فحين يقال للمتهم وقع المحضر حتى لا تسجن أو ذلك سينفعك أو يقال له لم نضع فيه إلا أقوالك وهو لا يقرأ أو لم يمكن من قراءة تصريحه فكل ذلك مغالطات تأثر على صحة الاعتراف.
رابعا: الشك فى صحة الاعتراف وصحة نسبة الوقائع للمهتمين.
إن الاعتراف الذى يمكن الاعتداد به هو الاعتراف القانوني الخالي من أي عيوب أي الذى توفرت له شروط الصحة وقد رأينا سابقا أنه لا يوجد اعتراف للمهتمين تستطيع المحكمة الاعتداد به
وبالنسبة لماورد فى المحاضر
فإذا تعلق الأمر بمحاضر الضبطية فهذه لاتصلح سوى للاستئناس البسيط مما يعنى أنه نفيه ممكن بأبسط الأدلة وأنه لايمكن الاعتماد عليه فى الحكم.
أما إذا تعلق بمحاضر التحقيق فهي لاتملك حجية الأحكام القضائي حتى تفترض فيها الصحة بنفس المستوى  وحين ينكر المتهم ماورد فيها فلا يحتج عليه بالتوقيع .
السيد الرئيس،
محكمتكم الموقرة فى تحقيقها مع المتهمين لم تواجههم بأي أدلة أخرى أو وسائل إثبات مهما كان نوعها والنيابة الموقرة لم تقدم أي وسائل إثبات يعتدبها.
إذامادام لا يوجد اعتراف يصلح للإدانة يمكن للمحكمة أن تعتدبه  والمتهمون جميعهم ينكرون التهم الموجهة إليهم والمحكمة لم تواجههم بأي أدلة أخرى تصلح للإدانة والنيابة لم تقدم دليل إثبات معتبر فإن صحة نسبة التهم للمهتمين مشكوك فيها
فلا مناص للمحكمة والحالة هذه من إعمال قاعدة : الشك يفسر لصالح المتهم وهي القاعدة التى كرستها المادة التمهيدية من ق إ ج
وكذلك لا مناص لها من إعمال  قاعدة : ادرؤوا الحدود بالشبهات
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة).
السد الرئيس،
هناك شيء لفت انتباهي يتعلق بهؤلاء المتهمين وهو أنهم جميعا من أصحاب المهن الصغيرة الهشة فهم ما بين حلاق ومصلح عجلات وبائع هواتف ونحوذلك إضافة إلى بعض الطلاب
وبالرغم من الإشارات الإيجابية التى أرسلتها الدولة بما يتضمن اعترافها بأن من يمثلها من السلطات المحلية هو المسؤول عنما حدث فإن هؤلاء خضعوا للأسف لعقوبات جماعية متعدية إلى ذويهم لقد قيدت حيرياتهم بحبس احتياطي غير مبرر مدة تقارب السنة وبسبب ذلك منع أهاليهم من أبسط ظروف العيش التى كانوا يحصلون عليها بكدح أبنائهم ومنع بعض الأبناء للأسف من متابعة دراستهم
فأين العدالة ومبادئها السامية فى ذلك
لقد جاء الإسلام لتكريم الإنسان
قال تعالى :(( ولقد كرمنا بنى ءادم وحملناهم فى البر والبحر))
لكن كرامة هؤلاء مست وحرياتهم أهينت بدون مصوغ قانوني معتبر
فلم يعد هناك ما يجبر هذا الجرح إلا التعويض للمهتمين والنطق ببراءتهم
وتلك هي مطالب الدفاع.

أربعاء, 01/06/2022 - 13:50