الموثق ومنظومة غسل الأموال / الاستاذ عبد الرحمن محمد المهدي

 

رسم معالي الدكتور محمد محمود ولد الشيخ عبدالله بن بيه ، وزير العدل وحافظ الختم بالجمهورية الاسلامية الموريتانية ،صورة جديدة لحاضر ومستقبل قطاع العدل في بلادنا ، عنوانها الارتقاء بالعمل المؤسسي وتحسين كفاءة الكادر البشري وتطوير الترسانة القانونية وتشييد البنى التحتية العدلية ، لتمكين قطاعه من مسايرة التحولات الكبرى التي تشهدها البلاد .

بسعة نظره ورزانته المعهودتين، المتكأتان على تكوين معرفي مرموق وخبرة وتجربة مشهودين ، بث روح النزاهة والمهنية في قطاعه وقضى على مظاهر السلبية والجمود التي كانت سائدة قبله ، فأشرف على وضع الآليات ورصد الموارد ومراجعة النصوص...

و اليوم يستعد قطاعه ، لإطلاق ايام تشاورية تحت شعار " أي عدالة نريد ؟ "، ستضع معالم خارطة طريق لإصلاح وتطوير قطاع العدل ، تتوج بإصدار وثيقة وطنية ، يتم تقديمها لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني قبل نهاية العام الجاري 2022 ،ليبدأ تنفيذ مخرجاتها قبل نهاية مأموريته الأولى 2024.

ومن محطات هذا العمل الاصلاحي الجاد ، نقف عند محطة إصدار القانون رقم : 018-2022 المتضمن النظام الأساسي للموثقين الجديد ، الذي جاء ثمرة من ثمار حركية التغيير والتطوير ، ولبنة تنضاف لصرح دولة القانون والمؤسسات ، وخطوة اخرى مهمة في درب التنمية والاستقرار.

هذا القانون كما بيّن معاليه في المؤتمر الصحفي بتاريخ 2022/06/30 خلال عرضه لأسبابه
جاء : للقضاء على ارتفاع حالات أخطاء الموثقين، وانتشار ظاهرة تحريف وتزوير العقود الموثقة، إضافة إلى استغلال المهنة في الاستيلاء على ممتلكات الأشخاص ، وللحد من عدم الفعالية والعجز الذي فاقمه انتشار التوثيق العرفي وما وفره من ملاذ آمن في بعض الأحيان ، لمرتكبي جرائم الاحتيال والنصب والتهرب الضريبي وغسيل الاموال وتمويل الإرهاب لعدم خضوعه لتدابير المراقبة والإشراف اللازمة ، جاء القانون ليعيد تنظيم مهنة التوثيق ليبين طرق ممارستها ليحدد مجال الاختصاص الترابي لكل مكتب توثيق ليضع الشروط العامة للولوج للمهنة بطريقة توازن بين امتصاص البطالة والاستفادة من تجربة مهنيي التوثيق .

هذا التشخيص الشامل من معاليه يوضح مدى الاهتمام الذي يوليه القطاع لإصلاح وتطوير مهنة التوثيق ،لجعلها تواكب مسارات و ورش التنمية التي دشنها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني منذ توليه قيادة البلاد .

القانون بنشره بالعدد رقم : 1517 الصادر بتاريخ 2022/09/15 من الجريدة الرسمية وسريانه ،وضع كافة المشتغلين بمهنة التوثيق امام مسؤولياتهم بمدهم بالوسائل الضرورية والحماية القانونية المطلوبة .

اعطى الموثق حصانة كبيرة ، حيث اصبح مكتبه يتمتع بالحماية القانونية ولا يجوز استجوابه او تفتيش مكتبه الا بناء على امر قضائي مكتوب، وشخص الموثق من أمناء السلطة المشار اليهم في القانون الجنائي ، يعاقب كل من يوجه له إهانة او افتراء او اعتداء لفظي او بدني اثناء ممارسته لمهنته ...(انظر المواد 33-34-35 من القانون الجديد).

فالموثق مفوضا للسلطة العمومية يمارس وظيفته تجاه الدولة وزملائه وزبائنه وفق مبادئ : الحياد والاستقلال والنزاهة والاستقامة ( انظر المادة 6) ، يلزمه القانون بالمشاركة في معركة مكافحة غسل الأموال التي رسم ضوابطها القانون رقم017-2019 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2019 الخاص بمكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب .

حيث يدعو الموثق- مع غيره - كصاحب مهنة قانونية : ( تحديد مخاطر وقوع جريمة غسل أموال وتقييمها وتوثيقها وتحديثها بشكل مستمر ، والتدقيق في المعاملات وتشديد تدابير العناية الواجبة، والاحتفاظ بجميع ملفات الحسابات والعمليات والمراسلات والسجلات والمستندات والوثائق والبيانات لجميع المعاملات ، كما يلزمه القانون الابلاغ عن العمليات المشبوهة او محاولات إجراءها دون التذرع بأحكام السرية ) راجع القانون الخاص بمكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب .

وهذا ما اكدت عليه المادة 22 من قانون الموثقين الجديد حيث نصت : يتعين على الموثقين والعاملين معهم تطبيق احكام قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب ونصوصه التطبيقية ، وتنفيذ تعليمات الجهة الرقابية عليهم تحت طائلة العقوبات المقررة في هذا القانون وغيره من التشريعات النافذة .

ومن اجل تأمين المشاركة الفاعلة في مكافحة جريمة غسل الاموال وقمع مرتكبي جرائم النصب والاحتيال و تفاعلا وتطبيقا للقانون :
يجب اولا : تحريك دعاوى عمومية في حق كل فاعل لجريمة ادعاء او انتحال او ممارسة صفة موثق دون استفاء شروطها المقررة حسب القانون الجديد (المادة36) .
ثانيا: الامنتاع فور صدور المرسوم المحدد للائحة التصرفات الواجب توثيقها عن استقبال اي عقد واجب التوثيق ما لم يكن صادرا عن موثق (المادة 3) .
هاتين الخطوتين المهمتين حال تنفيذهما بشكل حازم وصارم طبقا للقانون ، سينقلان مهنة التوثيق سنوات ضوئية في مسار المهنية والانضباط والنزاهة.

بالاضافة الى اخذ زمام التحدي والمبادرة بالانخراط الايجابي في عمليات مكافحة غسل الاموال ومعالجة كل النواقص الملاحظة في مسارات متعددة من اعمال التوثيق مثل :
المسار المتعلق ببيوع العقارات والتنازل عنها وتسجيلها وتحويل ملكيتها ورهنها وتأجيرها ، وهنا نثمن البيان المشترك المصادق عليه من طرف مجلس الوزراء بتاريخ 2022/10/05 المتعلق بمعالجة اشكالية الملكية العقارية في مدينة انواكشوط الذي أوصى بغلق جميع مكاتب التوثيق العرفي قبل نهاية 2022 ، وتأمين أختام الدولة وإصدار أختام مؤمنة بتقنيات عالية وإنشاء جهة رسمية لصناعتها .

المسار الاخر هو ذلك المتعلق بتأسيس الشركات وما يرتبط بذلك من فتح حسابات مصرفية والتفويض على تسييرها وعقد الصفقات التجارية و جميع المعاملات المتعلقة بنقل ملكية الأسهم والتنازل عنها .
هاذين المسارين يعتبران ملاذين كبيرين لارتكاب جريمة غسل الأموال في بلادنا كما لاحظنا في السنوات الماضية ، ووكرين اساسين من اوكار انشطة مرتكبي الجرائم الاقتصادية .

إن قمع جريمة غسل الاموال مسؤولية الجميع ، وعلى رأس هذا الجميع الموثقين واعوانهم لما يفرضه عليهم القانون من مسؤوليات ، بتكليفهم وحدهم باستقبال العقود والتصرفات التي يريد الأطراف او يلزمهم القانون اعطائها الصفة الر سمية المميزة لاعمال السلطة العمومية ( انظر المادة2من القانون الجديد) وطبيعة عملهم اليومي التي تفرض عليهم تقديم الخدمات المرتبطة بعملهم، والتي تمس بالامان الاقتصادي والوطني .

• انه من الواجب على الهيئة الوطنية للموثقين -بعد صدور المرسوم التطبيقي المنشئ لها - والنقابة المستقلة للمساعدين المحلفين في مجال التوثيق الحاصلة على وصل الترخيص رقم : 2022/15 الصادر بتاريخ 2022/08/17 - التي ستكفل للمحلفين اطارا خاصا بهم ينتظمون فيه ،يكفل لهم فرصة التلاقي والتبادل حول القضايا التي تمس واقعهم وتؤسس لمستقبلهم وتمكنهم من رفع التحديات والمشاركة في بناء عدالة قوية وفعالة، التي من ركائزها الموثق الكفئ النزيه -، الاصرار والتفاني في تطبيق القانون و التكاتف وتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية و تتداعي الى التفكير للخروج بنتائج قابلة للتطبيق والقياس ، يكون على رأسها العمل على اخراج نظام داخلي يحكم وينظم اعمال الموثقين داخل مكاتبهم واتجاه زبنائهم ، كما اشارت الى ذلك المادة 80 من القانون الجديد ، وتنظيم دورات وتكوينات مكثفة ، للرفع من كفاءة الموثق ومعاونيه وشحذ روح المسؤولية والانضباط لدى كافة طواقم مكاتب التوثيق ،بمساعدة واسناد من وزارة العدل وطاقمها المتميز .

فليس من المقبول من الآن فصاعدا ، السكوت او ضقض الطرف عن اي تراخي او تهاون في ظل هذا القانون الجديد والفريد ...

الاستاذ عبد الرحمن محمد المهدي
محلف من الفئة الأولى مساعد موثق عقود

سبت, 29/10/2022 - 00:25