لا يمكن فهم اقتصار النضالات ضد العبودية على مجتمع البيظان إلا من زاويتين : إما أنه يعني أن البولار والولوف والسونينكي ليسوا موريتانيين، وهذه طامة كبرى وتهمة عنصرية نحن منها برءاء، وإما أن هناك نية واضحة لاستهداف شريحة البيظان، وهذه طامة أخرى وتهمة يجب رفع اللبس عنها.
إن تحاشي شجب العبودية والطبقية والتراتبية الاجتماعية لدى مجتمعات الزنوج الموريتانيين يجعل البعض محقاً في اعتبار "إيرا " أداة لدى الحركات الزنجية المتطرقة لتصفية الحسابات مع البيظان، باستخدام مأساة وجرأة الحراطين".
ومن الواضح أنه يصعب فهم توافد الحركيين الزنوج بكثرة على "إيرا" على أنه من أجل سواد أعين عبيد البيظان، فيما لم يسعوا أبدا إلى المطالبة بالتظاهر لصالح الأرقاء أو الطبقات الزنجية المسحوقة.
تلك هي ورطتنا في "إيرا"؛ إذ لم نتمكن بعد، رغم محاولات التمويه، من توضيح الفرق بين العبوديتين لدى العرقين، وما إذا كانت ثمة عبودية رحيمة في تاريخ العالم. إن لضحايا الطبقات المسحوقة في مجتمع الزنوج حق علينا باعتبارهم إخوة في الدين والوطن.
وإذا لم يكن في الأمر إستغلال سياسي مبطــّن، فإن على "إيرا"، وزنوجها في المقام الأول، أن يؤازروا عبيد الزنوج وأن يشجبوا تراتبيتهم الاجتماعية المهيكلة وما يعانون من إقطاعية يعرف أخي "بالا توري" كم هي فظيعة ونتنة، وإلا فإن من ينتقدون الحركة باعتبارها "وسيلة لضرب البيظان، ليس إلا"، سيكونون على حق، خاصة أن "إيرا" تتحدث في كل مناسبة عن أحداث التسعينات العرقية ومقابر "إينال" والعزلات (المشجوبة والمأسوف عليها)، تاركة حبل عبودية الزنوج على غاربه لأسباب جد غريبة.
إن على "إيرا" أن تدافع بإخلاص واستماتة وجدية وسلمية عن كافة عبيد موريتانيا سواء كانوا من مجتمع البيظان أم من مجتمع الزنوج؛ فالعبودية عبودية أينما وجدت، والظلم لا يتغير معناه بتغير اللون الممارس له.
وكما تعودت "إيرا" أن تطلب من أحزاب البيظان أن تجعل من العبودية أولوية، عليها أيضا أن تسأل "صار إبراهيما" و"كانْ مامادو" عن أسباب غياب العبودية في مجتمعاتهم عن خطاباتهم وبرامجهم السياسية.
لست هنا للدفاع عن البيظان، والإيراويون أكثر الرفاق دراية بحسي الجمعوي البعيد من العنصرية، الكاره للميز، المناضل ضد الإثنية الضيقة مقال "تاريخ الزنوج الموريتانيين ضارب في القدم" خير دليل. لكن سرمدية النضال ضد العبودية داخل عرق واحد من مكونات الشعب الموريتاني، شكلت لإيرا إحراجاً لم تزل تتخبط في وحل العجز عن تبريره، خاصة أن الباحثين والأساتذة والمثقفين في الحركة يعرفون أن البيظان ليسوا وحدهم المسؤولين عن العبودية أصلا، فملوك فوته (من نبلاء البولار) شكلوا أهم المتعاونين مع تجار الرقيق البيظان والأوربيين على حد سواء. وكان الملوك الألماميون الزنوج أكبر مصادر الأوربيين من العبيد في مرافئ "سان الويس"، كما كان بعض أمراء "الوالو" من الولوف يدفعون لأمراء الترارزه عبيدا بدل إتاوات الحبوب.
ويعرف مثقفو "إيرا" أكثر من غيرهم أن طبقة سيبي (المحاربة)، وطبقة توروبي (الزوايا) وطبقة جاوانبي (المستشارة) وطبقة سيبالبي (أسياد الماء)، من مجتمع البولار، ما تزال حتى يومنا هذا تـَسحق وتـَـستغل وتسترق طبقات مابوبي (النساجين) وطبقة اييلبي (صاغة الذهب) وطبقة ساكيبي (الدباغين) وطبقة لاوبي (ممتهني الصناعات الخشبية) وطبقة بورنابي (الخزافين) وطبقة آولوبي (الهزاجين)، وطبقة توروبي (مداحي الزوايا) وطبقة وامبابي (العازفين) وطبقة لاوبي كومبالا (مداحي المحاربين) وطبقة ماوبو سودو باتي، (حاشية الفلان) وطبقة سوتيبي (العتقاء)، وطبقة ماكوبي وهالفابي (العبيد).
كما يعرف مثقفو المنظمة أن طبقة كيرْ في مجتمع الولوف كانت وما زالت تطحن طبقة جامبور (المواطنين، الفلاحين في الغالب) وطبقة نول (المهرجين الخَـدَم) الذين يرجع أصلهم – حسب إحدى أشهر أساطير الولوف- إلى زواج بين رجل ميت وامرأة حية. لذلك يحرم بتاتا على أي شخص ينحدر من الطبقات الأخرى أن يتزوج في هذه الطبقة المخوفة داخل الذاكرة الجمعوية.
نفس الحيف يمارس في مجتمع الولوف على طبقة انيينيو (الحرفيين) وكل فئاتها : فئة التيك أو بالا ميسا (الحدادين)، وفئة لاوبي (حرفيي الخشب)، وفئة وودي (حرفيي الجلود)، وفئة الراب (النساجين)، وفئة غيويل (المطربين).
كما يمارس الحيف الولفي وبشكل أفظع على طبقة العبيد (جام) وكل الفئات المتفرعة عنها : جام بور (عبيد القصور المرتبطين بالأسر الأميرية)، جام جدو (عبيد الأكواخ الذين يملكهم الجميع)، جام سايور (العبيد المنحدرين من أسرى الحروب).
كما يعلم مثقفو المنظمة أن طبقة الهورو والموديني، المحاربين والزوايا في مجتمع السونينكي، ما زالت تسحق وتقصي طبقة الـ "نياخامالاني" (المطربين والحدادين) وطبقة الـ"كومو" (العبيد)، وطبقة "ديونكورونكو" القريبة فئويا منها.
كما يعلمون أن امرأة من طبقة "الكومو" السونينكية (في يومنا هذا)، إذا ما مات زوجها، تكون عدتها نصف عدة امرأة من الطبقات النبيلة .. ولا أحد يتكلم ...
بقلم بدال سيدي ميله