لا يفوت وزير العدل أي سانحة لتقريع القضاة وتوجيه اللوم لهم.. ففي نظره هم المخطئون على الدوام .. الخارجون على القانون المستوجبون التأديب والويل والثبور!!
لقد دأب على معاملتهم بعيدا عن الإنصاف ودون الاكتراث بوجهة نظرهم أو حتى بردة فعلهم.. فها هو يكرر ما بدأ به عهده: إعادة العمل بتحويل قضاة النيابة العامة بواسطة مذكرات عمل لا تستند على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء وكأنهم لا ينتمون للسلطة القضائية!
ولقد أصبحت البلاغات المغرضة والإشاعات مبررا كافيا لإحالة القضاة على مجلس التأديب’ ودون أن يكلف الوزير نفسه عناء البحث عن أخطاء إدارته أو تقصيرها أو يطلب التحقيق في تلك الإبلاغات (فمن بين الذين شملتهم الإحالة على مجلس التأديب على خلفية الغياب قاض متدرب بالمدرسة العليا للقضاء بفرنسا’ ورئيس محكمة الشامي التي هي مجرد دار مؤجرة ليس بها أثاث ولا مكتب ولا وسائل للعمل’ وقاضي مقاطعة باسكنو الذي أحيل للتأديب لأنه لم يكن موجودا في انواذيب التي كان قد حول عنها منذ خمسة أشهر)’ ما يجعلنا نخشى تأديب قضاة محكمة القطب المالي الذين يوجدون في إجازة قسرية منذ تعيينهم قبل ثمانية أشهر لعجز الوزارة عن توفير مقر للمحكمة الخاصة بمحاربة الفساد!!.
وبالمقابل فالمفتشية العامة لا تصحو من سباتها إلا لتؤرق قاضيا أو مجموعة قضاة لم ترق قناعتهم لأحد أطراف الدعوى’ فتتحرك للتشكيك في نزاهة أحكامهم مجاملة لذلك الطرف وامتهانا لقيم العدل التي يمثلها القضاء.
كذلك فقد عمد الوزير في أول دورة للمجلس الأعلى للقضاء يشارك فيها إلى إقرار ترقيات استثنائية تطبعها المزاجية لبعض القضاة بلا سند من القانون وفي غياب تام لمعايير الموضوعية والجدارة’ ودون التشاور مع رئيس المحكمة العليا أو المدعي العام لديها’ وهي الترقيات التي لا تزال تبعاتها تفاقم ظلم المعادلة سيئة الصيت بحكم ما ترتب عنها من سد آفاق الترقي لمن أخطأته تلك المجاملات’ ولعدة سنوات.
لقد بلغ هذا المسار أوجه حين أصدر وزير العدل مساء الخميس تعميما إلى كافة القضاة تحت عنوان: "إشعار بالمنع الرسمي لتظليل زجاج السيارات والسير بدون لوحات" في الوقت الذي كان عليه أن ينبه من يسميهم "رجال تطبيق القانون" بالامتياز المقرر قانونا لصالح القضاة.
يأتي هذا التعميم بعد إصدار مذكرة عمل تتضمن إعفاء وكيل الجمهورية بانواكشوط الغربية منسق فريق النيابة العامة لمكافحة الإرهاب لعدم تجاوبه مع أوامر صادرة من بعض وكلاء أمن الطرق الذين أصروا على اقتياد سيارة الدولة الخاصة بقطب مكافحة الإرهاب إلى المحشر رغم تعرفهم على هوية الوكيل’ في تحد صارخ لرموز الدولة وهيبتها واحتقار لما تمثله.
لقد تم إعفاء القاضي المكلف بالسهر على تطبيق القانون على هذا النحو المهين للسلطة القضائية قبل التحقق من مجريات وملابسات الوقائع .. وسيصدر التعميم لاحقا وهو ينضح بالتشهير بالقضاة جميعا ووصمهم بعدم المسؤولية وقلة اللياقة’ ويصنف عدم خضوعهم لنزوات وتجريح الأعوان في خانة الخطأ الجسيم الذي يعرض القاضي للمسؤولية التأديبية.
إن نادي القضاة الموريتانيين’ إذ يشدد على واجب التزام القضاة بالقوانين والنظم المعمول بها، باعتبارهم قدوة وبوصفهم مكلفين بالسهر على حسن تطبيقها واحترامها، ليستنكر بشدة إيمان وزير العدل ببعض القانون وتجاهله لبعضه الآخر حين يجاهد لتطبيق المرسوم على حساب القانون!!!.
فحماية القاضي والدفاع عن شخصه ضد مختلف أنواع الإهانات أمر كرسه الدستور والنظام الأساسي للقضاء وغيرهما من القوانين المعمول بها في الجمهورية الإسلامية الموريتانية’ وهي أولى وأقدس من أن تقارن بتظليل زجاج أو لوحة أرقام.
إن توقيف سيارة القاضي وتفتيشه لا بد أن يخضع للإجراءات المقررة بحقه. لذا’ وبعيدا عن منطق الحصانات والامتيازات المقررة لمصلحة دولة القانون ولتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها الجسيمة’ فإن القضاة يطالبون بالتطبيق السليم للقانون الذي يحدد إجراءات خاصة لتحويلهم كان على الوزير احترامها’ وأخرى خاصة بمتابعتهم من واجبه التذكير بها وإلزام من يصفهم ب"رجال تطبيق القانون" عدم خرقها أو القفز عليها، فضلا عن الاحترام الواجب للسلطة القضائية ورجالها.
إن مبدأ فصل السلطات يتنافى مع إخضاع السلطة القضائية ورجال القضاء لأدوات السلطة التنفيذية وأعوانها’ كما أن مكانة القضاء في أي بلد هي المؤشر على مدى تمسكه بدولة القانون.
إنك يا سيادة الوزير تجعلنا نشعر بالقلق الشديد على دولة القانون حين تأخذ على عاتقك مهمة تقويض هيبة القضاء واستباحة حرمة رجال القضاء’ لأنك بهذا التصرف تهدم ما لا تستطيع ترميمه!!
كيف سيكون موقف القاضي الذي يغرق في مستنقع الإهانات ما بين احتقار الوزير واستفزاز عون الأمن حين يقف بين يديه المتقاضون ينشدون العدالة ممن تعوزه؟!!
إن نادي القضاة الموريتانيين -الذي هو عضو في الاتحاد الدولي للقضاة- ليشفق على سمعة بلدنا من هذه التصرفات’ وسيكون من المخجل أن يكتشف نظراؤنا في العالم كم كنا نبالغ في تلميع واقع القضاء في بلدنا’ وقد أصبح يدار بواسطة تعميمات تحمل الكثير من إهانة القضاء والإساءة للقضاة.
ولذا فإننا نطالب رئيس الجمهورية’ رئيس المجلس الأعلى للقضاء والضامن لاستقلال القضاء بالتدخل لإنصاف القضاة وإعادة الاعتبار للسلطة القضائية.
لا لإهانة القضاء .. نعم لاستقلال السلطة القضائية
المكتب التنفيذي لنادي القضاة الموريتانيين