،
يثار هذه الأيام ضجيج إعلامي يستهدف التشويش على ما صرح به وزير العدل السيد محمد محمود ولد بيه من اعتزام قطاعه الاستفادة من الخبرات المتراكمة فيه من كتاب ضبط ومحامين للإسهام في سد النقص الحاصل في الكادر القضائي، واعتبار ذلك تحصيل حاصل وتوظيفا للموظف، وهي في الحقيقة حرب وهمية بين أطراف خيالية بالإضافة إلى أنها لا تركن إلى منطق ولا قانون.
فبالرجوع إلى معظم القوانين المعاصرة نجدها تكرس مبدأ الترقية المهنية بقدر كبير من التركيز باعتبارها حقا من حقوق الموظف تتيح له الفرصة للحصول على مزايا مادية أو معنوية أو بشغله لوظائف ذات مستوى ومسؤوليات أرفع.
وتذهب بعض التشريعات – بالإضافة إلى احتساب الخدمة الميدانية – إلى تقرير الترقية المهنية على أساس الحصول على شهادات عليا في التخصص.
وتعمل فكرة هذه الوسيلة على تحقيق مجموعة من الأهداف منها: تحسين كفاءة الأفراد ورفع مستوى المنافسة بينهم في العمل، وتحقيق طموح الموظف بالتقدم في مجال عمله بما يخدم بقاءه واستمراره، وهي بالإضافة إلى ذلك تشجع روح الانضباط والالتزام بالنظام لما تنطوي عليه من الاهتمام بمسار الموظف وحثه على العطاء.
لم يتخلف تشريعنا عن غيره من النظم في هذا المجال فقد أسس القانون رقم 09/93 الصادر بتاريخ 18 يناير 1993 المتضمن للنظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة لهذا الحق وخصوصا في المادة 51 التي أجازت اكتتاب موظفين دون المرور بنظام المسابقة إذا كان ذلك عند التشكيل لأصلي لسلك، أو عند إلغاء سلك ،او لتشجيع الترقية المهنية، محددة نسبة خمسة بالمائة(5%) من الوظائف موضع المسابقة كحد أعلى للاستفادة من هذه الميزة، والمادة 52 منه عندما قسمت المسابقات إلى صنفين:
- مسابقات مفتوحة للمترشحين الحاصلين على شهادات معينة أو المستكملين لدارسات معينة؛.
- مسابقات مخصصة لموظفي الدولة المنتمين إلى السلك ذي المستوى الأدنى مباشرة من الاختصاص نفسه .. إلخ
وجاءت النصوص المتخصصة مطبقة ومفصلة لمقتضى ما ورد في المواد أعلاه ، وحسبنا مثالا على ذلك ما فصلته المواد من 23 إلى 23/7 من النظام الأساسي للقضاء.
وسيرا في ظل اهتمامات السيد وزير العدل نسترعي انتباهه إلى ملاحظتين هامتين في المجال :
أولاهما: النقص الواقع والمتوقع في عدد القضاة على مستوى الوطن بفعل عوامل التقاعد والهجرة المهنية من جهة ومن جهة أخرى بالازدياد المطرد لعدد المحاكم في الآونة الأخيرة، وذلك ما عبر عنه المجلس الأعلى للقضاء في دورات متتالية.
والثانية: توفر الحقل القضائي على كوكبة وازنة من مكوِّنة كتاب الضبط الرئيسيين الحاصلين على تجربة مهنية ميدانية تتجاوز عقدا من الزمن بالإضافة إلى شهادات عليا في التخصصات القانونية والشرعية ما يؤهلهم لسد هذه الثغرات العملية والتي هم أقعد الناس بها رحما وخير من يقوم بها كما تثبت ذلك التجربة.
ولا أحد ممن له خبرة بمكونات وإحصائيات الحقل القضائي ينكر ما يتميز به المؤهلون من هذه الفئة من خصوصيات ومزايا أهمها:
أن أغلبية أعضائها لم تثبطهم معوقات الوظيفة عن مواصلة الدراسة فقد حصّلوا بالتزامن معها شهادات عليا في تخصصهم (متريز– ماستر- دكتوراه) وشهادات إضافية في تخصصات أخرى.
أن فتح باب الاكتتاب الداخلي أو الانتقائي لمثل هؤلاء يوفر على السلطات جانبا مهما من التكاليف يتمثل أولا في نصف راتب القضاة الذي اكتسبه هؤلاء بحكم وظيفتهم ، وثانيا في الخبرة المهنية التي حصلوا عليها من معاناة عمل كتابات الضبط اليومي، وهي الخبرة التي يتطلب الحصول عليها ثلاث سنين من التكوين والتدريب.
هذا عن جانب الترقية أما جانب التوظيف والإسهام في مكافحة البطالة فإن الإفادة من تلك الإجراءات تفسح المجال للفئات الأخرى من نفس السلك أن تظل في تنقل تصاعدي بين الأسلاك وتساوُق يعطي الفرصة للجميع للشعور بنفسه وبجهده وتفانيه في عمله أو تنمية معارفه، وحتى لا تظل نقطة الاكتتاب هي نقطة التقاعد، وبالمقابل يفتح المقاعد شاغرة أمام فئات أخرى تدخل عن طريق الاكتتاب الخارجي.
كل هذه النصوص وتلك الظروف يجدر بوزارتنا وهي تسلك طريق إصلاحات جديدة أخذها في الحسبان ووضعها بجد في سياساتها وبرامجها في المستقبل القريب خدمة للعدل والشفافية وتكريسا لمبدإ الترقية المهنية لموظفي القطاع.