من سوء حظ المرحوم الداه ولد اباته أنه لم يكن ظلوما ولا جهولا، وأنه ترقى إلى الضبطية في عهد تفشى فيه الظلم والجهل.
كان الداه يعمل بمهنية منقطعة النظير في سلك الشرطة بحيث لا ينتهك حقا، ولا يحتقر ضعيفا، ولا يتلقى رشوة، ولا يركع لمتجبر عنيد. إذن، كان على الطغاة أن يبعدوه لكي لا تتسرب عدواه إلى قطاع حساس ومهم، خاصة في زمن بوليسي، استثنائي، وقمعي.
وُضع الفقيد تحت الإقامة الجبرية لسنوات، ومن ثم طرد من قطاعه دون سبب وجيه. ورغم محاولاته المتعددة لاسترداد حقوقه، ظلت الأنظمة المتعاقبة تُسَوّف بشأنه بعرقوبية لا يمكن تفسيرها إلا بالتحامل الشخصي وغياب الوازع القانوني والحقوقي والديني. وحده الرئيس الراحل اعلي ولد محمد فال، رحمه الله، تعهد بحل الإشكال، وكاد يقطع فيه خطوات حاسمة لولا أن تداركته نهاية المرحلة الانتقالية وانطلاق المأمورية المدنية الجديدة حسب ما عبر لي عنه الفقيد ذات مرة ونحن في مقر قسم اتحادية المخابز باتحاد أرباب العمل الموريتانيين حيث كان يزاول عملا إداريا مع رجل الأعمال أحمد بابه ولد اعليّه (الرئيس الحالي للغرفة التجارية).
وهكذا، مر نظام معاوية دون أن يلتفت أي أحد على ملف الفقيد الداه ولد اباته، وهنيهة لاحت في الأفق بارقة أمل مع الفقيد اعلي، ثم عاد الملف ليطويه النسيان وعدم الاكتراث خلال نظام المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله ونظام محمد ولد عبد العزيز.. وتتابعت الإهانات على مدى ثلاثة عقود صبَرَ خلالها الفقيد واحتسب وتسامى عن السفاسف مفضلا الصمود والتعفف رغم كل الظروف التي مر بها.
واليوم، وجد ذوو الفقيد الداه ما يبرر تناول قضيته من جديد، فالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أعاد أناسا لوظائفهم بعد سنوات من الطرد غير المبرر قانونيا، وأعاد الاعتبار لأناس ظلوا مهمشين ظلما، وتعهد بأنه سيعالج كل التظلمات، وينهي كل الانتهاكات، ويقوّم اعوجاج كل الاختلالات.. هكذا ارتأى أبناء الضابط حمل مشعل ملفه بغية إنصافه جبرًا للأضرار وترحمًا على روحه الزكية.. كان الله في عونهم.
محمد فال سيد ميله(بدال)