فرنسا..تحقيق في ملاحظات عنصرية داخل المدرسة الوطنية للقضاة

قال موقع "ميديا بارت" (Mediapart) الفرنسي إنه اطلع على وثائق داخلية كتب فيها طلاب من آخر دفعة في المدرسة الوطنية للقضاء، ممن سيتخرجون قضاة في غضون أسابيع قليلة، تعليقات عنصرية من باب "فرنسا للفرنسيين" و"اطردوا العرب"، مشيرا إلى أن مكتب المدعي العام في بوردو فتح تحقيقا في الموضوع بعد أن اتصلت به إدارة المدرسة.

وفي تحقيق بقلم ديفيد بيروتين، قال الموقع إن هذا الأسبوع حاسم لطلاب مدرسة القضاء في بوردو، مع اقتراب التخرج لدفعة 2019 التي تضم 309 طلاب، اجتازوا حديثا اختبارهم النهائي، وهم ينتظرون النتائج في أواخر الشهر الحالي، ليعرف كل قاض منهم، حسب نتائجه، مكان تعيينه وفي أي اختصاص قضائي، غير أن هذه الدفعة بالذات تمر منذ أسبوع بأزمة غير مسبوقة.

ففي 13 أبريل/نيسان تلقى الطلاب درجاتهم بشكل فردي، غير أنهم ما زالوا ينتظرون المداولات النهائية يوم 26 أبريل/نيسان للحصول على الترتيب الذي على أساسه يتم تعيينهم وتحويلهم، كما يقول الموقع.

وفي انتظار ذلك -كما يقول الكاتب- قرر طالب من بينهم إعداد ترتيب غير رسمي، بحيث يدخل الطالب متطوعا درجاته في جدول بيانات، للحصول على نظرة تقريبية للترتيب النهائي، وبالفعل شارك 230 منهم في هذه اللعبة، إلا أنهم بعد ساعات قليلة من إنشائها، وجدوا أنها تذهب في اتجاه آخر.

تعليقات عنصرية

واكتشف الطلاب أن المستند يحمل تعليقات جنسية فظة وأحيانا تعليقات عنصرية، يمكن أن نقرأ من بينها "لا، ولكن اطردوا العرب"، و"فرنسا للفرنسيين"، و"صوّتوا للوبان" أو "لا لا.. هناك حثالة"، وقد أخذ بعض الطلاب بسرعة لقطات شاشة وحذروا بعضهم بعضا وتساءلوا: هل يجب إخطار الإدارة أم لا؟

وقالت إحدى الطالبات للموقع إنها عندما أرادت رؤية الجدول في اليوم التالي، وجدت كل شيء قد محي، وقد وضع مبتكر الجدول تحذيرا يقول "تذكير: الإهانات ذات الطابع العنصري ليست فقط تجاوزا لأخلاق مهنتك المستقبلية بل جريمة جنائية"، وحُذفت جميع الملاحظات العنصرية، ومع ذلك، قرر مندوبو الطلاب رفع الحادث إلى الإدارة مع الصور.

والخميس 15 أبريل/نيسان أرسل صمويل لاين، نائب المدير المسؤول عن التوظيف والتدريب الأولي والبحث في المدرسة، رسالة إلكترونية إلى الدفعة بأكملها، لتذكرهم بالقسم الذي يلزم جميع الطلاب "بالتصرف في كل الأحوال بصفة منفذ للعدالة جدير بهذه الصفة ومخلص".

وأوضح صمويل في رسالته "أن التخوف من نشر ترتيب نهاية الدراسة واختيار الوظائف لا يمكن أن يجيز، أو يكون عذرا مقبولا لممارسات لا تتعارض فقط مع القسم الذي أقسمته، ومع أخلاق المهنة التي يحتمل أن تسند إليك، بل فوق ذلك هي مجرمة بقانون العقوبات، لذلك أناشد مسؤوليتكم وأخلاقكم أن تتوقف هذه الأخطاء وألا تتكرر".

وللإضافة يقول صمويل "أدعو رسميا أولئك الذين قاموا بمثل هذا العمل أن يفكروا بما قد يؤدي إليه ذلك من التشكيك في المدرسة وحتى في القضاء، إذا نُشرت العناصر المرفقة بهذه الرسالة خارج أسوار المدرسة".

اعلان

وعلى الرغم من استجابة الإدارة، فإن هذه الرسالة أحبطت عددا من الطلاب الذين توقعوا استجابة "أقوى"، ويقول أحد الطلاب "لقد صدم هذا الرد كثيرا من طلاب الفصل بمن فيهم أنا، إذ لم تحدد الإدارة ما إذا كانت ستفتح تحقيقا داخليا أو ستحاول التعرف على مرتكبي التصريحات العنصرية. أرى هذا شكلا من أشكال الإفلات من العقاب"، خاصة أن "كاتبي هذه العبارات سيصبحون قضاة في غضون أسابيع قليلة، وبإمكانهم إبداء ملاحظات عنصرية بهدوء دون الخوف من العقوبات". وأوضح أن بعض رفاقه يعرفون الفاعلين، لكنهم يكتمون الأسماء لحمايتهم".

ويوم الأربعاء الماضي وقع 132 من الطلاب على منصة للتخلي عن أصدقائهم وللضغط على الإدارة من أجل "أن ترسل برسالة أقوى وتظهر أنه لا يوجد إفلات من العقاب".

وعلى المنصة كتب الطلاب "لقد صدمنا بالكتابات ذات الطابع العنصري التي عبّروا عنها في هذا المشروع. إننا ندين بشدة مثل هذه التصريحات، ومن باب أولى إن كتبها قضاة المستقبل"، وأضافوا أن "الفاعلين بدلا من تحمل المسؤولية عن كتاباتهم بتقديم اعتذار، اختاروا أن يظلوا مختفين. إخفاء الهوية الرقمية لا يحررنا من قسمنا، ومن ثم ينبغي ألا تكون هناك فرصة للإفلات من العقاب… لن نقبل ذلك".

وأضاف الموقعون على المنصة أنهم رأوا ردّ المدرسة عبر البريد الإلكتروني يقول "ننتظر الآن تسليط الضوء على هذه الأحداث، حتى يتم التعرف على الجناة بشفافية كاملة".

لا لأي تراخ

وقد نفت إدارة المدرسة الوطنية للقضاة لميديا بارت أي تراخ في الموضوع، وبالفعل أكد مكتب المدعي العام في بوردو للموقع أن المدرسة أبلغته بهذه التسجيلات العنصرية يوم 15 أبريل/نيسان، وأن تحقيقا فُتح وعُهد به إلى المديرية المركزية للشرطة القضائية في بوردو في اليوم التالي.

وأوضح صموئيل لايني قائلا "كان لدينا رد فعل متزامن. الأول هو التذكير بأن كاتبي هذه التعليقات قد أقسموا اليمين ولديهم التزامات أخلاقية كطلاب، وأن هذه الانحرافات تأتي في تناقض تام مع قيم المدرسة، ورد الفعل الثاني هو إبلاغ السلطة القضائية حتى تتمكن من التعرف على الجناة. ولكن لماذا لم نخبر الطلاب بذلك؟ لم نرغب في المجازفة بتوفير الأدوات التي تسمح باختفاء الأدلة. هدفنا الأول هو ضمان إمكانية التعرف على الفاعلين".

وأوضح صمويل لايني أن الإدارة تعتمد على التحقيق في معاقبة كاتبي التعليقات قبل توليهم مناصبهم، و"إذا حددناهم سنرى مع وزارة العدل ما يمكن القيام به، خاصة أن البعض سيرى في ذلك عمل سلطة قضائية مفرطة التسييس ولا تحترم القوانين في ما يتعلق بالمجتمع، وهذا أمر مؤسف حقا".

وذكر الموقع أن المدرسة الوطنية للقضاء ألقت الضوء قبل بضعة أشهر على أهمية تدريبها في جلسة استماع في الجمعية الوطنية، بشأن تطور الأشكال المختلفة للعنصرية. وقال برتراند مازابرو، منسق التدريب في التعليم المستمر أمام أعضاء البرلمان، إن المدرسة تهتم بوجه خاص بالمسائل المتعلقة بالعنصرية والكراهية. وهذا هو السبب في أننا طورنا تدريبا خاصا في مجال العنصرية ومعاداة السامية، والمعالجة القضائية لخطاب الكراهية".

 

أحد, 25/04/2021 - 21:49