الأمين العام المساعد لاتحاد العربي للقضاة يتحدث عن استقلالية القضاء ومواضيع أخرى ذات صلة (نص المقابلة)

نص المقابلة المهمة والشاملة عن القضاء واستقلاليته، وطرق إصلاحه، ودوره في محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز المنشورة في عدد مجلتنا "المسار" الصادرة اليوم مع فضيلة القاضي الشيخ خليل ولد بومن..

القاضي الشيخ خليل ولد بومن للمسار:

جميع الزملاء الذين مر بهم ملف العشرية في النيابة والتحقيق والذين سيمر بهم من خيرة القضاة الموريتانيين

منذ انتخاب الرئيس الحالي محمد الشيخ الغزواني  لمس القضاة إرادة جديدة لدعم استقلال القضاء

*

القضاء السلطة الأهم في أي عملية إصلاح شاملة، والسلطة التي تتوجه إليها جميع الأنظار الآن في إطار محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من رموز العشرية المنصرمة. ولتسليط الضوء عليها وعلى هذه المحاكمة من وجهة نظر قضائية بحتة التقت مجلة المسار بفضيلة القاضي الشيخ خليل ولد بومن وأجرت معه المقابلة التالية:

المسار|: ماهو  نصيب السلطة القضائية من جهود الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني  لتعزيز وإصلاح  مؤسسات الدولة، وهل قام فعلا بما من شأنه تعزيز استقلالية القضاء الموريتاني ؟

الشيخ خليل ولد بومن: منذ انتخاب الرئيس الحالي محمد الشيخ الغزواني  لمس القضاة كجمهور وعبر ناديهم وممثليهم في مجلس القضاء الأعلى روحا، وإرادة جديدة مختلفة عما سبق، عكسها بداية  مضمون دورة  المجلس الأعلى للقضاء العادية لسنة 2019 وخطاب الرئيس  بعيد الاستقلال الوطني الذي خصص فقرة هامة  منه  لتأكيد ضرورة استقلال القضاء ودعم هذا الاستقلال وهو ما كان منسجما تماما مع التوصيات التي صدرت عن المجلس الأعلى للقضاء الأول الذي ترأسه الرئيس  الحالي .
حيث ذهبت كل هذه التوصيات إلى تعزيز ضمانات استقلال القضاء. وكان من أهمها  التوصية القاضية بمراجعة النظام الأساسي للقضاء بناء على ضرورة انسجامه مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء، والأمور متقدمة جدا بهذا الخصوص. ويمكن وصف هذا الأمر بالخطوة الكبيرة والجادة نحو استقلال القضاء اذا تم فعلا خلال هذه المراجعة  توفير كل الضمانات المعززة لهذا الاستقلال،  حيث ظلت هذه المطالب  في صدارة مطالب القضاة عبر ناديهم وجمعياتهم المهنية منذ الأيام الأولى لتأسيس العمل النقابي القضائي وقدمت تضحيات كثيرة في سبيل ذلك.
كما شكل عمق الهم القضائي الذي ارق جمهور القضاة طيلة الفترة الماضية  وكان عرقلته  عائقا حقيقيا أمام استقلال القضاء وسببا مباشرا  في بعض الاختلالات المأخوذة على القضاة و على آدائهم  من حيث الكفاءة والتجرد والحياد حيث لايمكن ان يتم إصلاح حقيقي للعدالة دون استقلال القضاء ولايمكن ان يتمكن القاضي من التجرد والحياد دون ضمانات للاستقلال هذا القضاء.
 وينظم النظام الأساسي للقضاة مسار القاضي مند الاكتتاب  والتكوين  وآداء القسم القانونية والتربص الى غاية  التأكيد مرورا بالتحويل و التقدمات  والتأديب والإعارة وانتهاء عند التقاعد والمعاش، وبالتالي فان الإصلاح الحقيقي لابد أن يمر بتوفير الضمانات التي تواكب مختلف مراحل هذا المسار مع الشفافية المطلوبة في كل هذه المراحل، حيث  نرى أن الدول التي وضعت في عين الاعتبار  عند مراجعة أنظمة قضائها المعايير المتعارف عليها دوليا وقواعد المحاكمة العادلة المبنية على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان دون غض الطرف عن تكييف هذه الاصلاحات مع الموروث الثقافي والاجتماعي لها ومواءمته مع قيمها  استطاعت أن تحصل على القاضي النموذجي الذي تطمح اليه واستفادت شعوبها من عدالة مثالية الى الحد المطلوب جماهيريا في عالم اصبح ديمقراطيا واصبح الحكم فيه للجماهير، وبات فصل السلطات ورغبات الجماهير  حول الشأن العام   ضمن صدارة اهتمام الدول الديمقراطية، حيث اصبح القضاء عصبا مركزيا للأمن والتنمية ومقياسا دقيقا لوجود الديمقراطية التي يعتبر جوهرها ضمان الحرية وفق ضوابط يحددها القانون ويسهر القضاء على تطبيقها، فضلا عن ضمان الحقوق الأساسية للإنسان المحددة دستوريا وعبر المواثيق الدولية، والتي من أبرزها الحق في القضاء المستقل  والعدالة الاجتماعية وهي حقوق يفترض ان  يسهر القاضي ايضا على حمايتها عبر تطبيق القانون وعبر فرض احترام مبدأ  المساواة امام القانون، كما ان  الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال نحو الدول في عالم الاقتصاد الرقمي و العابر للحدود اصبح محل تنافس الدول الوطنية وصار المعيار  الأمثل عند أصحاب رأس المال الكبير والممولين الكبار هو مدى نزاهة واستقلال القضاء في الدول وعليه كان لزاما على الدول  تحسين وضعها التنافسي في هذا المجال وسجلها الانساني الحقوقي من خلال القيام بالاصلاحات الجوهرية في مجال العدالة.  وقد لمس القضاة من خلال مناديبهم في المجلس الأعلى للقضاء الأخير ومن خلال لقاء النادي برئيس الجمهورية مؤخرا الإرادة الصادقة  المطلوبة من السلطات العليا  من أجل وضع قضائنا على هذه السكة وتصحيح مختلف الاختلالات التي تعتبر محل ملاحظة الجمهور والقضاة معا وقد بدأ فعلا هذا المسار بشكل جاد وننتظر خطوات كبيرة فيه في المستقبل القريب وهناك ثقة كبيرة لدى ممثلي القضاة في هذا المسار الذي انتظرناه كثيرا .

المسار :هل انعكست هذه الإرادة على القضاة وعلى حيادهم وتجردهم في الملفات المنشورة أمامهم؟
الشيخ خليل ولد بومن: اعتقد ان  الخطوات المذكورة ستنعكس  على أداء القضاة وستعطي جرعة معنوية مكثفة لهم اذا نزلت الى الواقع وتاتي  بعد عقود من الإحباط و في المدى المتوسط سيبدأ المواطن العادي يلاحظ ذلك فالإصلاح الجدي يؤتي أكله مع الزمن وعبر الدراسات والخطط خاصة أن تراكمات العقود المنفرطة تشكل ارثا ثقيلا لايمكن التغلب عليه الا مع الزمن رغم ان المشاكل الحقيقة المطروحة للقضاة متشعبة منها مايتعلق بالمجتمع وعاداته المنافية لمنطق الدولة الحديثة ومنها ما يتعلق بالبناء المؤسسي والهيكلي  وازدواجية القضاء الموريتاني  في الحكم بالقانون والشريعةمعا ومعضلة التغلب على التناقض الصارخ في بعض اهم هذه النصوص وحتى التكوين القاعدي للقضاة بين تكوين  قانوني عصري وتكوين محظري تقليدي  بينما يحتاج القاضي الى التكوينين معا وفق منهجية عصرية  في ظل هذه الازدواجية.
 فضلا عن مدى فصل السلطات الذي ظل لعقود تحت رحمة  تقلب أمزجة الساسة ومصالح الكبار قبل هذا الأمل الجديد ولاشك ان ورشات تحيين النصوص حاليا التي بدأت العمل  فيها  والاهتمام الجديد بالجوانب الحقوقية والمصادقة على فتح معهد للقضاء وإنصاف الزميل محمد الأمين ولد النيني الذي فصل بسبب تجسيده لقناعته ودون احترام الإجراءات المطلوبة قانونا مثل   جرعة معنوية كبيرة للقضاة ستنعكس  تلقائيا على آدائهم في المحاكم كما أن توصيات المجلس الأعلى للقضاء الأخير وتوجيهات رئيسه حول الأخلاقيات القضائية المطلوبة وحول التأكيد على ان السلطة القضائية مستقلة وان السلطات الأخرى لن تتدخل لها في اي ملف مهما كانت اهميته كل هذا يعطينا انطباعا جيدا ومختلفا وأملا كبيرا في قرب تحقق الحلم الذي يتقاسمة القاضي مع الجماهير وهو إصلاح العدالة الذي لامعنى له الا باستقلال القضاء ولامعنى لاستقلال القضاء اذا لم ينعكس على حياد القاضي وتجرده في الملفات المنشورة أمامه مهما كانت أهميتها وحساسيتها .

المسار: هل تعتقدون ان ملف العشرية قد توفر على الاستقلالية وعلى التعاطي المحايد والمجرد الضروري؟ وماهو تقييمكم لما حصل فيه حتى الآن ؟
الشيخ خليل ولد بومن: كما تعرف من واجب التحفظ ان لا يتحدث القاضي ولو بصفته النقابية ومهما كان مركزه وموقعه عن ملف منشور أمام  القضاء وبين يدي زملائه، ومن ذلك ايضا  عدم محاولة تقييم مسار اي ملف منشور امام القضاء. وبحسب معرفتي الشخصية كنقابي خبر جميع القضاة وعرفهم فان جميع الزملاء الذين مر بهم الملف في النيابة والتحقيق والذين سيمر بهم في المراحل الأخيرة هم من خيرة القضاة الموريتانيين خبرة وكفاءة وأخلاقا، وكلهم  تقريبا من الأجيال الشبابية التي عرفت بطموحاتها الكبيرة في إصلاح القضاء. أما الجو العام فأعتبر أنه من أحسن الأجواء والظروف التي توفر فيها القضاء على استقلالية تجعل القاضي يتصرف دون اعتبار لغير النص القانوني والضمير،  ولا استبعد ان تنعكس كل هذه الظروف الجديدة على عدالة المحاكمة رغم ان قواعد المحاكمة العادلة والنموذجية متاحة للجميع، كي يعرف هل تم احترام هذه القواعد والضمانات التي هي قواعد  وضمانات محددة في نصوصنا الاجرائية  الوطنية، وتواكب جميع مرحل الدعوى منذ الاشتباه لدى الضبطية القضائية خلال البحث وحتى الاتهام امام النيابة مرورا بالمثول امام قاضي التحقيق ثم نهاية التحقيق ثم المحاكمة الابتدائية والنهائية.  وتصاحب هذه المراحل حسب هذه القواعد مجموعة من الضمانات الهامة لمصلحة المتهم اساسا ابرزها حضور المحامي في اللحظات الأولى للتوقيف والالتقاء بموكله واعلام ذويه باعتقاله ووضعه في ظروف طبيعية وعدم تعريضه لاي شكل من اشكال التعذيب، و عدم التوسع في مدة الحراسة النظرية  ومثوله  امام النيابة والتحقيق صحبة محاميه، واعتباره في حكم البريء حتى تثبت إدانته ومعاملته على هذا الأساس، وعدم اخذ اي تصريح منه تحت اي شكل من اشكال الضغط المعنوي او المادي، وعدم فرضه على اثبات التهم على نفسه، وحقه في عدم الإجابة على الأسئلة خارج إعطاء هويته امام التحقيق في مثوله الأول قبل الاستجواب وحقه في ان يبقى متمتعا بحريته خلال فترة التحقيق ان توفرت في حالته  شروط حددها المشرع في عدم الخوف من هروبه وعدم الخوف من ارتكابه جرائم جديدة وطبيعة تصنيف الجرائم المرتكبة او الخوف من العبث بوسائل اثبات الجريمة او اخفائها، فالحبس بالنسبة لضمانات المحاكمة العادلة قرار استثنائي ووضع غير طبيعي اذا لم ينص القانون على خلاف ذلك لأسباب قابلة للتعليل والتبرير، والحرية هي الأصل الى ان تثبت الادانة والادانة لا تثبت الا بحكم نهائي حائز على قوة الشيء المقضي به، ثم ان هذه الضمانات تتنقل مع المتهم الى كل المراحل فتمنحه الحق في ان تنظر في قضيته عدة محاكم وبقضاة مختلفين لم ينظرا سابقا في نفس القضية مع حقه في عدد من الطعون وحق الدفاع متنقل ايضا لمؤازته في مختلف هذه المحطات، وله الحق في الدفاع عن نفسه عبر جميع الأدلة التي تنفي عنه التهم مثل الشهود وغيرهم مما يتوفر لديه من وسائل اثبات نفي التهمة عنه، ويعتبر حقه في علنية جلسات المحكمة والنطق بالحكم في الأحوال العادية ضمانة اخرى  لاتقل اهمية عن ما سبقها من الضمانات مع تفسير الشك لمصلحته وعدم محاكمته وفق قانون سابق للوقائع، وتطبيق القانون الأصلح له، وان لايحاكم على جرائم لم ينص القانون  الجنائي عليها وعلى معاقبتها، فضلا عن استفادته من جميع ظروف التخفيف التي تناسب وضعيته وحالته وطبيعة الوقائع اذاتمت ادانته، واحترام خصوصيته في كل الظروف.
وبعد الادانة هناك ضمانات اخرى هامة  وهي حقه في ان يسجن في مكان لائق يوفر له الظروف الكريمة من ملبس وغذاء وخلوة بزوجته وزيارة اهله واطفاله واقربائه له وامكانية استفادته من الحرية المشروطة والعفو العام ان توفرت فيه الشروط التي من اهمها المرحلة العمرية والحالة الصحية والوضعية الاجتماعية والنفسية للسجين، من خلال هذه الضمانات ومدى خرقها او توفرها  او عدمه في اي ملف يمكنكم تقييم اي  مسار قضائي . و اخيرا ارجو التوفيق هنا لجميع الزملاء كما ارجو وان تنعم  موريتانيا بالسلم والأمن والرفاه  .

المسار: هل يمكن ان تحمل الأجيال الجديدة في القضاء المشروع الذي يحلم به الموريتانيون من وجود قضاء كفء ومستقل وقضاة حياديين متجردين من جميع الضغوط السياسية والاجتماعية؟
الشيخ خليل ولد بومن: حتى تكون الصورة واضحة للجمهور فان ثلاثة أرباع  القضاة اليوم هم قضاة شباب تخرجوا من جامعات عصرية للقانون والشريعة، من جامعة انواكشوط والمعهد العالي  وجامعات عصرية في المغرب والجزائر وفرنسا ولدى اغلبهم طموحات كبيرة لإصلاح القضاء وسلوك جيد يناسب شخصية القاضي الذي يطمح الى أن يكون نموذجيا   وقد بذلوا ما في وسعهم على مدى السنوات الماضية رغم كل الظروف الصعبة ومع ان كل عمل تصاحبه الأخطاء خاصة ان الاكراهات الواقعية المتشعبة التي ناضلنا جميعا من أجل تجاوزها كان لها الدور الكبير في بعض الأخطاء ويفترض اليوم بعد ان تم تجاوز اهم هذه الاكراهات تقريبا ونحن في الطريق لازالة العوائق معززين بتعليمات جادة من رئيس المجلس الأعلى للقضاء بعد إصدار المجلس الأعلى للقضاء لتوصيات هامة  وجوهرية بالخصوص اذا عرفت طريقها الى التطبيق  فان العذر ينتفي هنا ولم يعد هناك مكان لبعض الأخطاء والمسلكيات  التي تهز مصداقية القضاء في أذهان الجمهور وتشوه صورة القضاة في أعين الجماهير والمستثمرين الوطنيين في الداخل والخارج بل قد تجعل الجمهور اذا استمرت  يعزف لا قدر الله  عن اللجوء إلى العدالة إحباطا ويأسا  وهذا اخطر ما فيه عندما تهتز الثقة في العدالة فان ذلك مؤشر خطير على مصالح الأفراد وأمنهم و على استقرار المجتمع وحتى امن الدولة برمته والعكس صحيح حتى ان كانت بعض الأخطاء تعتبر حالات معزولة بالنظر الى عدد الملفات محلها وعدد القضاة الناظرين فيها الاانني على ثقة تامة بأن الأجيال التي تعمل حاليا في القضاء يراهن اغلبها وهم شباب على إصلاح القضاء وإنفاذ العدالة بشكل مجرد ويتنكرون لكل العادات المناقضة لهذه القيم الجمهورية وبالتالي فنحن نراهن على مواكبة هذه الأجيال للاصلاحات الكبرى الموعودة التي نرى ان الوقت اصبح مناسبا لتجسيدها على الواقع بعد ان  ابدى قادة هذه المرحلة  حماسا كبيرا في المساعدة عل ذلك بل قاموا بخطوات  هامة تدفع العجلة الى الأمام وهي ارادة حميدة وسعي نبيل وموفق لابد هنا من تثمينه والاشادة به والدعوة الى تسريع الخطوات المهمة ونتفاءل خيرا بهذا التوجه .

المسار: ما هي أهم الملاحظات التي يجب اعتبارها  عند مراجعة نظام القضاء الموريتاتي من أجل تعزيز استقلاله والتأسيس لعدالة عصرية فيه؟
الشيخ خليل ولد بومن: قبل مراجعة النظام الأساسي للقضاة في موريتانيا ومن أجل توفير الحد المعقول والواقعي المنسجم مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء، يعتبر النموذج المغربي بهذا الخصوص من بين دول الجوار الأقرب الى الواقعية ثم الانسجام المطوب مع المعايير الدولية المذكورة ؛ وبعد اطلاعنا على مجموعة لابأس بها من الأنظمة الأساسية القضائية في الدول العربية، والافريقية الديمقراطية ،وحتى النظام الأساسي للقضاء  الفرنسي و الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعد اجراء قراءة متمعنة للنظام الاساسي للقضاء الموريتاني نرى انه من المهم جدا من أجل الوصول الى الهدف المنشود الواقعي والمنطلق من المعايير المذكورة ،وبناء على معايير المحاكمة العادلة وشروطها المعروفة ، النابعة من شرعية حقوق الانسان بناء على كل هذا وذاك نقترح مايلي عند تعديل النظام الاساسي للقضاء الموريتاني :
اولا :  فصل النيابة العامة عن التبعية لوزير العدل وان تبقى النيابة تابعة للمدعي العام وحده الذي يجب ان يعين من طرف رئيس المجلس  الأعلى للقضاء من خلال مرسوم،  ويشترط فيه ان يكون قاضيا ولمدة خمس سنوات غير قابل للعزل وغير قابلة للتجديد مع اعتبار المعايير المهنية المتعارف عليها في القضاء الدرجة والتكوين والتجربة والميزات الأخرى ...
ثانيا : زيادة عدد ممثلي القضاة في المجلس الأعلى للقضاء بحيث تكون اغلبية اعضاء المجلس قضاة  مع اعفاء وزير العدل من  عضوية هذا المجلس واعطاء نيابة رئيس المجلس الأعلى للقضاء لرئيس المحكمة العليا الذي يجب ان يكون قاضيا يختاره القضاة بعد توفره على المعايير المهنية المذكورة ويسميه رئيس الجمهورية بعد ذلك بنفس طريقة تسمية المدعي العام ؛و ينتدب رئيس المحكمة العليا من طرف رئيس المجلس الأعلى للقضاء لترؤس مختلف تشكيلات المجلس الأعلى للقضاء بعد استحداث امانة  دائمة تعمل بين الدورات العادية وغير العادية للمجلس وتقوم بالتسيير الدائم لشؤون القضاء المالية والادارية بما فيها التشكيلة التأ دبية واعداد مشاريع القوانين المتعلقة بتحسين النظام الأساسي للقضاء والتنظيم القضائي؛ ومشاريع موازنة القضاء قبل عرضها على البرلمان مما سيعزز الاستقلالية المالية والادارية والتشريعية للقضاء ويبعده عن تأثير السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يجب ان تتبع لهذا المجلس مفتشية القضاء، ويجب ان تكون التشكيلة التأديبة للمجلس ذات اغلبية في تمثيل ممثلي القضاة المنتخبين، وان تكون قراراتها قابلة للطعن امام هيئة قضائية اخرى، مع التحديد الوافي والواضح للأخطاء الجسيمة وطبيعتها ،وسحب صلاحية تعهيد وزير العدل لهذه التشكيلة ومنح صلاحياته بهذا الشأن للمفتشية ؛ التي  ترفع تقاريرها بالخصوص الى الأ مانة الدائمة للمجلس التي  تعهد بدورها التشكلة التأديبية المذكورة  .
ثالثا :الحرص في هذه المراجعات المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاء على التحديد وبشكل لا لبس فيه وغير قابل للتأويل المخل بمدأ فصل السلطات وضمانات استقلال القضاء على تحديد طبيعة التحويل لضرورة العمل،  وعدم تحويل القاضي او عزله الا بمقتضى نصوص واضحة ، او قرار تأديبي مؤسس وقابل للطعن ويراعي شروط المحكمة العادلة  او بعد طلب القاضي  لذلك.
رابعا : في الأخير يعتبر فتح مسألة تقاعد القضاة دون تحديد سن معينة باستثناء رغبة القاضي في ذلك عند السن 63 التي يجب ان تكون اختيارية خاصة اذا كان هذا القاضي حصل على خبرة كبيرة ويرغب في مواصلة العمل وهو قادر نفسيا وجسديا على مواصلة العطاء هنا يجب ان  يفتح السن في هذه المسألة ويكون من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء التمديد لمن تتوفر فيه هذه المميزات ويرغب في المواصلة وهي فكرة معتمدة في ابرز الدول  الديمقراطية المتقدمة في مجال العدالة  خاصة  فرنسا والولايات المتحدة الامريكية  وحتى في المملكة المغربية التي تمدد للقاضي الذي تتوفر فيه هذه الظروف الى ٧٠ سنة مع ان سن التقاعد محددة  ب ٦٥ سنة .

المسار الى اي حد يسمح واجب التحفظ المفروض على القضاة بنشر أرائهم في الشأن العام عبر الوسائط الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي؟
القاضي بصفته مواطنا يتقاسم مع المواطنين  مختلف الحريات الدستورية المنصوصة وكل الحقوق الد ستورية وتضمن له المواثيق الدولية حرية الرأي والتجمع النقابي  فضلا عن كون القاضي شخصا مكلفا بمهمة جوهرية حساسة ترتبط بأعصاب مصالح الشعب الجوهرية  وعين من طرف ولي أمر المسلمين لهذه المهمة بعد انتقائه من بين ملايين المواطنين عبر شروط وضعها الشعب من خلال  نوابه ودونت في قوانين نظامية ومنح عبر قواعد قانونية بعض الامتيازات العامة حرص الدستور على النص على ابرزها وهي ان هذه السلطة مكلفة بتطبيق القانون وحماية الحريات وحقوق الناس ووجدت  لتحمي الأعراض والأنفس من بعضها  وتحمي الحريات الاموال وانها منفصلة عن باقي السلطات وان القاضي في حكمه لا سيادة عليه الا للقانون ولارقابة عليه الا  للضمير ، وكلف الشعب عبر الدستور رئيس الجمهورية بحماية هذه الامتيازات تكريسا للمصلحة العامة للأمة، وترأس هذه السلطة حماية لها ومنحا لها للقيمة المعنوية المطلوبة في مهمة جوهرية جمهورية حساسة كهذه، ولفرض التوازن بين سلطات الجمهورية المطلوب .
 والقاضي من جهة أخرى هو إنسان يحتاج إلى التعبير عن رأيه في الشؤون العامة  مثل حاجته الى الطعام والبيع والشراء والسكن والنقل والأمن والقاضي كانسان ومواطن له ميوله السياسية والاجتماعية وحاجاته الاقتصادية ويصوت على من يرى فيه مصلحة الوطن حسب قناعته الشخصية والمطلوب منه في مهمته السامية هو التجرد والحياد وقت معالجته للملفات القضائية من كل هذه الميول وان لا تنعكس على قراراته واحكامه وان لا يدلي برأي أمام الجمهور او يتخذ وموقفا علنيا  منحازا لأي طرف قضيته منشورة  او قد تنشر غدا أمامه ، وان يحرص خلال نشره لأي رأي عبر اي وسيلة ان لا   يؤدي نشر هذا الرأي الى الاضرار او المس من سمعة القضاء ونزاهته في اذهان  العامة  والمتابعين لنشره ويستحسن له من باب  ترك بعض المباحات  تعففا وتميزا عن غيره ترك كل ذلك اضفاء للمزيد من الوقار والرزانة المطلوبين  على هذه السلطة الخاصةو ان يبتعد القاضي عن الأماكن العامة الصاخبة إبعادا للشبه عنه وعن القضاء وعدم  الادلاء بآرائه  عبر فضاءات كالفيس بوك وغيره من الشبكات التواصلية الاجتماعية وان تختصر آراؤه على الكتابة الرصينة  في الثقافة  ونقد مشاريع القوانين والسياسات المرتبطة بقطاع العدالة  بأسلوب رزين، ويستحب ان يتولى هذا الأمر القضاة الذين انتخبوا من طرف جمهورهم للدفاع عن مصالحهم ومتابعة قضاياهم العالقة وان ينصب نقدهم على ضرورة توفير الضمانات المطلوبة لتعزيز استقلال القضاء هذا مع عدم التعاطي او التفاعل مع الغير في هذه المواضيع الا داخل مجموعات القضاة المغلقة مع بعضهم .

المسار: كيف يتعامل القضاة  دون الخروج عن واجب التحفظ او الاضرار بهيبة القضاء وسمعته مع الانتقادات التي  توجه لأدائهم وما مدى وجاهتها ؟
الشيخ خليل ولد بومن: سؤال في غاية الأهمية ان القضاة كغيرهم من العاملين في مؤسسات الدولة وسلطاتها الجمهورية معرضون لكل الانتقادات التي من شأنها تعرية بعض الأخطاء والاختلالات البنيوية التي تعتبر نتيجة طبيعية لتراكمات عقود من التسيب والتفريط والإفراط ومؤسسات الدولة الموريتانية حديثة النشأة بالمقارنة مع الدول النموذجية في المجال مع استحضار ما أخذ من تلك الدول بناء مؤسسات كهذه من وقت وتضحيات وهذا ربما يشفع لبلدنا  لاعطائه فرصة للقيام بالتحول المطلوب عند ما تكون هناك ارادة جادة لاطلاق هذه المبادرة وبناء على هذا نعتبر بعض هذه الانتقادات وجيهة جدا وعن حسن نية وحس وطني ربما.
 هذا اذا بقيت في حدود المسموح به قانونا واذا كانت عبر الأطر المسؤولة  وباللغة اللائقة وستساهم بشكل قوي في الاصلاح المنشود لعدالتنا. أما اذا جاءت هذه الانتقادات من خلا ل حملات تستهدف مختلف اركان الجمهورية وتسعى لزعزعة  ثقة الجمهور في القضاء وتستهدف الأشخاص بدلا من النقد الموضوعي المؤسس والعلمي  للمؤسسات والمشاريع ذات العلاقة متخذة من التجريح والتشهير والقذف والسب والتهديد وسيلة للوصول  لاهداف غامضة وبعضها ضيق ولا تخفى فيه الشخصنة  والحسابات الضيقة فهي مضرة بمصالحنا العليا وبسمعتنا في الداخل والخارج، وهنا  يمكن ان يشكل هذا النوع  مجموعة من الجرائم مكتملة الأركان ويكون الباب مفتوحا للقضاء والجهات المختصة لمتابعة من تصدر عنهم هذه الأفعال المجرمة التي تشكل من جهة اخرى جريمة مستمرة اذا سجلت عبر  البث المباشر او مختلف قنوات البث وبقي بثها مستمرا سواء على قناة تلفيزيونية او على الفيس بوك او اليوتوب وحتى عبر الكتابة والنشر والتوزيع والترويج من خلال صفحات مستعارة او غيرها،  وتعتبر من صميم مهمة  الجمعيات المهنية الممثلة للقضاة في موريتانيا    الدفاع عن القضاة  وهي مختصة في رفع الدعوى امام الجهات المختصة وتبليغ المعنيين وتنبيههم على هذه الجرائم لمتابعتها كما تنص على ذلك الأنظمة الأساسية لهذه الهيئات. ويستحسن  هنا  الابتعاد عن المساجلات مع الاحزاب السياسية او مع العامة والسوقة والغوغاء والدهماء وان يكون الأمر بعيدا عن الضجة الإعلامية  لعدم مناسبة ذلك على القضاة، وللحيولة دون زيادة الضرر الواقع أصلا من هؤلاء على هيبة القضاء وسمعته في الداخل والخارج. ويملك نادي القضاة في موريتانيا سلطة اتخاذ جميع الحلول التي يراها مناسبة للوضع وله حق إجراء التسويات باسم القضاة ان رآها مناسبة اوأكثر صونا لهذه السمعة، اواذا وجد ان من قامو ا بهذه الأفعال المجرمة قاموا بما يمكن ان ينتفي بسببه الضرر محل الشكوى، ولنادي القضاة واسع النظر في تقدير مصالح القضاة وصون اسقلال القضاء وهيبته والحفاظ على سمعته.

المسار: ماهو الاتحاد العربي للقضاة وماهي مكانة موريتانيا فيه؟
الأمين العام الخليل بومن: الاتحاد العربي للقضاة هو أول اتحاد عربي يجمع القضاة العرب تم تأسيه في سبتمبر 2019 بالعاصمة التونسية التي يوجد مقره الآن فيها وجمع هذا الاتحاد اغلب الجمعيات والنقابات االقضائية الموجودة في الوطن العربي حيث تم تأسيسه من طرف نقابات وأندية  وجمعيات القضاة في كل من تونس ولبنان وفلسطين وموريتانيا وليبيا واليمن والمغرب قبل أن تنضم اليه نقابة قضاة الجزائر وجمعية قضاة العراق  وينتظر انضمام قضاة مصر وسوريا والأردن    في وقت لاحق  بعد اكتمال بعض الإجراءات الضرورية للانضمام .
 وقد انطلق هذا الاتحاد انطلاقة قوية بعد استصدار ترخيص له في تونس حيث نظم مؤتمر هناك مع الشركاء لعرض خطته السنوية والخطوط العريضة لعمله واهدافه القضائية والحقوقية وقد شارك في هذا المؤتمر عدد معتبر من المنظمات الدولية غير الحكومية ذات الاهتمام المشترك وتم التوقيع  بهذه المناسبة على عدد من الاتفاقيات مع لجنة  الصليب الأحمر الدولي  ومع منظمة آند سايد غير الحكومية الآلمانية المعروفة باهتمامها بالمجال القضائي والحقوقي في العالم و التي كانت وراء تمويل المؤتمر الدولي لتعزيز آاليات استقلال القضاء في الوطن العربي المنظم في تونس بمدينة الحمامات من طرف الاتحاد بالتعاون مع هذه المنظمة.
 كما كان مقررا قبل الموجة الأولى من جائحة كورونا تنظيم مؤتمر دولي ثاني في المملكة الأردنية الهاشمية بالتعاون مع لجنة الصليب الأحمر الدولي حول القانون الإنساني الدولي كان سيشارك فيه وفد قضائي موريتاني تحت رئاستنا تم تأجيله إلى أجل لم يحدد بعد وقد انتخبت موريتانيا عبر نادي القضاة الموريتانيين كأمين عام مساعد  وأخذت مكانها بقوة بين مؤسسي الاتحاد وأعضاء مكتبه التنفيذي وتنال ثقة جميع الزملاء كما عكست ذلك المشاركات الفاعلة للقضاة الموريتانيين خلال الندوات والمؤتمرات من حيث نوعية الحضور وعدد المشاركين والمساهمة الفاعلة والحيوية حيث كان ذلك موضع إشادة باستمرار من طرف رئيس الاتحاد وابرز قادته كما ساهمنا بفعالية في إطلاق موقع الاتحاد  العربي للقضاة الالكتروني  بنسختيه العربية والانكليزية من موريتانيا هذه باختصار لمحة موجزة عن الاتحاد العربي للقضاة.

المسار: شكرا جزيلا فضيلة القاضي.

الشيخ خليل ولد بومن:  أشكر مجلة المسار الرائدة على الفرصة الثمينة  واتمنى لها المزيد من التألق ولمديرها الناشر العميد الحسين محنض.

ثلاثاء, 27/04/2021 - 20:57