النجاح محمذ فال أستاذة في اللغة العربية، (ماستر) وسياسية مخضرمة نشطت في حزب تكتل القوى الديمقراطية في لجنته الإعلامية لسنوات طويلة، وهي من الوجوه القومية المعروفة في موريتانيا.
حاورتها "المراقب" بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 حول جملة من القضايا الوطنية والعربية والإفريقية والدولية وووجهت لها عددا من ألاسئلة عن الفكر الناصري ومواقف الناصريين من عدد من القضايا المحلية والعربية والدولية الملحة.
وهذا نص اللقاء:
المراقب: ثورة 23 يوليو 1952 ثورة مصرية غيرت أمورا كثيرة في مصر وربما في المنطقة العربية عموما، لكن ما الذي يربطكم بهذا الحدث كمواطنين موريتانيين؟
النجاح م فال: من الأفكار التي نتجت عن الحرب العالمية الثانية هي الحاجة إلى التكتلات التحررية في وجه القطبين المنتصرين الاتحاد السوفيتي وأمريكا وحلفائها ممثلين في كتلتين هما حلف شمال الأطلسي الليبرالي وحلف وارسو الشيوعي .. وقد قامت ثورة 23 يوليو لهذا الهدف فكانت أم ثورات كثيرة منها الثورة الجزائرية وغيرها فلم يكن امتداد هذه الثورة مقتصرا على مصر وبما أنها تطرح فكرة التحرر من معسكرين كان لا مفر لكل العرب من الانضواء والاتحاد معها أو الذوبان في تلك الكتل التي لا تربطها بها نفس العلاقة
ولم نكن نختلف عن بقية العرب في هذا الاتجاه وفي الحاجة إلى الوحدة مع من يربطنا بهم عامل الدين والثقافة والجغرافيا فليس صدفة أن يتعادل الموريتاني بثورة 23 يوليو سواء كان عربيا أو أفريقيا في امتداد هذه الثورة شمل إفريقيا.
و الزنوج الموريتانيون هم أول من فرض الترجمة علي الفرنسيين وهم حماة للعربية والدين، ومن المعروف دور الفوتيين في حماية الثقافة ونشر علوم العربية كما أنه من المعروف أن المجتمع السوننكي ينحدر من مصريين تزوجوا من سيدات نيجيريات والقصة معروفة فلا يوجد في موريتانيا من لا ينسجم مع هذه الثورة.
المراقب: كيف كان عبد الناصر ينظر إلى موريتانيا، وماذا قدم لنا كرئيس لمصر وكقائد عربي و إفريقي كبير؟
النجاح م فال: لم تكن لموريتانيا أي صلات سياسية بالبلاد العربية خلال الحقبة الاستعمارية التي كانت حقبة استعمارية على الجميع
لكن موريتانيا كانت الأكثر تضررا بحكم العزلة الثقافية التي فرضها الاستعمار تكريسا للواقع السياسي
إلا أن موريتانيا خاضت صراعا عنيفا ومميزا لفك هذه العزلة وقد تمكن المختار ولد داداه، أول رئيس لها، من فك تلك العزلة مستخدما مجموعة من العلماء والشعراء المبدعين الذين تمكنوا من التبليغ عن رسالة موريتانيا الحضارية، وكان تلقي عبد الناصر لتلك الرسالة إيجابيا، فقد أطلعنا المختار ولد داداه، رحمه الله، علي مناحي الدعم الثقافي والسياسي الذي تلقاه من مصر حيث استقبلت جمهورية مصر العربية الوافدين للدراسة بسخاء كما أنشأت مركزا ثقافيا سهر بجدية علي تكوين وتعليم الموريتانيين مجانا وقد كنت احد من تلقوا دروسه.
ومن يقرأ مذكرات الرئيس المختار، رحمه الله، يجد الكثير من تفاصيل العلاقات الثنائية بين عبد الناصر وموريتانيا
المراقب: قيل إن الشيخ محمد سالم ولد عدود، رحمه الله، كان ناصريا، هل هذا صحيح، ومن هم أبرز قيادات الرعيل الأول من الناصريين؟
النجاح م فال: لا اعتقد أن الناصرية بدأت كتنظيم سياسي بهذا المعنى.
الفكر الناصري هو عبارة عن استخلاص من تجربة مريرة عاشها العرب من التمزق والقهر خلال حقب من الضياع كان الاستعمار بشكليه القديم والحديث عاملا أساسيا فيها ولذلك تلقف العرب وكل المسلمين هذا الفكر، والعلامة محمد سالم ولد عدود كان من أكبر المدافعين عن قضايا الأمة العربية وعن العالم الإسلامي بوجه خاص، ومن المعروف أنه أدى دورا أساسيا في فك العزلة الموريتانية مع العرب حيث كان له دور أساسي في الوفود والبعثات إلي الدول العربية ولا شك أنه كان علي صلة ببعض رموز الحركة الناصرية مثل المرحوم كابر هاشم وناجي محمد الإمام والكوري ولد احميتي وغيرهم، كما أن له قصائد شعرية عن جمال عبد الناصر في حياته وقبل وفاته عام 1970 رحم الله الجميع.
المراقب: هل يصلح الفكر الناصري لموريتانيا بمختلف قومياتها و مشاربها الثقافية، وما هي مواقفكم من الإرث الإنساني و مخلفات الاسترقاق والوحدة الوطنية، والليبرالية السوق والصحة والتعليم؟
النجاح م فال : الفكر الناصري في خلاصته عبارة عن مجموعة مقترحات تقدم بها جمال عبد الناصر في بيان 30 مارس بعد النكسة عام 1967م، وتلك المقترحات إذا وضعناها في سياقها الفكري والسياسي فإنها لا تتجاوز خطوطا عامة لممارسة السلطة والتعامل مع التكتلات السياسية القائمة آنذاك. والسؤال الحقيقي هل لا تزال تلك التكتلات قائمة وهل لا تزال لديها نفس التصورات حتى نتمكن من صياغة مواقفنا منها؟.
بالنسبة للإرث الإنساني فما حدث في أواخر التسعينيات هو عبارة عن امتداد للاستبداد الذي مارسته الأجهزة القمعية ضد الناصريين 1984 واستمرت فيه ضد إخوتهم من الزنوج مستغلة انقلاب 1987 وما تلاه حتى 1989 والرأي السائد آنذاك عند البعض هو محاسبة من قاموا بالقتل والتنكيل ضد الناصريين حتى لا يستمر هذا الأسلوب القذر في بلدنا،
لكن الدول المتحكمة أعطت إشارتها بالدخول في معمعة أخرى، ثم جاء مؤتمر "لابول" ليسدل الستار على تلك المطالب وتبدأ مرحلة جديد لسنا بصدد الحديث عنها الآن.
وهكذا فأول ضحايا الإرث الإنساني هم الناصريون وغيرهم، والحديث عنه ذو وجهان، الوجه الأول أن يكون حديثا من أجل التصالح مع الذات يحاسب فيه كل من قاموا بالقمع والقتل، والوجه الثاني أن يكون حديثا يكتفي بالشجب والإدانة لكل عمليات التعذيب والقتل دون استثناء.
أما اختزال القمع في عنصر أو اتجاه سياسي دون غيره فهو تعميق للجراح إن لم نقل إنه إعادة إنتاج للمأساة أو بالأحري إنتاج مآسي جديدة
أما بخصوص مخلفات الاسترقاق فهي أحد آثار الحقبة الاستعمارية التي كان التعليم فيها مقتصرا علي أبناء النخب، وكانت تمنع الأرقاء من التمدرس مع أن الرغبة في التمدرس لم تكن جامحة لدى الكثيرين من الأوساط الدينية التي كانت تعتبر المدرسة الفرنسية كفرا وهذا ما ساهم في حدوث شرخ بنيوي في المجتمع لا يقتصر فقط على الأرقاء السابقين بل إن هذا الشرخ يعاني منه حتى الآن من كانوا يمارسون الرق إلى حد قريب وغيرهم.
وهكذا فالأمر يحتاج إلى عدة مقاربات، لكن الأهم هو التصالح مع الذات والاعتراف بأن لكل دوره الذاتي في التخلف وعلى الدولة العمل على إنتاج مقاربات ذات أوجه متعددة تمكن من:
- إنصاف من فاتهم التمدرس من الأرقاء وغيرهم
- فرض التمدرس علي الأهالي
- العودة إلى نظام الكفالة الذي يمكّن الأطفال من الاستفادة من التمدرس ويمنع استغلالهم كعمالة من قبل ذويهم أو غيرهم .
أما بخصوص ليبرالية التعليم فلا أعتقد أن الأمر مطروحا على التعليم دون غيره، فما دمنا نتبع نظاما دستوريا ليبراليا فلا مفر من أن يكون التعليم خاضعا لذلك النظام الدستوري.
لكن - وكجميع الدول – لا بد من فرض سيادة الدولة على التعليم الخصوصي الذي لا يمكن أن يكون عشوائيا ولا يمكن أن يصبح بديلا عن التعليم الجمهوري.
فالحديث عن التعليم الخصوصي يعني أن يكون هناك تعليم جمهوري، إذ الأمر لا يعني أن لا يكون لدينا أي منهما
لا يمكن لدولة أن تصل إلي مرفأ التنمية بدون التعليم الجمهوري الذي ينبغي أن يكون متاحا للكل إن لم يكن إجباريا.. ولا مفر من التعليم الخصوصي الخاضع لسيادة الدولة والذي هو مخرج تنموي وانسجام مع الدستور، ونفس الشيء ينطبق على النظام الصحي.
المراقب: ما هو موقفكم من ملفات التهديد الأمني والإرهاب وما سمي ب "الربيع العربي"؟
النجاح م فال: ليس التهديد الأمني والإرهاب وليد صدفة، إنما هو اثر طبيعي لغياب الدور القومي للدولة العربية سواء في تجليها القطري أو في دورها القومي ..
أي أن غياب التغطية التعليمية والصحية وانتشار البطالة والفقر وعدم وجود إعلام قادر على صناعة رأي عام قطري وقومي، وعجز الأنظمة الأحادية عن إنتاج طبقة سياسية تشكل مرجعية سياسية هو الذي أدى إلي تسويق الإرهاب لدي الشباب العربي والإسلامي والأوروبي لأن كل هذه الشعوب شكلت وقودا للإرهاب الذي تغذيه وتدعمه الدول الاستعمارية بهدف تفكيك الدول سعيا إلي السيطرة عليها والاستحواذ على ثرواتها.
وقد نتج عن هذا التعاطي السيئ على كل المستويات ظهور مفاجئ لحركة عربية تقدمية ثورية عصفت بمعظم الأنظمة الاستبدادية وإن عجزت عن تقديم ما هو أفضل
فقد سقط كل من:
- معاوية سيد أحمد الطايع
- زين العابدين
- مبارك
- علي عبد الله صالح
- نورى المالكي رئيس وزراء العراق
- عمر البشير
- ومعمر القذافي الذي تخلى عن قوميته سقط أيضا، وبقي القذافي القومي في الذاكرة.
ثم عادت هذه الحركة لتعصف بالأنظمة الطائفية والملكيات المسوغة للطائفية فاصطدمت بمقاومة شرسة من قبل الأنظمة الطائفية والملكيات المسوغة لها، فشهدت هجمة مرتدة استخدمت فيها كل الوسائل دون تورع من أي كان، فقد كانت الأنظمة الطائفية والملكية علي أهبة الاستعداد لاي عمل يحفظ لها رقعة واحدة هي التي تملك فتشكل حلف تركي أمريكي خليجي إيراني من أجل هدف واحد، وساعد علي ذلك الاستقالة الهروبية لبرهان غليون في سوريا تحت ضغط "الإخوان المسلمون" وتركيا ليحل محله "الجيش الحر" العميل لتركيا في ملامحه التأسيسية والمغرر ببعضه في جوهره الشعبي، ليكون ذلك بمثابة تحول مأساوي في هذه الحركة الجماهيرية القومية، علي إثره ضاعت الثورة السورية لتتحول إلي
- ضالة أمريكا المنشودة من أجل تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة.
- ضالة تركيا من أجل احتلال أجزاء هامة من سوريا إضافة إلي لواء الإسكندرونة الذي كانت تحتله.
ومن أجل تصدير الأزمة الكردية إلي بلدان عربية هي سوريا والعراق
- ضالة إيران المنشودة في تكريس أنظمة طائفية في سوريا ولبنان موالية لإيران تستمد مرجعيتها من الحوزة الطائفية الشيعية وتتم تزكيتها السياسية بناء على ذلك بعيدا عن أية مرجعيات قومية أو وطنية قطرية
- ضالة الأنظمة الخليجية المنشودة من أجل تسويق تخلفها الصامت على أنه أمن واستقرار، واستغلال حركة الربيع العربي من أجل تنفيذ حروب بالوكالة لا تخدم قضاياها المحلية والقومية مثل حرب اليمن.
- ضالة روسيا المنشودة في إثبات جدارة السلاح الروسي وتحقيق عدة اتفاقيات مع النظام السوري تمكنها من التغلغل أكثر في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالملاحة البحرية
- ضالة أوروبا المنشودة في الاستفادة من ثروات الدول المجاورة لها خاصة ليبيا التي تمت استباحة ثرواتها واستفادة السفن الأوروبية من حرية الملاحة وغيرها في مياهها الإقليمية بحرية كاملة.
- ضالة الشركات المصنعة للسلاح في تأمين سوق رائج يمكنها من انتعاش اقتصادي كامل.
وتجدر الإشارة إلى أن الأنظمة الاستبدادية والطائفية والرجعية تعاملت مع حركة الربيع العربي حسب طبيعتها البنيوية الرديئة فقمع زين العابدين مواطنيه إلا أن الجيش التونسي لم يشارك في القمع وأخذ الجيش المصري مبادرته بتنحية مبارك.
أما علي عبد الله صالح فقد حول الحركة إلى حرب أهلية واستعان نوري المالكي بأسياده الإيرانيين الذين نسقوا مع تركيا واستفادوا من داعش ذات الملامح التركية الخليجية البريطانية الأمريكية، ولا ننسى أن القادة الأمريكيين اعترفوا سابقا بأنهم كانوا على علم بعمليات القاعدة .. اعترف بذلك بوش ومعاونيه
وخلاصة القول أن "الربيع العربي" حركة تقدمية جاءت ردة فعل على النظام الرسمي العربي الاستبدادي في بعض تجلياته الطائفي في بعضها الملكي الرجعي وفي بقيتها وعصف بمعظمها وبقي آخرون لكن بدون وطن ..
غير أن "الربيع العربي" سد الطريق مستقبلا أمام حركة "الإخوان المسلمين" الذين كانوا يوظفون الخطاب الديني شعبيا بحيث رفضوا تطبيق الحدود في الدول التي التفوا فيها على هذه الحركة سواء بالتحايل أو التعاون مع أمريكا كما حدث في مصر وبشكل مكشوف، فكان نظامهم الذي دعمت أمريكا بداية إنتاج لعهد جديد من القهر لم ينج منه حتى منتجوه أي "الإخوان"
وقد أثبتت هذه الحركة مدي الحاجة إلي قيادات قومية توزع الثروة بعدالة وتصون ثروات الأمة وتتحكم في مساراتها السيادية.
المراقب: هل ما زال بإمكان القوميين حكم البلدان العربية ؟ وما هو موقفكم من الديمقراطية التعددية؟
النجاح م فال: الحركة القومية ذات امتداد تاريخي سياسي عريق فهي التي قادت التحرر من الاستعمار العثماني مطلع القرن العشرين وخاضت كفاحا ضده مكنها من تحرير عدة أقطار عربية على يد الشريف حسين ورفاقه قبل أن تتحامل عليها، بعد ذلك، الدول الاستعمارية الأوربية لتتحول معظم تلك الانتصارات إلي انتداب أوروبي على تلك المناطق لكنها هي التي قادت الدول العربية إلى الاستقلال عن طريق كفاح مرير كانت ثورة 23 يوليو أهم حلقاته.
فالدولة العربية المستقلة حديثا هي دولة قومية ولولا ذلك لما كانت الجامعة العربية ولما كان التعاون العربي أيام القادة القوميين فنحن لم نشهد حكما غير الأحكام القومية والأحكام الملكية إذا ما استثنينا حكم البشير في السودان وأيام مرسي التي أنتجت السيسي وزير دفاعه الذي زكاه وأوصله إلى السلطة وحتى الأنظمة الملكية فإنها ظلت تتبنى الخطاب القومي ولا تستطيع أن تجاهر بغيره، وهو ما يعني أن هذا الخطاب متقبل لدى الشارع العربي
وتعد الحاجة إلى أنظمة قومية أكثر إلحاحا خاصة أنه بوجودها ستوزع الثروة بعدالة ويتم القضاء على البطالة، كما ستتوفر تغطية صحية وتعليمية.
وبوجود أنظمة قوية تتوحد طاقات الأمة وتبرز قدرتها على تحرير فلسطين.
وبشأن التعددية السياسية فإنها نظام يرسيه ديننا الحنيف لكنها سبب ضعفنا"
تخلينا عن التعددية "إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، والخطاب القومي الناصري يقترح التعددية ويكرسها في بيان 30 مارس الذي هو خلاصة الطرح الناصري
المراقب: هناك أحزاب محسوبة على الناصريين في موريتانيا لكن غالبيتهم ليست منضوية في أحزاب سياسية، هل تنوون إنشاء حزب سياسي جامع؟
النجاح م فال: لا علم لي بوجود أحزاب محسوبة علي الناصريين بالمعني المألوف، إنما أعتقد أن التجربة التعددية (المحمودَ المولانا ) وردت إلي موريتانيا كأول بلد عربي ترد إليه بعد انتفاضة 1984 التي خاضها الناصريون ضد نظام هياكل تهذيب الجماهير المستبد
وظل الناصريون بمرونة وتواضع يتعاطون مع هذه التعددية لكن دون المستوى المطلوب، فلم يحدث أن أقاموا مؤتمرا أو أي شكل من إشكال التشاور يمكنهم من الاتفاق على تبني موقف يمثل مشاركاتهم الفكرية.
لكن الأمر مطروح الآن بشكل أكثر إلحاحا، فالبلد يحتاج إلى قوى ذات خلفية وطنية قومية تنأي به عن ضيق الأفق السياسي وتمكن من خلق رأي عام قادر على مواجهة التحديات، والناصريون قادرون على ذلك.
وقد يتطلب الأمر اندماجا بين الأحزاب ذات الخلفية الناصرية مع الناصريين غير المنضوين تحت لواء أحزاب، وقد يكون هناك طرح آخر، غير أن وجود حزب ذي خلفية قومية لا ترتهن إلى الايديولوجيا بتصلب أمر ضروري .
المراقب: الفكر الناصري والإسلام، أية علاقة؟
النجاح م فال: نحن أمة الفداء، ونحن امتداد طبيعي للفداء الذي أتاحه الله لنبيه الكريم إبراهيم عليه السلام بعد أن رفع السكين ليذبح ابنه إسماعيل جد نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال "أنا ابن الذبيحين"
فالعلاقة واضحة أي أنه في منتصف القرن العشرين هبت رياح النظرية الرأسمالية والماركسية على العالم فكان لابد من خط يخلص الأمة من التوغل في التبعية لهذين المشروعين اللذين تصارعا على العالم، ومن هنا جاء المشروع القومي الذي قاده جمال عبد الناصر ليكون رد فعل طبيعي على الليبراليين الذين يريدون للأمة أن يتساوى عندها الدين من عدمه والماركسيين الذين يفرضون الإلحاد.
أما الدين الإسلامي فهو وحي وليس فكرا، إنه القرآن والسنة، إنه ثراء تنامي لعدة قرون لم يأت به جمال ولا غير جمال
لكن المشروع الناصري تبني حماية مكاسب الدين من خلال فرض السيادة كاملة غير منقوصة لأمة تدين بالإسلام لا تتخلي عن لغته، فخاطب جمال عبد الناصر العالم من خلال منابر الأمم المتحدة باللغة العربية وفرض لغة القرآن علي العالم من خلال الأمم المتحدة، وامتد ذلك إلى أن تصبح لغة التعليم في الدول العربية المستقلة حديثا.
وتواصل المشروع الناصري مع علماء العالم الإسلامي فضلا عن قادته، وكان له الدور الأساسي في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي.
أما جهوده في سبيل نشر الدين الإسلامي واللغة العربية وتحرير المقدسات الإسلامية فلا حاجة لحصرها.
لقد انطلق المشروع الناصري من خصام بين الليبرالية والماركسية ونجح في بناء رأي عام يتمسك بالثوابت الإسلامية التي هي وحي امتد أجيالا بعد أجيال، إنه للناس كافة لا فضل لعربي فيه على غيره.. لكن أمة العرب خصها الله بكونها نشأ على أرضها وكان الوحي بلسانها فعليها مسؤولية عظيمة في حماية الإسلام وصيانته والدعوة إليه بالتي هي أحسن.
المراقب: هل من كلمة أخيرة؟
النجاح م فال : تجتاح الساحة العربية عدة موجات سياسية تكاد تعصف بمفهوم الدولة وتقلص نظرة الولاء للوطن.
يأتي ذلك بسبب مكابرة الأنظمة الرسمية ضد إقامة حياة سياسية ذات صفة تشاركية مستخدمة في ذلك ممارسة إقصاء وتهميش الخصوم، مما نتج عنه تدهور في الأنظمة التعليمية والصحية أدى إلي انفجار جماهيري عرف بــ"الربيع العربي".
وقد قابلته القوى المنبثقة عن الأنظمة المنهارة بعناد شديد أدى بها إلى أن فقدت البوصلة هي نفسها .. وتم التفاف الإخوان علي جماهيرية هذه الحركة التي افتقدت التأطير والقيادة اللازمتين لذلك، فأصبح الوطن العربي يهدده ثلاثي بغيض
- ما انبثق عن الحكومات المستبدة من إرهاب
- ما انبثق عن حركة "الربيع "من التفاف "الإخوان" عليها أدى إلي حروب طائفية أحيانا وأهلية أحيانا أخرى
- ما آل إليه سقوط بعض الدول حيث أدى إلي توسع استعماري في المنطقة متعدد الأقطاب.
كل هذا يذكرنا بالمنطلقات الناصرية لثورة 23 التي استشرفت كل هذه المخاطر.
المراقب: شكرا جزيلا