الشخصية المعنوية واقع اجتماعي وحقيقة قانونية      ذ/محمدعالي محمدن اب (عدود)

يختلف الشخص في نظر القانون عن الشخص في نظر الأخلاق والفلسفة ،  ففي  نظر الفلسفة والأخلاق  فإن الشخص  كائن إنساني له عقل وإرادة ، أما في نظر القانون فهو كائن يصلح لوجوب  الحقوق   له  وتحمل  الواجبات ،  ومناط هذه الصلاحية ما لذلك الكائن من قيمة اجتماعية تدعو  إلى تحقيق مصالح جديرة بالرعاية ، وكان مدلول الشخص في نظر القانون أوسع منه في مجال الفلسفة والأخلاق  

ومن هنا يمكن أن  يكون الشخص جماعة من الأشخاص الذين يدخلون في تكوينها ، فيكون لها ذمة وجنسية  واسم  ووطن ، وتكسب حقوقا وتلتزم بواجبات  وتقاضي لصالحها بواسطة من يمثلها ،  وقد بوب المشرع  الموريتاني  على الشخصية الاعتبارية   فاعتبرها  شخصا مستقلا عن الأفراد المشكلين لها  لها ذمة خاصة  ولها حقوق   وعليها واجبات .  
الشخصية القانونية لا تقتصر على الإنسان الطبيعي  بل يمنحها القانون أيضا لمجموعة من الأشخاص  اجتمعوا لتحقيق غرض معين  بحيث تتكون من هيئة لها وجود مالي أو سياسي مستقل عن وجود كل واحد منهم  ، كما يمنحها القانون أيضا لمجموعة من الأموال ترصد لتحقيق غاية معينة  بحيث يكون لها كيان مستقل عن كيان  أصحاب الأموال وعن القائمين عليها  ، ومن أمثلة الأشخاص المعنوية الدولة والبلدية والجمعية والشركة والمؤسسة  
إن الشخص الاعتباري لا يختلف عن الشخص الطبيعي من حيث ثبوت الشخصية القانونية فكل منهما تتوفر له الصلاحية لكسب الحقوق والالتزام بالواجبات  ولكنهما يختلفان  في مدى هذه الصلاحية  أي أنهما يختلفان في مدى أهلية الوجوب لدى كل منهما  فأهلية الوجوب لدى الشخص الاعتباري  أضيق نطاقا  منها لدى  الإنسان الطبيعي ، ويرجع ذلك إلى اعتبارين : الأول هو طبيعة الشخص الاعتباري إذ أنه  ليس إنسانا ،  والثاني هو الغرض الذي من أجله وجد  الشخص الاعتباري ، إذ أن هذ الغرض يقضي بمراعاة مبدأ التخصص ، فهذان قيدان يردان على أهلية الوجوب لدى الشخص الاعتباري  . 
إذا كان الشخص الاعتباري حقيقة اجتماعية يسلم بها الشارع فإنه في الوقت ذاته رهينا بإرادة الشارع  ، فهو باعتباره كائنا اجتماعيا يختلف في تكوينه عن الشخص الطبيعي  ولهذا قلنا  إنه   يجب  أن تتوفر  له مقومات االشخص الاعتباري  ، وعلى أساس هذه المقومات  تتحدد قيمته  الاجتماعية  ويكون اعتراف الشارع به  
ويمكن أن نقسم هذا الاعتراف  إلى  اعتراف عام :  وهو الذي يستمد  مشروعيته من حكم القانون دون الرجوع إلى  إذن خاص   ،  واعتراف خاص :  وهو الذي  يتحقق بإذن خاص  من أجل  ممارسة النشاط القانوني في الواقع 
وتختلف الأسباب التي تنتهي بها الشخصية الاعتبارية بحسب الظروف  من ناحية ،  ونوع الشخص الاعتباري من ناحية أخرى 
فقد تنتهي الشخصية الاعتبارية بطريقة طبيعية حيث تنتهي الشخصية المحددة للشخص الاعتباري   إذا وجد مثل هذا  التحديد  ،  كما لو أنشئت شركة أو جمعية لمدة معينة ، كذلك  تنتهي الشخصية بتحقيق الغرض الذي قام الشخص الاعتباري من أجله  ، أو بانقراض    المنتفعين منه   ،  أو بانخفاض  عدد أعضائه إلى أقل من الحد الأدنى الواجب توافره ، وقد تنتهي الشخصية الاعتبارية اختيارية وذلك  إذا كان الشخص الاعتباري جماعة من الأشخاص وأجمع كل أعضائه على حله  أو قررت ذلك الأغلبية التي تملك سلطة الحل . 
وقد تنتهي الشخصية بطريقة إجبارية وذلك بمقتض عمل من جانب الدولة ، وقد يكون الإنهاء من  السلطة القضائية عن طريق حكم يصدر من المحكمة المختصة بحل الشخص الاعتباري لسبب من الأسباب يقرره القانون  .
وتنقسم الأشخاص المعنوية إلى أشخاص  عامة وأشخاص خاصة : ويرجع هذا التقسيم إلى القانون  إلى عام وخاص ، حيث تعتبر الأشخاص المعنوية العامة  من أشخاص القانون العام  فتخضع لأحكامه ، وتعتبر الأشخاص المعنوية  الخاصة من  أشخاص القانون الخاص   فتسري عليها أحكامه . 
الأشخاص المعنوية العامة  تخضع  لقواعد القانون الإداري وتنقسم إلى نوعين : 
الأشخاص الإقليمية    
المؤسسات العمومية 
ويندرج تحت  الأشخاص الإقليمية   تنظيما وإدارة جميع المرافق العمومية أو أغلبها بالنسبة لجميع سكان الدولة أو إقليم معين من أقاليمها ، والأشخاص المعنوية هي الدولة والبلديات والأقاليم والجماعات المحلية . 
ـ  المؤسسات العمومية :   
ويطلق عليها القانون العام الأشخاص المرفقية أو المصلحية
وتعرف المؤسسة العمومية   أنها :  ((الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون العام والمتخصصين والقائمين على مرفق عمومي ، ولهم ممتلكاتهم الخاصة ويتمتعون بالاستقلال المالي ، ولا يستفيدون من أي مساهمة خصوصية ))
اما الشخص المعنوي الخاص فهو الشخص الذي يكونه الأفراد سواء لتحقيق غرض خاص أو لغرض النفع العام  وهو على نوعين : 
ـ مجموعة الأشخاص ذات  الشخصية المعنوية : وتقوم على  اجتماع  عدد من الأشخاص الطبيعية والمعنوية وتنقسم حسب  الغرض  المراد  منها تحقيقه  إلى شركات لتحقيق الربح المادي  أو جمعيات لأغراض أخرى كالعمل الخيري والثقافي والتربوي .
ومنح الشخصية المعنوية يعني:   التمتع بجميع الحقوق وتحمل كامل الالتزامات المقررة قانونا  إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعي  حيث  ينتج عنها  : 
ـ ذمة  مالية مستقلة  ( الاستقلال المالي ) 
ـ يتمتع الشخص المعنوي العام بذمة مالية مستقلة أي الاستقلال المالي عن ميزانية الدولة 
ـ له ميزانية وحساب خاص به 
ـ له الحق في الاحتفاظ بالفائض الناتج عن عمليات  التنفيذ 
ـ الذمة المالية للشخص المعنوي مستقلة عن الذمة المالية للأشخاص المكونين  أو المسيرين له .
ـ  الأهلية القانونية 
يتمتع الشخص المعنوي العام بأهلية قانونية في الحدود التي رسمها القانون تمكنه من اكتساب  الحقوق وتحمل الالتزامات  . 
والأهلية هنا أضيق  نطاقا من أهلية الشخص الطبيعي فهي مقيدة  بممارسة التصرفات القانونية التي تدخل في ميدان نشاطه وتخصصه ومقيدة كذلك بحدود الهدف الذي يسعى الشخص الاعتباري العام لتحقيقه . 
ـ الأهلية  القانونية للشخص المعنوي العام مستقلة عن الأهلية  القانونية للأعضاء المكونين أو المسيرين له  ، ويباشرها عنه ممثلوه القانونيون من أشخاص طبيعيين . 
ـ حق التقاضي : 
ـ له حق  مقاضاة الغير ، كما يكون من حق الغير أن يقاضيه
ـ يمكن أن تقاضي الأشخاص المعنوية بعضها بعضا ن ويباشر هذ الحق  عن الشخص المعنوي  العام  أشخاص  طبيعيون يمثلونه أو ينوبون عنه   ويعبرون عن إرادته في التقاضي . 
ـ  موطن ومقر مستقل  للشخص المعنوي موطن خاص  به  يختلف عن موطن  الأشخاص  المكونين له، وهو عادة المقر أو المكان الذي  يوجد فيه  مركز إدارته   
يجب إعلان الأوراق الرسمية والقضائية للشخص المعنوي في موطنه  أو مقره ويتبع  المحكمة صاحبة الاختصاص 
ـ التمتع بامتيازات السلطة : 
يمارس الأشخاص المعنوية العامة جانبا من سلطة الدولة باعتبارها  من أشخاص  القانون العام   
ـ تتمتع  بامتيازات السلطة التي يقررها القانون  للجهات الإدارية فتعتبر قرارتها إدارية  ، ويجوز تنفيذها جبرا  دون الإتجاء إلى القضاء 
هذ بالإضافة إلى أن الشخص الاعتباري يمكنه أن يقبل الهبات  الوصايا ، ومن حقه أن يكون له ممثل يعبر عن إرادته . وأن يتحمل وحده المسؤولية عن أفعاله الضارة 
ومن هنا تبين أن الشخصية المعنوية افتراض كان لابد منه  ، وإنشاء قانوني  يحمل فلسفة إنشاء شخص خارج عن  مجموعته الطبيعية له ذمته المالية  وأهليته القانونية  التي تحكمها أحكامها الخاصة ، ولكن يبقى هذ الشخص القانوني الحاضر الغائب هو تمثل لوعي قانوني مفاده  أنه آن الأوان لنخلق واقعا أكثر سرعة وديناميكية بشرط أن تحكمه روح القانون ،  ومن المهم أن يفرد له في كل القوانين بابا خاصا به  لأنه لاغنى عنه في الواقع اليوم   ،  ولكن هل يمكن أن يقدم فقهاء القانون  شخصيات أخرى خارجة عن الشخصيتين الطبيعية والمعنوية  بناء على التطور المذهل الذي يشهده الواقع اليوم  ؟

الأستاذ   : محمد عالي محمدن اب (عدود)
أستاذ  مادة طرق الإثبات   بالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء  
رئيس كتابة ضبط النيابة العامة بنواكشوط الغربية

خميس, 30/12/2021 - 13:51

إعلانات