يجتمع "قادة العرب" اليوم في الجزائر وهم ينظرون إلى الخلف بكل خجل حيث 15مليون مشرد من مواطنيهم وقد فقدوا أوطانهم ،ويقصرون الطرف عن الأمام مصوبين رؤوسهم للأسفل حيث تحيط بهم مجموعة من الدول التي كانت في أوضاع أسوأ من أوضاعهم وصارت اليوم تملك طموح الزعامة في المجتمع الدولي وتشق صفوف قواه العظمى. إنها مناسبة عظيمة للخجل يستعيد القادة العرب فيها رياضة المباهاة الاستعراضية في مناسبة ظلت سنوية مع بعض التعثرات، تحت عنوان اجتماع القمة العربية .لم يكن هذا الإجتماع الصاخب فيما سبق حيث كانت إسرائيل دائما تتوجس خيفة من قرار يظهر التضامن العربي حيث كان قادة الرأي يتصدرون المشهد -لم يكن مع ذلك ذا أهمية كبيرة تاريخيا، وبالنسبة للأحداث العالمية فقد كان هامشيا جدا وإن كان هذا الجمع يعني قدرات هائلة بالنسبة للموقع الجغرافي والوضع الجيوبولوتيكي الذي تتجدد أهميته باستمرار سواء في ضوء التمركز حول المنافذ المائية الكبيرة مدخل البحر الأبيض المتوسط من جهة المحيط عند جبل طارق على نحو يجعله تحت النفوذ العربي ،كما تملك دول عربية القدرة على غلق البحر الأحمر الذي يلتقي بالمحيط الهندي عن طريق خليج عدن وباب المندب وخليج العقبة وكذلك قناة السويس حيث الملاحة التجارية خاصة فيما يتعلق بناقلات النفط ، وبالنسبة لخريطة الموارد والخيرات الطبيعية يملك العرب احتياطيا من النفط يقدر ب657 مليار برميل وهو ما يمثل 39,5% من نفط العالم. وبالنسبة للغاز فإن قطر والسعودية والجزائر في قائمة العشرة الأولى المصدرة للغاز في العالم مع أن عشرة دول عربية تنتج الغاز بالاضافة لموريتانيا التي ستنضم لهذا النادي خلال السنة القادمة ، واللائحة تطول بالنسبة للخيرات الطبيعية عالية القيمة ، كما تمثل المنطقة العربية كورقة ضغط على المصانع والتجارة الغربية ورقة ضغط عالية كخريطة من الأسواق الاستهلاكية نتيجة لأنها تستورد أغلب احتياجتها من خارج حدودها وتتجه بوتيرة عالية نحو التسلح . كل هذه المزايا لم تزد الوضع العربي إلا سوءا، والموقف السياسي العربي إلا ضحالة بل ظلت نغمة على المواطن العربي ، وتم استغلالها لدعم الدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة، وهذا هو سبب التخلف الدائم وسبب الدمار لاحقا .
القمة اليوم أقرب إلى مأتم بسبب حجم الجروح وانعدام القدرة على حماية الوطن. إنها تلتئم في أحلك وأصعب ظروف الانحطاط والتشرذم وغياب الثقة والقواسم المشتركة بما في ذلك القضية الفلسطينية التي تم التخلي عنها علنا ضمن التخلي عن الشرف والنخوة والقيم التي كان عليها الأسلاف بكل اندفاع وأريحية. مجموعة التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم والجهود في بناءً الأمن التي بذلت وقفزت من خلالها دول مثل تركيا وجنوب افريقيا وإيران وغيرها من البلدان نحو المشهد العالمي تم بذلها بأضعاف من طرف البلدان العربية لتدمير شقيقاتها محو بنياتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي برمتها وأضعفت نفسها لذات السبب لإنها عرضة لنفس الأحداث وهناك من له القدرة لتحريكها مجددا وبذلك ستظل هذه الدول تدفع لمنع ذلك باستمرار . الأموال التي بذلت في تطوير التعليم والصناعة في البلدان الأخرى وكتم بذلها في حماية العروش والأنظمة جعلت الدول العربية في أسوأ مرتبة بالنسبة للتعليم، فمن 680 جامعة تقريبا تأتي أول جامعة عربية في التصنيف عند الرقم 247 وهي جامعة الملك عبد العزيز في السعودية، وثاني جامعة سعودية أيضا عند الرقم 386 بينما ثالث جامعة عند الرقم 477 وهي جامعة قطر: الدولة التي تحتل المرتبة الخامسة عالميا في تصدير الغاز ولا يتجاوز مواطنوها المليون، بينما تخرج الجزائر ومصر (أعرق دولة عربية من حيث القوة) من التصنيف، فيما تسجل جامعة بغداد الحضور عند الرقم 572. إنه المعنى الحقيقي والموضوعي للتخلف العربي .
بينما يجتمع القادة أمام هذه الحصيلة المخجلة إضافة إلى فاتورة الربيع العربي فأكثر من 883 مليار دولار خسائر المنطقة العربية خلال هذه الكارثة بما فيها 461 مليار دولار خسائر البنية التحتية وحدها و15 مليون مشرد و 1,340مليون قتيل بسبب الربيع العربي. ويذهب السيسي إلى أن الخسائر 900مليار دولار والأدهى من كل ذلك أن 70مليار دولار أنفقتها العروش والمشيخات الدكتاتورية العربية على دعم طموح الديمقراطية لدى السورييين والعراقيين واليمنيين والليبيين والمصريين والسودانيين، في حين لا وجود لمعنى ولا مضمون الديمقراطية في بلدانهم .وحدها قطر أنفقت 17مليار لتهديم سوريا وليبيا .
الخسارة التراكمية الناجمة عن الناتج المحلي الإجمالي الذي كان بالإمكان تحقيقه هي 289 مليار دولار أمريكي، عند احتساب تقديرات نمو الناتج الإجمالي المحلي مقارنة بسعر صرف العملات المحلية. و أكثر من 35 مليار دولار هي خسائر أسواق الأسهم والاستثمارات حيث خسرت الأسواق المالية 18.3 مليار دولار أمريكي وتقلص الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 16.7 مليار دولار.
هذا بالاضافة لعامل عدم الاستقرار الذي تسب في خسائر كبيرة، حيث تسببت العمليات الإرهابية في تراجع تدفق السياح بحدود 103.4 مليون سائح عما كان متوقعاً في سنوات الاضطراب التي تلت اندلاع الاحتجاجات، كما بلغت تكاليف اللائجين 48.7 مليار دولار. إنها حصيلة ممضة ولاداعي لتذكرها ولا للإحتفال بها، فالربيع العربي في ذكراه العاشرة "غضب متفجر وأحلام محطمة"،حسب مجلة "الإيكونومست" البريطانية الرصينة، فيما قالت صحيفة " الجارديان" أنه بعد مرور عقد من الزمن فإن "أحدا لا يحتفل بها". وتضيف الإيكونومست: "باتت المنطقة أقل حرية مما كانت عليه قبل عام 2010، وربما أصبحت أكثر غضبا، وهزتها الحروب واللاجئون وكورونا".
أما الجارديان فتقول ضمن مقالها المعنون "الربيع العربي في ذكراه العاشرة، غضب متفجر وأحلام محطمة"، إنه بعد فورة الأمل وزهوته، تحول الأمر إلى خيبة أمل عارمة.
إنها الصورة التي سينظر إليها القادة اليوم بعد انفاقهم بمليارات الدولارات في دعم "الحريق العربي "
لا يوجد أي شيء يفتخر به القادة اليوم في اجتماعهم، ولا يجود أي طموح أو آمال تعلقها الشعوب على هذا الإجتماع، بل تتجه بصفة اجماعية إلى التأكيد على أن المحروقات التي بذلت للوصول إلى الجزائر للمشاركة في هذه القمة فساد مالي ،حيث لا توجد أي قدرة على تبني قرارات في أي مجال، فجميع المؤسسات والمواثيق وقرارات القمم معطلة ولا تملك أي مصداقية، بينما تمثل جامعة الدول العربية (الآلية الرئيسية لمتابعة وتنفيذ تلك القرارات) أضعف منظمة على وجه الأرض .
إنه بحق عصر الإنحطاط الذي يذكرنا تماما بدويلات المماليك في الأندلس ….فماذا ستغني القمم في مثل هذه الظروف؟!.
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار