لم أفهم ما آل إليه "ملف العشرية" رغم أنه شغل الناس وظل ردحا من الوقت هو حديث العام والخاص والسياسي وغير السياسي، ورغم أنه أول ملف يصدر عن أعلى هيئة تشريعية رقابية، ويشمل عددا هائلا من المسؤولين السامين، معزز بالوثائق والأدلة والقرائن، ورغم كل ذلك لا يزال المشمولون فيه يصولون ويجون في أنحاء المعمورة دون محاسبة، لا هم تمت إدانتهم واسترجاع ما نهبوا من أموال الشعب الموريتاني المحروم من ثرواته، ولا هم تمت تبرئتهم وإنصافهم، ومصارحة الشعب الموريتاني بمصير ثرواته.
لم أفهم لما ذا يحتفظ الرئيس غزواني بالمفسدين ويعتمد عليهم في تنفيذ تعهداته للشعب الموريتاني، رغم إدراكه لدورهم السلبي عليه أولا وعلى الشعب الموريتاني، الرئيس عبر في أكثر من مناسبة عن عدم رضاه عن مستوى تنفيذ المشاريع الإنمائية، ولعل جسر الحي الساكن أكبر شاهد على ذلك، كما أنه عبر مرارا وتكرارا عن عدم رضاه عن مستوى تقريب الإدارة من المواطن، لكنه يكتفي في كل مرة بالكلام دون المحاسبة، الشيء الذي شجع المسيرين ربما على عدم الاستجابة للتعليمات والتوجيهات.
لمأفهم كذلك كيف استطاع الرئيس اسكات المعارضة، ولم أفهم لما ذا قررت الاستقالة من دورها التقليدي دون تقديم مبرر مقنع للشعب الموريتاني، فنحن لا نريد معارضة سلبية لا تثمن إنجازا ولا تقدم نقدا بناء معززا بالأفكار النافعة للناس والقابلة للتطبيق، ولا نريد معارضة تخرص وقت النقد وتسكت وقت التثمين.
لم أفهم أيضا كون موريتانيا دولة غنية بثرواتها وشعبها فقير رغم قلة عدده، إذا عملنا مقارنة سريعة مع الدول المجاورة لنا، سيتضح لنا أكثر أن الأمر غير طبيعي، السنغال مثلا تفوقنا أضعاف المرات من حيث تعداد السكان، لكننا نفوقها من حيث الثروة السمكية والمعدنية والحيوانية ... ولا أدل على ذلك من حاجتهم للسمك الموريتاني والأضاحي الموريتانية.
ولم أفهم البتة كيف للدولة أن تأمر بتسريح الفضاءات الموازية والمجاورة لملتقى الطرق الرئيسي في العاصمة "كرفورمادريد" تحضرا لبدء الاشغال فيه قبل بناء جسر "الحي الساكن" الذي تعطلت الأشغال فيه وهي لا تزال في مهدها، ولنا أن نتصور ما أحدثه تعطل هذا الجسر من آثار سلبية على حركة المرور في العاصمة، وخاصة على سكان تيارت ودار النعيم، ولنا أن نتصور كذلك ما ستكون عليه حالة المرور في نواكشوط إذا ما تعطلت الأشغال في جسر مدريد لا قدر الله.
لم أفهم حقيقة الكثير من الأمور التي تجري في البلد، وخاصة في ظل حكم تعلن قيادته نية الإصلاح ومحاربة الفساد، لكنني سأكتفي في الوقت الراهن بهذا القدر رفقا بالقراء الكرام وتفاديا للإطالة.