لقد كان من أبرز نتائج ما شهده العالم في العصر الحديث من تطور تكنولوجي ذلك التحول العميق الذي لم يعد معه أي مجال من مجالات الحياة في منأى عنما أفرزته الثورة الرقمية من تداعيات وما فرضته من ضرورة الانخراط فيها بالشكل الذي يضمن الاستفادة مما تقدمه من مزايا وتوفره من حلول لمختلف النواقص والإشكالات التي تعاني منها أجهزة الدولة ومرافقها .
ويعد قطاع العدل من أهم تلك الأجهزة وأكثرها حاجة للاندماج في مسيرة التحول الرقمي نظرا لما يواجهه من تحديات من أهمها تعقد الإجراءات القضائية وتراكم القضايا وبطْء البت فيها وارتفاع التكاليف الخاصة بالتقاضي مما يعيق سهولة الولوج للعدالة وتقريبها من المتقاضين ......وهي كلها أمور من غير الممكن مواجهتها مالم يتم وضع مخططات توجيهية كفيلة بإدماج النظام الرقمي في النسيج القضائي من خلال وضع إطار تشريعي لإقرار نظام الرقمنة في مجال العدالة بصورة فعلية وتنظيم وتحديد آلياته وما يرتبط به من عمليات وضمان الأمن اللازم لانسيابية بياناته ومواءمة وتحديث التشريعات بما يراعي استخدام الأنظمة الرقمية ويوفر بئة آمنة تمنع من قرصنة المعلومات .... وتبعث الثقة لدى المتقاضين و الفاعلين في نظام التقاضي الإلكتروني .....إضافة إلي إقامة بنية تحتية للعدالة الرقمية بمتطلبات فنية وتقنية عالية تفرض تركيب تجهيزات مميزة من حواسيب آلية مزودة بقواعد بيانات .....لكافة المحاكم والسجون ومراكز القرار ومكاتب المحاماة .... مع ربطها بشبكة عنكبوتيه ذات سرعة عالية .
ولضمان جدوائية رقمنه العدالة واستمراريتها يتعين إخضاع القضاة و موظفي الأسلاك القضائية لدورات تكوينية مكثفة في علوم الحاسوب وبرامج المعلومات حتى يتسنى البدء بشكل فعلي في تسجيل الدعاوى القضائية ومتابعة إجراءات التقاضي الرقمي عن طريق عملية إرسال واستلام الوثائق والمستندات المتعلقة بالدعاوى عبر دعائم الكترونية .
وأيا كانت الآثار والنتائج الإيجابية لرقمنة العدالة علي العمل القضائي يظل طريق إدماجها في النسيج القضائي الوطني طريقا شاقا وطويلا بالقياس لما حققته بعض الدول المجاورة في هذا المجال بعد ما يزيد علي عقد من الزمن علي إطلاقها لمشاريع الرقمنة التي لم تتجاوز مراحلها الأولى نظرا لما واجهته من تحديات من أبرزها :
1) تحديات تقنية وفنية منها:
ما يتعلق بصعوبة تأمين وحماية المنظومة المعلوماتية بالشكل الذي يضمن سرية الوثائق والمستندات وجميع الإجراءات بما في ذلك إجراءات المحاكمة ويحمي من عمليات التنصت وسرقة البيانات وتشويه المعطيات أثناء تبادل الوثائق عبر قنوات الاتصال والحماية من انتحال هوية أحد المستخدمين أو اختراق كلمات المرور......
2) تحديات قانونية منها :
ما يتعلق بما تضمنته القوانين الإجرائية من ترتيبات تشكل في بعض جوانبها عائقا أمام استخدام التقنيات الحديثة في العمل القضائي كما هو الحال بالنسبة للمحاكمة عن بعد وما يترتب عليها من إجراءات تمس المبادئ الأساسية للتقاضي وذلك لما تشكله من خرق للشفافية المطلوبة قانونا في إجراءات المحاكمة والمستندة علي مبدأ العلنية والحضورية في الجلسات ، ففي المجال الجزائي مثلا يكرس مبدأ الحضورية والعلنية حق المتهم والجمهور في حضور الجلسة ويسمح للمتهم بالتفاعل مع استجواب أعضاء المحكمة وأسئلة الدفاع والنيابة العامة ومواجهته بشكل مباشر بأدلة ارتكاب الوقائع المنسوبة إليه من شهود أو مسروقات أو سلاح أو وثائق مزورة ......
فمناقشة القضية بشكل حضوري وعلني ومباشر من شأنه أن يعزز قناعة المحكمة فيما سينتهي إليه قضاؤها وذلك من خلال ما يستوحيه أعضاؤها من تعابير وجه المتهم وحركاته ونبرة صوته .....أثناء مناقشة القضية .
3) تحديات تتعلق بواقع المنظومة القضائية الوطنية من أهمها:
ا) هشاشة البنية التحتية القضائية وعدم جاهزيتها لدخول عصر الرقمنة .
ب) حاجة المحاكم والهيئات القضائية الي هيكلة إدارية قادرة علي إستقبال الرقمنة .
ج) الحاجة الي بنية تشريعية رقمية ومواءمة التشريعات الوطنية وتحيينها لمواكبة الرقمنة .
د) النقص المسجل في مجال الكوادر البشرية المتخصصة في مجال التقنيات الحديثة خصوصا تلك القادرة علي تصميم ومواكبة وحماية وتسيير وصيانة ما ستتم إقامته من برامج وأنظمة تتعلق برقمنة العدالة .
ه) افتقار غالبية الطواقم القضائية والمستهدفين من العملية القضائية للوسائل الكفيلة بتمكينهم من الولوج للعدالة سواء تعلق الأمر بما لديهم من مهارات في استخدام تكنلوجيا المعلوماتوالاتصال أو التعاطي مع ماهو موجود من برامج وانظمة الكترونية تتعلق بالقين القانونية التي تسهل بشكل فعلي التعامل مع نظام التقاضي الألكتروني.
و) انعدام هيكل إداري علي مستوى وزارة العدل متخصص في نظم المعلومات والعدالة الرقمية يعنى بالتكوين والرقمنة وتوفير البنية التحية الرقمية الضرورية لعدالة معاصرة..............
والله أعلم