مُنٍيت أحزاب المعارضة بهزيمة مدوية في انتخابات 13 مايو 2023. خسروا معظم الدوائر التي ترشحوا فيها، حتى في العاصمة نواكشوط التي كنا نعتقد بعض مقاطعاتها محصنة لهم. ماذا يحصل؟ هل نحن أمام تحولات جديدة أم ماذا؟
لا أستطيع بحال من الأحوال الرد على هذه الأسئلة، ولكني أود تسجيل ملاحظات سريعة تتعلق بأسباب فوز الموالاة والحزب الحاكم في هذه الانتخابات. أذكر منها ثلاثة:
- البيئة السياسية الجديدة
- سحب رصيد المعارضة
- عوامل قانونية وإجرائية
1- البيئة السياسية الجديدة
منذ انتخابه 2019، رسم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نهجا رئاسيا جديدا يقوم على التشارك والتشاور مع الطيف السياسي دون استثناء. وكان من نتائج ذلك تهدئة الساحة وتطبيع العلاقة بين الفرقاء السياسيين. تقلصت المسافات الفاصلة بين المعارضة والموالاة. وانتهت الشيطنة والحِدة والشدة والتخوين و التعجيز. وحلت النعومة محل الخشونة، والتفاهم والاسترخاء محل التوتر والشد والجذب. وشيئا فشيئا ضاقت الفوارق بين البرامج والأهداف، و ضاعت بَوصلة الأحزاب وشُلت أعصابها. اختفى الفعل المعارض، ومع اختفائه اختفت البدائل عن الرئيس وأغلبيته. وتم ذلك على مسمع ومنظر الجميع بكل ديمقراطية وعدالة، بالضبط كما تم مع الجنرال "ديغول" في خمسينات القرن الماضي، حيث كان يقول: إن الأحزاب السياسية مجرد "أشياء" (des machins).
2- سحب الرصيد الرمزي من المعارضة
وإذا كان الرئيس ربح معركة "تمييع" أو "تنويم" الأحزاب، فإنه ربح كذلك معركة سحب الرصيد الرمزي من المعارضة والنخب. لقد سعى لكسب قلوب الموريتانيين بتوجهاتهم المختلفة بدءا بخطاب الترشح 2019 وانتهاء بنداءات "ودان" و "چيول"، وما جاء به من مقاربات تلامس قلب الأجيال، سواء منها ما تعلق بالرصيد التاريخي للمقاومة ضد الاستعمار، أو جيل الاستقلال الوطني، أو الأجيال التي ناهضت الظلم والغبن والتراتبية المقيتة. وتجلى ذلك في رعايته الشخصية لبرامج اجتماعية واسعة النطاق جعلته يصل إلى قلب الجماهير العريضة من الفئات والشرائح الأقل حظا. أذكر منها: مشاريع "تآزر" ذات النفع العام، والتأمين الصحي، والسكن الاجتماعي، والمدرسة الجمهورية، إلخ. أدري أن هذه البرامج لم تعط أكلها حتى الآن ونتائجها ما زالت متواضعة بسبب التسيب والفساد، ولكن المواطن العادي يحتفظ للرئيس بحسن النية وسلامة الهدف.
3- عوامل قانونية وإجرائية
بالإضافة إلى البيئة السياسية الجديدة وسحب الرصيد الرمزي من المعارضة والنخب، تضافرت عوامل قانونية وإجرائية ساهمت هي الأخرى في فوز الموالاة بمعظم بلديات الوطن، وخاصة فوز "إنصاف" بمقاطعات العاصمة. وهذا الفوز، رغم كونه بالغ الأهمية ويستحق الإشادة والتهنئة، يبقى "انتصارا خادعا" يعود الفضل فيه "للنسبية" أساسا؛ لولاها لانجرّ الحزب إلى شوط ثانٍ ، غالبا ما ينتهي بخسارته. وعلى الصعيد الإجرائي فقد شكل قرار التسجيل عن بُعد رافعة مهمة لأصحاب المال والأعمال، وتسبب في ما حصل من تهجير و نقل ونزوح وتغيير للمعطيات الديموغرافية في أكثر من دائرة انتخابية. هذا بالإضافة إلى ما قام به بعض المسؤولين من تهديد و ترهيب للمواطنين في غزوة "لأنصفة الدولة"، وتحويل مؤسساتها إلى تشكيلات "إنصافية" تعمل لخدمة الحزب وفرض التصويت لصالحه. وكان من نتائج ذلك دفع الحزب إلى مواجهة مفتوحة مع أحزاب الموالاة وجماهير شعبية غاضبة من ترشيحاته في عموم التراب الوطني. لأول مرّة في تاريخ الانتخابات يصل مستوى الغضب والاحتجاج في موريتانيا الأعماق إلى كسر جدار الخوف والتصدي للسلطة بالعنف. ظهر ذلك جليا في نزول المواطنين بالآلاف وباستمرار لمدة أيام إلى الشارع والبقاء في الحيز العام الإعلامي و المكاني في "عدل بگرو"، و "تمبدغه" و "اطويل" و "سيلبابي" على سبيل المثال، لا الحصر. هل نحن أمام معادلة جديدة ومنظومة من القيم السياسية الجريئة والمتحررة في عمق البلد، أم أنها موجة غضب واستياء عابر فقط؟
أسئلة كثيرة وتحديات كبيرة ينبغي التعامل معها قبل الدخول في معمعة الانتخابات الرئاسية القادمة 2024.
وعلى ذكر الانتخابات الرئيسية، فإني أغبط الولايات المتحدة الأمريكية على مبدأ "الانتخابات النصفية". من تمام عقل الأمريكان وخبرتهم في توازن السلطات وفصل بعضها عن بعض اعتمادهم لمبدأ الانتخابات "النصفية"، بمعنى تنظيم الانتخابات العامة في منتصف مأمورية رئيس الجمهورية.
أنصح بأن تكون الانتخابات العامة المقبلة في منتصف عام 2026.
محمد فال بلال