على ضوء الاجتماع المرتقب للمجلس الأعلى للقضاء الخميس القادم كتب القاضي محمد ينج محمد محمود فال التدوينة التالية تحت عنوان:
تنبيه للسيد رئيس الجمهورية
( إذا لم يصلح القضاء فلن يصلح أيّ شيء ) كلمة صدرت عنكم السيد رئيس الجمهورية في بداية افتتاحكم لدورة المجلس الأعلى للقضاء المنعقدة بتاريخ: 23/ 12/ 2021 وهي كلمة تنبئ عن إدراككم العميق لأهمية وخطورة دور السلطة القضائية وأقرب دليل على صحّتها أنّه باستقلال القضاء وجودة أدائه ستسود الحرية والأمن والمساواة والشفافية وينعدم الفساد وسيكون بلدنا نتيجة لوفرة فرص الاستثمار فيه قبلة للمستثمرين وإذا ما حدث ذلك فسيتم القضاء على البطالة وتحشى حسابات الخزينة العامة من الضرائب على الأرباح .... وتمتلك الدولة ما تمول به مشاريع الرفع من جودة الخدمة العمومية في المجالات ذات الأولوية مثل التعليم والصحة .... لكن ما هي الوضعية التي وجدتم فيها القضاء وماذا فعل ابتغاء ترقيته وإصلاحه؟
تتذكرون السيد رئيس الجمهورية أنّ القضاء كان قبلكم في وضعية لا يحسد عليها البلد ذلك أنّ قضاءه كان يحتل ذيل الترتيب في القوائم التي تعدها المنظمات والمراكز الدولية المختصة في هذا المجال كما تتذكرون أنّكم وجدتم بعض القضاة ممّن يحتلون مواقع حساسة يعتقدون أنّهم قضاة نظام ينفذون أوامر الرئيس ووزير العدل أتذكر هنا الملف المعروف بملف رجال الأعمال أطلقتهم المحكمة العليا بكفالة عشرة ملايين أوقية لكن قاضي التحقيق القاضي الجالس صدرت له أوامر بألاّ يطلق سراحهم إلا بكفالة أكثر من ذلك بكثير والملف رقم: 113/ 2008 الذي صدر فيه القرار رقم: 27/ 2009 عن الغرفة الجزائية باستئنافية نواكشوط مؤكدا حكم المحكمة الجنائية بولاية أترارزة القاضي بالبراءة لكن لم يطلق سراح المتهمين فيه إلا بعد عدّة أشهر من الحبس الذي أظنه تحكميا وبعد أن وافقت السلطات العليا على ذلك والملف رقم: 101/ 2016 المتعلق بقضية مخدرات الذي رفعت فيه الغرفة الجزائية باستئنافية نواكشوط الغربية محكومية أحد المتهمين بأكثر من الضعف بموجب قرارها رقم: 102/ 2017 ثم أفرجت عنه بعد أيام من ذلك بقرارها رقم: 46/ 2017 ..... هذا بالإضافة إلى تجريد هؤلاء القضاة للناس من سياراتهم عبر تطبيق المرسوم رقم: 13/ 2016 مكرّر غير المشروع والذي لم يرفض تطبيقه من رؤساء محاكم الدرجة الأولى سوى الشيخ السالك آمين رئيس محكمة ولاية كيدي ماغه ومن محاكم الاستئناف غير محكمة استئناف كيفة ومحكمة استئناف ألاك حينها لكن قراراتهما لم تنفذ لأنّ السلطات العليا حينها لم ترغب في تنفيذها والقضاء لم يكن قضاء جمهوري التوجه بل إنّ وزير العدل حينها طلب من رئيس محكمة قاض جالس تجاهل قرار محكمة الاستئناف اللاغي لقراره وتنفيذ قراره ببيع وسيلة النقل ففعل السيد القاضي المحترم ذلك
السيد رئيس الجمهورية تتذكرون أنّكم أنتم من أعاد ما بقي من هذه السيارات لأهلها عبر تعديل المادة: 38 من المرسوم رقم: 127/ 2017 بالمرسوم رقم: 006/ 2020 المتعلق بتسيير الممتلكات المحجوزة والمجمدة فكانت السلطة التنفيذية بذلك أكثر قدرة على حماية حقّ الملكية من السلطة القضائية هذا بالإضافة طبعا إلى أمور كثير يضيق المقام عن ذكرها منها تنفيذ الأوامر المتعلقة بإصدار مذكرات الاعتقال الدولية وإلغائها متى طلب ذلك بدون أيّ تردّد وتقديس قضاتنا لضباط الجيش لدرجة تنزيهم عن الاستدعاء للمحاكم لسماع ردّهم على الشكاوي المرفوعة ضدّهم من المواطنين خاصة المتعلقة بتهم خطيرة مثل التعذيب والاحتجاز التعسفي وبعث القضاة إلى القواعد والثكنات للاستماع إليهم هناك
السيد رئيس الجمهورية
لا يزال القضاة الذين قاموا بالتصرفات المشار إليها أعلاه يحتكرون المناصب المهمة في النيابات ومحاكم الحكم في معظم مختلف المحاكم ودرجات التقاضي كما لا يزال العقاب على التحيز للتطبيق السليم للقانون وحماية الحريات الفردية مستمرا عبر التهميش والتحويل للأماكن النائية بل إنّ أهل القانون والمؤمنين بضرورة سيادته منبوذون من طرف القائمين على القطاع من القضاة ولا تشفع لهم حتى أواصر القربى التي تربطهم بكم
السيد رئيس الجمهورية لا أظنكم تدركون القيمة المهنية للقضاة الذين يشغلون الآن مناصب مهمة وحساسة داخل القضاء ولا القيمة المهنية للمهمشين لكن بعض الفاعلين في التحويلات من القضاة يدركونها قطعا
السيد رئيس الجمهورية إنّ إبعاد هؤلاء وأمثالهم القلائل وبقاء أولئك في ذات المناصب يشكل رسالة مخيفة يمكن أن تطرح كثيرا من الأسئلة حول مشروعية الحلم بأمل إصلاح القضاء في أيامكم التي أرجو أن تكون ميمونة وأيام إصلاح شامل انطلاقا من حبّي لبلدي
السيد رئيس الجمهورية لا يزال القاضي في البلد الذي تترأسون لا يتحكم في تحديد الباب الذي يدخل منه لمكتبه
منعت الشرطة عدّة مرّات من دخول قصر العدل من الباب الأقرب لي
القاضي الذي لا يستطيع الدخول إلى مكتبه من الباب الذي يريد يمكن أن يطرح هو ذاته أسئلة حول إمكانية تحقيقه للعدالة
بالمناسبة شكوت للمدعي العام لدى محكمة الاستئناف وطلبت منه طرد الشرطة من القصر فرد علي بأنّهم منعوا المفتشين قبلي من الدخول وأنّ الشرطة لن تستجيب لأوامره فقلت لسيادته استدعي الدرك لطردهم فقال لي لن يفعلوا
نشرت الحادثة على صفحتي فلم تنطح بسببها شاة شاة
السيد رئيس الجمهورية يجب أن تعملوا على زرع ثقة القاضي في نفسه ليثق به المواطن والمستثمر
ويجب وبشكل ملح أن يعاقب من يسيء إليه خاصة إذا كان من أعوانه
السيد رئيس الجمهورية
تعلمون أنّه لا يمكن أن يثق المواطن في أحكام قاض لا يستطيع دخول مكتبه من الباب الذي يريد
السيد رئيس الجمهورية
العيش في بلد لا يوجد فيه قضاء محترم وكفء ومستقل ونزيه يشكل مغامرة حقيقة لأنّه لا يحول فيه بين الشخص وبين الحبس سوى أوامر وهذا ما يشهد عليه الملف المعروف بملف مول الوقاته
السيد رئيس الجمهورية
كان القضاة قبلكم في وضعية مادية ليست جيدة مقارنة بوضعية رؤساء الدوائر الإقليمية (الولاة والحكام)
منحتم علاوة الأعمال الخاصة للقضاة لكن العلاوة التي منحتم لم تجعل القضاة في وضعية رؤساء الدوائر الإقليمية وكانت نصف العلاوة التي منحت للقضاة الماليين.
وعدتم بأنّها ستكون مثل علاوة القضاة الماليين ولا يزال القضاة ينتظرون وفاءكم بوعدكم
إنّ بلدا تزيد فيه امتيازات رؤساء الدوائر الإقليمية ... والقاضي المالي على امتيازات القاضي العادي حارس الحريات الفردية يكون التساؤل عن مدى جديته في إرساء دولة القانون مشروعا
زدتم ميزانيات تسيير المحاكم بالضعف ممّا جعلها تكفي للغرض المخصصة له في معظم الأحيان لكن أكثر المحاكم لا صناديق بريد لها ولا هواتف الأمر الذي جعل بعض رؤساء المحاكم يتحملون أعباء توفير هذه الأمور على حسابهم الخاص.
السيد رئيس الجمهورية
لكل إصلاح تكلفة ويجب أن تدركوا أنّ القضاء يجب أن يكون في مستوى معقول على الأقلّ
لا تزال المحسوبية والتبعية وتدني منسوب الإيمان بقيم الجمهورية بما في ذلك استقلال القضاء هي أهمّ المعايير المؤهلة للتعيين في معظم الأماكن الحساسة في المناصب القضائية أمّا الكفاءة والاستقامة والقدرة على تطبيق القانون فمن أهم الأمور التي تدفع بصاحبها إلى التهميش
السيد الرئيس
اتركوا المفتشية تتولى اقتراح التحويلات فتحويلات السيد وزير العدل والمدعي العام لا يشهد المواطن والتقارير الدولية على جودتها ورئيس المحكمة العليا لا يزال غريبا عن القطاع أمّا ممثلو القضاة فأبعدتهم تفسيرات وزراء العدل للقانون من اعداد المجلس كما أنّهم أنفسه لم يسعوا إلى ذلك بشكل جدّي حتى الآن
المفتشية هي وحدها االمؤهلة لإدراك القيمة المهنية لكل قاض
السيد الرئيس أبوح لكم بسرّ خطير
يحتاج البلد إلى أن يتقلد المناصب القضائية الحساسة غير من يشغلها منذ زمن سابق لتوليكم السلطة
من المحتمل أنّ القضاة يحتاجون لمحكمة عليا تستطيع توجيهم بشكل أكثر جودة ممّا يحدث الآن
في الأخير السيد رئيس الجمهورية أذكركم بالأمور التالية التي لا أظنها يمكن أن تغيب عنكم:
ـ أهمّ إنجاز يمكن أن تحقّقوه للبلد هو إصلاح قضائه
ـ عدم النجاح في إصلاح القضاء خاصة في هذه الفترة يعرض أمن البلد واستقراه وأمنكم الشخصي للخطر ذلك أنّكم يمكن أن تكونوا مستقبلا في وضعية تجلبون فيها للعدالة بتهم ملفقة ولن يكون لكم من حام في تلك الفترة سوى القضاة الجمهوريين لأنّه لا حامي للحرية في الدولة الحديثة سواهم
ـ السيد رئيس الجمهورية أعلنت وزارة العدل عن أيام تشاورية لإصلاح العدالة لكن أكثر الأشخاص المشرفين عليها ساهموا بالفعل أو بالصمت في الدفع بالقضاء إلى الوضعية التي يوجد فيها لذلك ولأنّ إصلاح القضاء يهدّد مصالح البعض عُمِل على إجهاض كلّ محاولات إصلاح في مهدها تتذكرون محاولة إصلاحه في أيام الوزير السيد ذ/ محفوظ بتاح وتلك التي قاد القاضي السيد الغيلاني
السيد الرئيس ما لم تتدخلوا شخصيا وبشكل فعّال بالسعي إلى تجسيد مخرجات الأيام التشاورية فستكون كسابقاتها
السيد الرئيس استمراري في تنبيه فخامتكم على ما أظنّ أنّه يصبّ في السعي بالسلطة القضائية نحو لعب وظائفها الدستورية من باب ممارسة الواجب فقط ذلك أنّني لا أظنّ أنّ أقوالي سيكون لها صدى عندكم تماما مثل سلفكم رغم أنّني أرجو لكم مستقبلا أكثر إشراقا
في الأخير أسأل الله لكم التوفيق
تدوينة سابقة بعد تعديلها
القاضي محمد ينج محمد محمود فال