شبكة المراقب/ نشر نادي القضاة الموريتانيين تقريره السنوي للعام 2023، والذي سلم نسخة منه لمعالي وزير العدل ،وقدم التقرير تشخيصا عاما للعدالة على ضوء ما تحقق من اصلاحات في اكثر من مجال ،كما تحدث عن بعض النواقص التي يرى التقرير انه من الضروري معالجتها عن طريق الشروع في ايجاد حل عاجل لمجملها ان لم يكن كلها.
التقريـــــــــــــــــــر
تقرير نادي القضاة الموريتانيين
عن السلطة القضائية
لسنة 2023
السلطة القضائية
إنجازات ونواقص، ووثيقة وطنية
بناء على مداولة المكتب التنفيذي لنادي القضاة الموريتانيين بتاريخ:30-12-2023 التي قضت بإصدار تقرير سنوي عن السلطة القضائية يوجه لفخامة رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء عبر وزارة العدل، مع نهاية كل سنة قضائية وبداية أخرى، يقدم نادي القضاة تقريره السنوي الأول عن السلطة القضائية والذي يسعى من خلاله إلى ملاحظة الإنجازات التي تحققت وتثمينها، والنواقص التي ما زالت تحتاج للمعالجة وإبرازها،وتقديم المقترحات في سبيل تطوير السلطة القضائية وإعطائها الدور اللائق بها، كما يتضمن هذا التقرير الحصيلة السنوية لعمل السلطة القضائية للتعريف بدورها الذي تقوم به في حل النزاعات عبر المحاكم الممتدة على كامل التراب الوطني، حتى لا تبطر حقها ولا يغمض دورها.
تميزت سنة 2023 بمبادرة هامة على المستوى الوطني، شهدت نشاطا حثيثا من أجل إصلاح وتطوير العدالة باعتبار الإصلاح ضرورة ملحة،ففي الخامس من شهر ينايرمع بداية السنة القضائية 2023 نظمت وزارة العدل منتديات عامة حول العدالة تحت إشراف معالي وزير العدل الدكتور محمد محمود بن الشيخ عبد الله بن بيه،وتحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء السيد محمد ولد الشيخ الغزواني،بهدف تمكين كافة الفاعلين القضائيين من تشخيص واقع القضاء وتقديم الحلول و التوصيات الكفيلة بتطوير واصلاح منظومتنا القضائية، وبعد نقاشات عميقة ومكثفة وضع المشاركون في هذه المنتديات حلولا مناسبة عبر توصيات واقتراحات تضمنها التقرير النهائي الذي شمل مضامين التقارير الفرعية لكل ورشات المنتديات، وهذه المقترحات والتوصيات لخصتها الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة التي سلمتها اللجنة التوجيهية للمنتديات العامةحول العدالة لفخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء في الثالث عشر من يوليو 2023.
وقد أكد فخامة رئيس الجمهورية من خلال كلمته الافتتاحية للمنتديات العامة حول العدالة، عزمه على أخذ مخرجات المنتديات بعين الاعتبار في إطار التطوير المستمر للمنظومة القضائية الوطنية، وذلك "ترسيخا لقضاء مهني عادل ونزيه، يكرس دولة القانون، ويضمن الحقوق والحريات، ويكون مصدر طمأنينة الجميع في الداخل والخارج"،ولعل تلك هي العدالة التي يريدها الجميع..
ثم أنشئت بموجب المرسوم رقم191-2023 الصادر بتاريخ3 نوفمبر 2023لجنة عليا لإصلاح وتطوير العدالة برئاسة فخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء وبعضويةأصحاب المعالي وزير العدل، ورئيس المحكمة العليا ، وزير الداخلية، ووزير المالية، ووزير التحول الرقمي، وتم بموجب نفس المرسوم إنشاء اللجنة الفنية للجنة العليا تحت رئاسة معالي وزير العدل وبعضوية ممثل عن نادي القضاة الموريتانيين، وقد عقدت اللجنة الفنية للجنة العليا أول اجتماعاتهافي الثامن والعشرين من شهر دجمبر 2023 إيذانا ببدء التجسيد الفعلي لمضامين الوثيقة في خارطة طريق بآجال محددة ومؤشرات متابعة دقيقة.
ويؤكد ترأس فخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء للجنة العليا لإصلاح وتطوير العدالة،على الأهمية التي يوليهافخامته لتنفيذ الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة وترجمتها إلى برنامج عمل مفصل،فقد بات كسب الرهان في إصلاح وتطوير العدالة رهين بتنفيذ هذه الوثيقة وتجسيدها واقعيا.
ولئن كنا في نادي القضاة الموريتانيين نثمن الإرادة الجادة لفخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الهادفة إلى إصلاح وتطوير العدالة وتمكين القضاء والقضاة من الوسائل المادية والمعنوية اللازمة، والتي عبر عنها في مناسبات مختلفة منها لقاءاته بالمكتب التنفيذي لنادي القضاةوخطابه الافتتاحي للمنتديات العامة وخلال دورات المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يستحق منا التنويه والشكر.
ولئن كنا كذلك نشيدبجهود معالي وزير العدل الدكتور محمد محمود بن الشيخ عبد الله بن بيه الرامية إلى تجسيد إرادة فخامة رئيس الجمهورية في إصلاح وتطوير العدالة وإلى سعيه الدؤوب إلى حلحلة المشاكل المطروحة وتعاطيه الإيجابي مع مطالب نادي القضاة في سبيل تذليل العقباتومعالجة الصعوبات، وهو ما يستحق منا الإشادة والشكر.
فإننا نسجل بعض الملاحظات المتعلقة بالمطالب التي أنجزت والنواقصالتي تحتاج للمعالجة والوثيقة الوطنية التيدخلت حيز التنفيذ:
أولا: مطالب أنجزت
بعد مشاركة نادي القضاة بفاعلية في جميع ورشات المنتديات العامة حول العدالة، سعى لتحقيق مطالبه التي قدمها خلال هذه السنة، بدء بما ورد في كلمة أمينه العام السابق القاضي عمر السالك الشيخ سيد محمدعمر السالك، التي ألقاها في حفل افتتاح المنتديات العامة حول العدالة يوم الخامس من يناير 2023، وما تلى ذلك من سعي حثيث من المكتب التنفيذي لنادي القضاة لتحقيق مطالبه وذلك من خلال اللقاءات الدورية التي يعقدها مع معالي وزير العدل، والندوات التي نظم حول الوثيقة الوطنية والبيانات التي أصدر دفاعا عن استقلال السلطة القضائية وهيبتها، ذلك المسعى الذي توج بلقاء المكتب التنفيذي لفخامة رئيس الجمهورية في السادس من شهر دجمبر 2023.
وقد استطاعت وزارة العدل تجسيدا لإرادة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء، أن تحول بعضمطالب نادي القضاة خلال هذه السنة إلى إنجازات،من ذلك ما سنستعرضه من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: توصيات تجسدت في وثيقة وطنية
خرج المشاركون بالمنتديات العامة حول العدالة بجملة من المطالب في شكل توصيات واقتراحات وآراء، فبلغ عدد التوصيات المشتركة بين جميع الورشات خمسين توصية أجمع عليها المشاركون، وبلغت التوصيات التي نالت شبه إجماع 377 توصية، فيما بلغت المقترحات التي انفردت بها كل ورشة على حدة دون ورودها في غيرها 99 مقترحا، وقد تمت إعادة صياغة هذه المطالب في الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة، وسلمت لفخامة رئيس الجمهورية وصادق عليها المجلس الأعلى للقضاء دون تحفظ خلال دورته المنعقدة بتاريخ 13 يوليو 2023.
المحور الثاني: بنايات شيدت وأخرى في طور التشييد
بدأت وزارة العدل في وضع خطة لبناء 21 محكمة مقاطعة وقصرين للعدل في نواكشوط الجنوبية والشمالية، وقد انتهت أشغال البناء حتى الآنفي تسعة قصور عدل، إضافة إلى ترميم محاكم مقاطعات السبخة وتيارت ودار النعيم والميناء وعرفات.
المحور الثالث: توفير سيارات للخدمة
لأجل توفير الظروف الملائمة للعمل اقتنت وزارة العدل 32 سيارة خفيفة لفائدة رؤساء محاكم الولايات والمحاكم المتخصصة وغرف المحكمة العليا وتم تسليمهابتاريخ 27-02-2023، وذلك بعد أن تم اقتناء وتسليم 21 سيارة رباعية الدفع للمدعين العامين ووكلاء الجمهورية، كما زودت المفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون بثلاث سيارات رباعية الدفع لتمكينها من إنجاز مهامها.
المحور الرابع: تسوية قضية الجمركة والقطع الأرضية
شملت العناية بالسلطة القضائية تحسين الظروف المادية للقضاة من خلال الاعفاء الجمركي الذي تمت تسويته، كما تم الشروع في إجراءات منح القطع الأرضية للدفعات الأخيرة؛
المحور الخامس: إنشاء نظامي مرآة العدالة والحقيبة القضائية
في إطار تحسين ظروف العمل تم انشاء نظامين الكترونيين أحدهما يسمى مرآة العدالةوهو خاص بالمفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون، هدفه رصد حركة النشاط القضائي للمحاكم، وذلك بتمكين كتابات الضبط بالمحاكم من تسجيل الواردات اليومية والأحكام والأوامر القضائية عبر تطبيق بسيط يتم تحميله على الهاتف المحمول وأجهزة الحاسوب.
والنظام الثاني يسمى بالحقيبة القضائية وهو نظام الكتروني يمكن النفاذ إليه عبر الهاتف المحمول وتمد الحقيبة القضائية القضاة ومختلف الفاعلين القضائيين بالنصوص القانونية، وقد شملت الحقيبة القضائية مجموعة النصوص المتعلقة بالاستثمار والنصوص التجارية والمالية والعقارية والجنائية والاتفاقيات الدولية بالإضافة إلى الجريدة الرسمية.
المحور السادس: إنشاء الوكالة القضائية للدولة
من أجل مركزية تسيير النزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها وتنسيق عمل المحامين المتعهدين بالدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم والسهر على حماية مصالح الدولة والحفاظ على المال العام، أنشئت الوكالة القضائية للدولة بموجب المرسوم رقم 2023-75 الصادر في ابريل من سنة 2023، وينتظر منها أن تساهم في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة، وفي التعاطي الإيجابي مع الدعاوي والاستدعاءات الموجهة إلى الدولة ومؤسساتها الإدارية.
المحور السابع:إجراء إحصائيات عن نشاط المحاكم
قامت المفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون بإجراء احصائيات عن نشاط المحاكم لأول مرة في تاريخها، وقد أظهرت هذه الاحصائيات استفادة المتقاضين على عموم التراب الوطني خلال سنوات 2020 و2021 و2022 من 626.195 حكما و5.951 صلحا
وقد لاحظت المفتشية العامة من خلال التقارير الميدانية تزايد إقبال المواطنين سنة 2023 على المحاكم حيث بلغ عدد الأحكام الصادرة حتى شهر نوفمبر من هذه السنة 316.981 حكما فيما بلغ عدد الأصلاح 2.299 صلحا، وهو ما يؤكد الثقة الكبيرة في السلطة القضائية في ظل وجود مؤسسات بديلة عن التقاضي تتمثل في التحكيم والوساطة بنوعيها الاتفاقية والقضائية والمصالحة، وفي ظل هذا الإقبال الملحوظ عملت المحاكم بكثير من التضحية والعزيمة -رغم العراقيل الواقعية والقانونية-على البت في عدد كبير من هذه القضايا وفي وقت معقول.
إن معالجة المحاكم خلال المدة المشار إليها أعلاه لما يناهز مليون قضيةيجعلنافي نادي القضاة ننظر إلى المستقبل بثقة ويقين وأمل، ويلزمنا ذلك بشكر أهل الفضل فيه، السادة القضاة وأعوانهم.
ثانيا: نواقص.. تنتظر المعالجة
لقد شخصت المنتديات العامة واقع العدالة بما لها وما عليها بشكل مفصل ومستفيض يغني عن تكراره- في هذا المقام- وروده ضمن التقرير النهائي لهذه المنتديات وورود ملخص له ضمن الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة.
ومع ذلك سنلقي الضوء على بعض تلك النواقص من خلال استعراض المحاور التالية:
المحور الأول: تعزيز استقلال القضاء
يعتبر استقلال القضاء قاعدة ديمقراطية وضمانة دستورية وحقوقية هدفها كفالة حسن سير القضاء وحماية حقوق المتقاضين بالاحتماء بقضاء مستقل ومحايد يضمن المحاكمة العادلة، وقد كرس الدستور والنظام الأساسي للقضاء مبدأ استقلال القضاء والمبادئ المتفرعة عنه كمبدأ عدم قابلية القاضي الجالس للعزل.الذي نصت عليه المادة الثامنة من النظام الأساسي للقضاءكما يلي:" لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحولون إلا بطلب منهم أو بعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة للعمل...".
غير أن نادي القضاة لاحظ من خلال نتائج اجتماع المجلس الأعلى للقضاء في دورته المنعقدة في 13 يوليو سنة 2023أن هذه النتائج لم تراعمبدأ عدم قابلية القاضي الجالس للعزل، ذلك أن ضرورة العمل تنحصر في وجود وظيفة قضائية شاغرة أو إنشاء محاكم أو هيئات قضائية جديدة أو وجود تخصص معين لدى القاضي المحول تدعو الحاجة إليه في وظيفة معينة.
كما لا حظ الناديكذلك في نتائج المجلس الأعلى للقضاء في دورته المنعقدة في العشرين من دجمبر من سنة 2023،تحويل بعض قضاة الحكم منمحاكمإلى أخرى دون طلب منهم ودون وجودضرورة عمل قاهرة.كما لاحظ غياب معايير موضوعية واضحة ومستقرة يتم من خلالها تعيين القضاة في الوظائف القضائية.
إن هذه الوضعية، تكررت كثيرا في الماضي وآن الأوانلمعالجتها بوضع قيود موضوعية وشفافة وعادلة، ربما من قبيل ألا يحول قاض إلا بناء على تقرير من المفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون، يبين كفاءة القاضي وجدارته التي يستحق معها تعيينه في منصب قضائي أعلى من منصبه الحالي، أو يبين الحاجة الماسة إلى تخصصه أو خبرته التي تبرر نقله إلى وظيفة أخري، أو يبين الخطأ التأديبي الذي ارتكبه القاضي والذي يستحق على أساسهالتحويل على سبيل التأديب.
إن التقيد بالمبدأ الوارد بالمادة الثامنة من النظام الأساسي للقضاء ووضع معايير موضوعية لتعيين القضاة في الوظائف القضائية من شأنه تعزيز استقلال القضاء الغاية الأسمى والهدف الأول لإصلاح القضاء.
المحور الثاني: تعزيز الأمن القضائي
غاية الأمن القضائي ترسيخ الثقة في السلطة القضائية بوصفها ملاذا يحتمي به لجميع وما يعنيه ذلك من ثقة في الدولة، ويتطلب تعزيز الأمن القضائي توفير الحماية للقضاة من جميع أنواع التهديد والانتقام أو الإساءة والتجريح، كما يتطلب الأمن القضائي جودة تكوين وتدريب القضاة واعتماد التخصص بفعل تضخم التشريع وضرورة الاستجابة لمتطلبات التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
إهانة القضاة والاستهزاء بالسلطة القضائية:
لا حظ نادي القضاة انتشار ظاهرة إهانة القضاة والاستهزاء بالسلطة القضائية والتطاول عليها في خرق واضح للنصوص القانونية المجرمة والمعاقبة لمثل هذه الجرائم،كما لاحظ النادي أن معظم تلك الإساءات صادرة ممن تفترض فيهم المسؤولية والبعد عن مخالفة القانون وهو ما استنكره بشدة عبر بيان أصدره بتاريخ 15-12-2023 وطالب بمتابعة المعنيين وهو مالم يتم حتى الآن.
غياب التكوين المستمر:
لاحظ نادي القضاة كذلك غياب تنظيم دورات تكوينية وتدريبية شاملة ومكثفة ومتخصصة تسعى للرفع من مستوى أداء القضاة بحيث يتم تدريبهم على أداء مهامهم خاصة على مستوى المحاكم المتخصصة من اجل ضمان جودة المنتوج القضائي، فعلى سبيل المثال يمكن تكوين وتدريب القضاة في المجالات المتعلقة بالضرائب والبحرية التجارية والتحفيظ العقاري على أن يشمل التكوين زيارة مصالح الضرائب والميناء وإدارة العقارات على سبيل المثالللاطلاع على آليات عملها عن كثب،والامر نفسه ينطبق على جميع المجالات القضائية الأخرى.
وهذا ما يستدعي منا المطالبةبالإسراع بإنشاء معهد عال للقضاء والمهن القضائيةيعهد إليه بالتكوين القاعدي والمستمر، تطبيقا لما تضمنته الوثيقة الوطنية وما تضمنه برنامجالحكومة الذي استعرضه معالي الوزير الأول السيد محمد ولد بلال ولد مسعود أمام البرلمان بتاريخ 4 سبتمبر 2020.
عدم تقنين الحلول القضائية:
لاحظ نادي القضاة عدم استقرارالاجتهاد القضائي مما أدى إلى تضارب الحلول القضائية في المسائل الاجتهادية التي لم تحسمها النصوص القانونية وتعارضها أحيانا. وعلى الرغم من ملاحظة النواقص القانونية منذ أمد بعيد إلا أنهلم تتم معالجتها تشريعيا حتى الآن، وربما يكمن الحل الناجع لهذه المسألة في التنصيص تشريعيا على أحد الحلول التي ابتكرها القضاء حسما للخلاف وتعزيزا للأمن القضائي.
ضرورة إنشاء فروع للمفتشة العامة بالداخل:
لاحظ نادي القضاة كذلك أن مركزية المفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون تحول في حالات كثيرة دون أدائها لمهامها على الوجه الأمثل، وهو ما يستدعي التفكير حول إيجاد الحلول المناسبة ربما من قبيل إنشاء فروع للمفتشية بمقرات الاستئنافيات وتزويدها بالوسائل الضرورية التي تمكنها من أداء عملها، الأمر الذي سيسهم لامحالة في ملاحظة الانضباط وتقدير النشاط تعزيزا للأمن القضائي.
مشكل تحرير وطباعة الأحكام:
ومن جهة أخرى لا حظ نادي القضاة بطء وتيرة تحرير الأحكام على الرغم من تقصير آجال التحرير، غير أن تحرير الأحكام خلال الآجال لن تكون له فائدة على المتقاضين مالم تطبع تلك الأحكام وتسلم خلال آجال قصيرة أيضا، ويلعب غياب السكريتاريا في المحاكم دورا حاسما في تأخير تسليم الأحكام للمتقاضين في الوقت المناسب، وهو ما قد يعيق حقوقهم في ممارسة الطعون بالفاعلية المطلوبة ويفرغ تقصير آجال التحرير من معناه ومغزاه.
وقد لاحظ النادي أنه في بعض الحالات تتم طباعة الأحكام –في الوراقات-خارج المحكمة وهو ما يستدعي التفكير بجدية في آلية فعالة تمكن من تحرير وطباعة الأحكام خلال آجال قصيرة.
عدم تنفيذ الأحكام القضائية:
يمثل عدم تنفيذ الأحكام القضائية والعشوائية في تعليق التنفيذ دون ضوابط،خللا بينا في واقع السلطة القضائية ينبغي وضع حد له عبر تكريس تلقائية مد يد المساعدة وإنشاء مؤسسة قاضي التنفيذوتبسيط إجراءات التنفيذ ووضع ضوابط لتعليق التنفيذ، إذ لا فائدة من قضاء لا نفاذ له.
المحور الثالث: رقمنة القضاء وتخفيف تكلفة التقاضي
رقمنة القضاء:
يلاحظ نادي القضاة ضعف وتيرة رقمنة القضاء بشكل عام خاصة على مستوى بعض المحاكم التي قطعت أشواطا في طريق الرقمنة لكنها توقفت في منتصف الطريق، باستثناء محكمة الاستئناف التجارية بنواكشوط والتي بذل القائمون عليها منذ إنشائها إلى نهاية سنة 2023 جهودا معتبرة ومشكورة في سبيل رقمنتها، لذلك يطالب نادي القضاة بتسريع وتيرة الرقمنة، حتى تتمكن المحاكم من تفعيل التقاضي عن بعد خدمة عدالة الناجزة التي تصدر أحكامها في أقرب الآجال وأقصر المدد مع الأخذ بمقومات المحاكمة العادلة.
تخفيف تكلفة التقاضي:
وفيما يتعلق بتخفيف تكلفة التقاضي،لاحظ نادي القضاة اكتظاظ محاكم المقاطعاتوتزايد أعداد المواطنين المراجعين لها بهدف الحصول على أحكام الحالة المدنية التي تمكنهم من التسجيل في سجل السكان والوثائق المؤمنة، ومع ملاحظة ضعف الوسائل اللوجستية لمحاكم المقاطعات بالمقارنة مع وسائل مراكز سجل السكان،وفشل إجراءات تسجيل السكان عن طريق أحكام الحالة المدنية لأسباب شتى يضيق المقام عن ذكرها أبرزها غياب رقمنة هذه المحاكم، ربما يكون من المناسب إعادة النظر في قانون الحالة المدنية بحيث تسند مهمة التحقق من الحالة المدنية للأشخاص، لمراكز سجل السكان والوثائق المؤمنة بدل المحاكم،إذ يتاح لها ما لا يتاح للقاضي المحكوم بمبدأ الحياد، علىأن يسند الاختصاص لمحاكم المقاطعات فيحالة وجود منازعة أو ارتياب عندئذ يكون لهذه المراكزأن تعهد القضاء للبت في المنازعة، ففي ذلك تخفيف على المواطنين في التكلفة والجهد والوقت، وتخفيف عن محاكم المقاطعات التي باتت مشغولة بقضايا الحالة المدنية عن البت في النزاعات المعروضة أمامها والتي هي مبرر إنشائها أصلا.
ومن ناحية أخرى لاحظ نادي القضاة أن معظم النزاعات العقارية المتعلقة بالعقارات غير المحفظة تعود أسبابها إلى المنح المزدوج لتلك العقارات أو لتزوير رخص المنح، وبما أن الإدارة صاحبة الاختصاص في المنح فهي الأجدر بتمييز الرخص الصحيحة الصادرة عنها عن المزورة وهي الأجدر كذلك بمعالجة المشكل العقاري الذي خلقته عبر السنوات الطويلة، لذلك فإن إسناد الاختصاص إلى الإدارة في هذا الشأن قد يكون مناسبا لحل المشكل العقاري المتفاقم، مع بقاء الاختصاص القضائي في البت في الطعون المقدمة ضد القرارات الإدارية الصادرة في هذا المجال. ففي ذلك تخفيف على المواطنين في التكلفة والجهد والوقت.
وبخصوص النزاعات المتعلقة بالعقارات المحفظة، لاحظ نادي القضاة عدم تعيين محافظ للملكية العقارية منذ مدة، رغم التأثير السلبي لذلك على تنفيذ الأحكام المتعلقة بالعقارات المحفظة، إضافة إلى دوره الأساسي في ترسيم الحقوق العينية،لذا فإن عدم تعيينه يؤثر سلبا على الحقوق العينية للمواطنين، وهوما يلزممعه ضرورة الإسراع بتعيين المحافظ العقاري.
ونظرا لما يمثله تعيين المحافظ العقاري من ضمانات تتعلق بتنفيذ الأحكام المتعلقة بالعقارات المحفظة وبالبت في الطلبات ذات الطبيعة القضائية، يتعين اختياره من بين القضاة ذوي التجربة والكفاءة حتى يؤدي الدور المنوط به على أحسن وجه.
المصاريف القضائية:
وفيما يتعلقبالمصاريف القضائية لاحظ نادي القضاة العشوائية الحاصلة فيها -جباية وصرفا- وهو ما بات يمثل عبء ماليا على المتقاضين لا تبرره النصوص القانونية،ومشكلة قانونية تقف عقبة أمام الإصلاح مالم يتم علاجها بما يطهر الأيادي ويضمن الشفافية في جبايتها وصرفها،ويضمن مجانية التقاضيوذلكبتعديل قانون المصاريف القضائية وإنشاء صندوق للمصاريف وطوابع خاصة لجبايتها بشكل شفاف ووضع آلية منصفةلاستفادة العاملين بالمحاكم منها.
ثالثا: وثيقة وطنية دخلت حيز التنفيذ
أي عدالة نريد؟
يريد الموريتانيون اليوم، عدالة منصفة وفعالة تستجيب لانشغالات المتقاضين وحاجيات المواطنين تصون الحقوق وتحمي الحريات، قوامها العدل والمساواة وسيادة القانون، عدالة محايدة وشفافةيمكن توقعهاتحفز الاستثمار وتساهم في خلق تنمية اقتصادية متوازنة، وتحفظ السلم والتماسك الاجتماعي.
إجماع وطني..
هذا ما أجمع عليه المشاركون في المنتديات العامة حول العدالة وقدموا الحلول المناسبة لمشكلات العدالة، وصيغت مخرجات المنتديات بفنية واحترافية في الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة، وملحقها الذي تضمن خطة عمل الوثيقةوتفاصيلها.
إرادة قوية في الإصلاح..
نظرا لوجود الإرادة القوية لدى السلطات العليا في حشد الوسائل الضرورية لرفع التحديات وتنفيذ الوثيقة الوطنية، بدأت خطوات دخول الوثيقة حيز التنفيذ بعقد اللجنة الفنية للجنة العليا لإصلاح وتطوير العدالة أول اجتماعاتها يوم الثامن والعشرين من شهر دجمبر من هذه السنة، والتي نرجو أن تتكلل بإصدار قانون برمجة ورصد الموارد الكفيلة بتنفيذ الإصلاحات التي تضمنتها الوثيقة.
ويجدر بنا في هذا الصددالتنبيه إلى ضرورة، وضع إطار قانوني ومؤسسي لتنفيذ الوثيقة من خلال المحاور الرئيسية التالية:
المحور الأول مبدأ فصل السلطات
يعني هذا المبدأ ضرورة فصل السلطات كأساس لفاعلية النصوص واستقلال القضاء، واحترام تراتبية النصوص القانونية وهرميتها، وتكريس مبدأ المساواة أمام القانونوهذا ما يستدعي القيام بمايلي:
مأسسة المجلس الأعلى للقضاء كهيئة دستورية مستقلة وتسميته بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وإنشاء أمانة عامة ومفتشية عامة تابعتين له؛
إصدار قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
منح المجلس الاعلى للسلطة القضائية الاستقلال الإداري والمالي والشخصية المعنوية والتسيير الذاتي والمقر الخاص به، وتشكيله من قضاة يختارهم نظراؤهم بانتخاب شفاف؛
تعيين أمين عام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من بين قضاة الرتب العليا، وتعيين محاسب عمومي لتولي إدارة الشؤون الإدارية والمالية؛
النص على وجوب اتخاذ قرارات المجلس الأعلىللقضاء بأغلبية بسيطة؛
النص على قابلية قرارات المجلس الأعلى للقضاء للطعن خصوصا في تشكيلته التأديبية والتي يلزم أن تتعهد فقط بإحالة من التشكيلة العامة؛
حصر الاختصاص في اقتراح مشاريع القوانين الخاصة بالقضاء للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
توسعة تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتضم رؤساء محاكم الاستئناف والمدعين العامين لديها؛
النص على إلزام القاضي بمخاطبة المجلس الأعلى للقضاء –تحت طائلة التأديب-في حالة تعرضه لضغوط أو تهديدات تمس من استقلاله، وتمكينه من التظلم في حالة تعرضه لتحويل أو تأديب تعسفيين؛ على غرار ما هو مكرس في دساتير بعض دول الجوار؛
إلغاء المادة 36 من النظام الأساسي للقضاة المتعلقة بصلاحية وزير العدل بتوقيف راتب القاضي أو توقيفه عن العمل، وذلك لتعارضه مع مبدأي فصل السلطات واستقلال القضاء؛
النص على حصانة القاضي ضد المتابعات الجزائية إلا في حالة التلبس بالجنايات والجنح العمدية، وتحديد وإجراءات الدعوى التي يكون أحد أطرافها قاضيا على غرار المكرس في قوانين دول الجوار؛
ضرورة حصر وظيفة رئيس المحكمة العليا على القضاة كما هو معمول به في أغلب دول العالم، على أن يتم تعيينه من بين أقدم القضاة واكثرهم كفاءة ونزاهة ولمدة ثمان سنوات غير قابلة للتمديد؛
تعيين المدعي العام لدى المحكمة العليا والمفتش العام لمدة ثمان سنوات غير قابلة للتمديد؛
النص على وجوب وضع القاضي في ظروف مادية ومعنوية كافية لضمان استقلاليته ونزاهته؛
وضع إطار مؤسسي للتعيين في مختلف الوظائف القضائية؛
المحور الثاني:تحسين الوضعية الوظيفية و المالية للعاملين بالمحاكم
لا يمكن انتظار نتائج حقيقة من عملية الإصلاح ما لم يوضع القضاة والعاملون بالمحاكم في ظروف مادية تمكنهم من انجاز مهامهم على أحسن وجه، لذلك يتعين الإسراع بتنفيذ ما يلي:
تكملة بقية علاوة الحكم وبقية علاوة الاعمال الخاصة وضم العلاوتين المذكورتين إلى الراتب القاعدي؛
إصدار المرسوم المطبق للمادة 19 من النظام الأساسي للقضاء؛
اصدار نظام معاش خاص بالقضاة على غرار ما هو معمول به في بعض دول الجوار؛
رفع سن تقاعد القضاة ورفع معاش تقاعد القاضي إلى 80 بالمائة من أعلى راتب إجمالي تقاضاه؛
زيادة رواتب كتاب الضبط وأجور العقدويين؛
استحداث هياكل إدارية لكتابات الضبط على مستوى كل محكمة تسمح بتنظيمها في مصالح وأقسام تحت إشراف وإدارة رئيس المحكمة
تفعيل دور تنقيط رؤساء المحاكم لكتاب الضبط العاملين تحت إشرافهم وإدارتهم.
فتح مجال الترقية داخل اسلاك كتابات الضبط؛
دمج الكتاب العقدويين في أسلاك كتابات الضبط، واستفادتهم من كل الامتيازات الممنوحة لهم.
تفعيل مبدأي المكافئة والعقوبة
تأطير المسطرة التأديبية وطرق تعهيد المجلس الأعلى للقضاء؛
تعزيز احترام القواعد الأخلاقية للمهن القضائية؛
وضع إطار قانوني للتصريح بحالات تعارض المصالح؛
المحور الثالث: تعديل القوانين التنظيمية والإجرائية
يتطلب الإصلاح تحسين النصوص التنظيمية والإجرائية بما يضمن من بين أمور أخرى وردت بالوثيقة الوطنية ما يلي:
فك الارتباط بين الخريطة القضائية والتقطيع الإداري واعتماد معيار الكثافة السكانية في توزيع المحاكم والقضاة؛
انشاء آلية تضمن تنفيذ الاحكام الصادرة ضد الدولة ومؤسساتها العمومية وسن قانون تعاقب عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية؛
إنشاء وظيفة نائب للرئيس في المحاكم ذات التشكيلة الجماعية؛
الغاء نظام المحلفين والدورات الجنائية من المحاكم الجنائية؛
إلغاء المادة 238 من ق.إ.م.ت.إ لكف المحكمة العليا عن البت في الاستعجال؛
العمل على إنشاء قضاء متخصص؛
فصل قضاء التنفيذ عن قضاء الموضوع؛
ضرورة وجود قاض للحريات العامة يحمي الحريات من التعسف؛
إنشاء قضاء إداري مستقل بكل درجاته وفصله عن القضاء العادي؛
تبسيط الإجراءات وتقصير الآجال؛
تفعيل مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات استحداث نظام قاضي التنفيذ في المجال المدني؛
الرجوع إلى نظام تصدي المحكمة العليا لوضع حد لعملية التقاضي؛
وضع ضوابط للتعليمات الصادرة عن وزير العدل للنيابة العامة.
المحور الرابع: تعزيز البنى التحتية القضائية والسجنية
تقتضي وضعية مباني قصور العدل والمحاكم والسجون وضع خطط مستعجلة تضمن ما يلي:
بناء مقرات المحاكم والسجونوعصرنتها ورقمنتها وترميم الموجود منها وتزويدها بسيارات الخدمة وبكافة اللوازم والوسائل الضرورية؛
توفير السكن للقضاة؛
توفير الصيانة اللازمة لقصور العدل وسيارات الخدمة،
توفير الحراسات لقصور العدل.
ختاما:
يتوجه نادي القضاة الموريتانيين إلى فخامة لرئيس الجمهورية بجزيل الشكر تقديرا منه لإرادته القوية في اصلاح وتطوير العدالة تلك الإرادة التي جسدها معالي وزير العدلمن خلال سياسة قطاعه.
ويطلب الناديمن فخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء أخذ هذا التقرير بعين الاعتبار سعيا إلى إصلاح وتطوير منظومتنا القضائية بما يخدم الصالح العام، كما يلتمس من فخامته تشريفنا بافتتاح السنة القضائية 2024.
و يتوجه النادي بجزيل الشكر ووافر العرفان للقضاة جميعا على ما بذلوا من جهد إحقاقا للحق وإنصافا للمظلوم، ويدعوهم لمزيد منالمهنية والانضباط والتحلي بالمسؤولية وأخلاقيات المهنة لرفع هامة السلطة القضائية شامخة شموخ العدل والحق، ويذكر هم بقوله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، كما يذكرهم بالأثر"عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها".
والله من وراء القصد
نادي القضاة الموريتانيين
الأمين العام
القاضي مولاي علي ولد مولاي علي