تواجه مؤسسات التكوين التقني والمهني في بلادنا تحديات كبيرة نتيجة سوء التسيير ، مما أدى إلى تدهورأوضاع الإدارة وموظفيها، ومن بين الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة أن العديد ممن تم تعيينهم لإدارة هذه المؤسسات هم إما مهندسون أو من ذوي التخصصات الفنية البحتة، مثل الميكانيكا، والكهرباء، وصيانة السيارات، وأشغال البناء... بينما تم تهميش التخصصات الإدارية الحيوية مثل المحاسبة، والسكرتاريا، والمعلوماتية، وكل التخصصات التسيير.... لأن المسؤولين عن التوظيف في هذه المؤسسات يميلون إلى التركيز على الجانب الفني على حساب الجانب الإداري.
هذا الاختلال في توزيع الأدوار أدى إلى ضعف في الإدارة العامة للمؤسسات، حيث يفتقر بعض المديرين إلى المهارات الإدارية الضرورية لتنظيم العمل والتخطيط الاستراتيجي، بالإضافة إلى ذلك، ينعكس هذا التوجه على جودة الخدمات المقدمة في تلك المؤسسات ويحد من قدرتها على التطور والابتكار.
إلى جانب سوء التسيير الناتج عن عدم التوازن بين التخصصات الفنية والإدارية، هناك مشكلة أخرى تتعلق بعقلية بعض المديرين في مؤسسات التكوين التقني والمهني. فهؤلاء المديرون يعتبرون المؤسسات العمومية وكأنها ممتلكات شخصية لهم، حيث يتخذون القرارات وفقًا لأهوائهم الخاصة، دون مراعاة لأية معايير شفافة أو توضيح للأسباب، هذا النوع من الإدارة الفردية يؤدي إلى اتخاذ إجراءات تعسفية ضد الموظفين، دون إعطاء أي مبرر أو تفسير لتلك الإجراءات.
الأسوأ من ذلك، أن هؤلاء المديرين غالبًا ما يتجاهلون أو يتعمدون عدم الالتزام بالقوانين الإدارية ومدونات السلوك التي تحكم عمل المؤسسات العمومية، فهم إما لا يدركون وجود هذه القوانين، أو أنهم ببساطة يتجاهلونها لصالح مصالحهم الشخصية لأنهم ببساطة لا يخشون لا تقييم لعملهم ولا متابعة لنشاطاتهم. هذا الوضع يخلق بيئة عمل غير صحية، ويعزز من ثقافة الفساد والمحسوبية داخل المؤسسات، مما يؤدي في النهاية إلى تدهور الأداء المؤسسي وتعثر تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
هذه الفترة التي تتميز برؤية جديدة لرئيس الجمهورية ورئيس حكومته في تطير التسيير المعقلن لمؤسسات الدولة بمناسبة المأمورية الجديدة وتعيينه للسيد محمد ماء العينين ولد أييه على رأس وزارة التكوين المهني، يمكن لهذه الأمور أن تعمق النقاش لا سيما فيما يتعلق بمؤسسات هي ركيزة التنمية ويعلق عليها الشباب كل آماله وأحلامه في الوصول إلى الاستقرار المهني، وتضيف بُعدًا آخر لفهم أسباب سوء التسيير في مؤسسات التكوين التقني والمهني.
وبمناسبة المأمورية الجديدة لرئيس الجمهورية السيد محمد الشيخ الغزواني وحكومة معالي الوزير الأول المختار ولد أجاي، ورجوع السيد ماء العينين ولد أييه لوزارة معنية بالتكوين التقني والمهني، الذين شددوا في خطاباتهم على أن تطوير مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد يقعان في صميم أولوياتهم، يبدو من الضروري التركيز على إصلاح جذري في تسيير مؤسسات التكوين التقني والمهني خاصة ومؤسسات الدولة الأخرى بشكل عام.
فقد أظهرت التجارب العالمية أن تحسين إدارة المؤسسات يتطلب تطبيق معايير محددة تضمن عدم تحويل المؤسسات العامة إلى ممتلكات شخصية للمديرين. ومن بين هذه المعايير، تحديد فترة تسيير المديرين بحيث لا تتجاوز خمس سنوات، كما هو متبع في الأنظمة المتحضرة.
هذا الإجراء يمكن أن يكون خطوة هامة نحو تحقيق أهداف التنمية، حيث سيحد من تركيز السلطة في يد شخص واحد لفترة طويلة، ويشجع على إدخال دماء جديدة وأفكار مبتكرة في إدارة المؤسسات. إن تطبيق هذا المبدأ في بلادنا قد يسهم بشكل كبير في تعزيز الشفافية والمساءلة، ويعزز من كفاءة المؤسسات العامة، مما يساعد على تحقيق رؤية القيادة الحالية في تطوير الدولة والقضاء على الفساد.
إلى جانب ضرورة تحسين التسيير والتخلص من الممارسات الفردية، يجب التركيز على أهمية المتابعة والتقييم المستمر لجميع مؤسسات الدولة، وبخاصة في مؤسسات التكوين التقني والمهني. هذه المؤسسات بحاجة ماسة إلى زيارات دورية تهدف إلى التحقق من مدى تطبيق معايير الشفافية والامتثال لنصوص القانون. ينبغي أن تشمل هذه الزيارات مقابلة الموظفين على مختلف المستويات لمعرفة التحديات والعراقيل التي تواجههم في أداء مهامهم.
إن هذه المتابعة الدورية لا تقتصر على ضمان التزام المؤسسات بالقوانين فحسب، بل تسهم أيضًا في تقديم الدعم اللازم للموظفين ومعالجة أية مشاكل قد تعيقهم عن أداء عملهم بكفاءة، لتحقيق ذلك، يجب أن تُنفذ هذه المتابعات من قبل جهات رقابية مستقلة ومحايدة، تضمن تقديم رؤية موضوعية وشفافة عن واقع الحال في هذه المؤسسات.
هذا النهج ليس مجرد إجراء رقابي، بل هو جزء أساسي من عملية تحسين الأداء المؤسسي، حيث يتيح للإدارة فهم واقع العمل بشكل أفضل وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تطوير أو تحسين بهذا الشكل، تعزز هذه الأفكار من أهمية الرقابة والتقييم كأداة فعالة لتحسين الأداء المؤسسي وضمان الشفافية في مؤسسات التكوين التقني والمهني، بالإضافة إلى ذلك، يعزز هذا النوع من المتابعة ثقافة المساءلة داخل المؤسسات، كما يحد من سلطات المديرين قليل ويجعلهم يفكرون قبل الاقدام على قرارات غير محسوبة، ويزيد من ثقة الموظفين في أن حقوقهم مصانة وأن جهودهم تحظى بالتقدير والاعتراف.
والله الموفق
أنواكشوط بتاريخ : 15 - 08 - 2024
أحمدو سيد محمد الكصري
مكون معلوماتية وقابلية التشغيل
خبير وطني في التوجيه المهني
منهجي في هندسة التكوين