في كل مؤسسة، يُنتظر من المدير أن يكون قائدًا يُعتمد عليه، يتخذ القرارات بحكمة، ويتعامل مع موظفيه بأمانة وصدق، حتى أنه يسعى بنفسه لكي يحصل لهم على كافة العلاوات والمستحقات من مصادره الخاصة، إلا أن الواقع قد يكشف في بعض الأحيان عن سلوكيات مغايرة تمامًا لهذا النموذج المثالي، يمكن أن نجد في بعض المؤسسات المدراء يتصرفون بطريقة تُشبه ما وصفه القرآن الكريم في شأن الشعراء بقوله تعالى : "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ" (سورة الشعراء: 224-226).
بين الأقوال والأفعال : ازدواجية السلوك
من بين السمات السلبية التي نراها في بعض المدراء هي التناقض بين ما يقولونه وما يفعلونه، تمامًا كما وصفت الآية الكريمة الشعراء بأنهم "يقولون ما لا يفعلون"، نجد أن بعض المدراء قد يُصدرون توجيهات معينة لأحد معاونيهم - الذي يمكن تشبيهه بـ "الغاوي" الذي يتبع الشاعر - ولكن عندما يتعرضون للانتقاد أو المحاسبة من قبل موظف آخر، ينكرون تلك التوجيهات ويزعمون عدم علمهم بها، ويتحمل المعاون (أوالغاوي) تبعة ذلك لكي يظل المدير في منأى من المسائلة.
هذا النوع من الكذب (وأعوذ بالله من قولة كذب) ليس مجرد خطأ أخلاقي؛ بل إنه يزرع الفوضى في المؤسسة ويؤدي إلى فقدان الثقة بين المدير وموظفيه، كيف يمكن لموظف أن يعمل بكفاءة عندما لا يستطيع أن يثق في أقوال مديره ؟ كيف يمكن للمؤسسة أن تتطور إذا كان على الموظفين أن يعيشوا في ظل الخوف من التوجيهات المتناقضة والقرارات العشوائية ؟
الأثر المدمر على بيئة العمل
مثل هذه السلوكيات لها تأثير سلبي مباشر على بيئة العمل، فهي تخلق جوًا من عدم اليقين وتؤدي إلى انعدام الشفافية، الموظفون يصبحون مترددين في اتخاذ المبادرات خشية من أن يتم لومهم على قرارات لم يتخذوها بأنفسهم، بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النمط من القيادة يُضعف روح الفريق ويقلل من الإنتاجية، حيث ينشغل الموظفون بمحاولة فهم ما هو مطلوب منهم بدلًا من التركيز على أداء مهامهم بكفاءة.
زرع الفتنة والانقسام بين الموظفين
واحدة من أخطر الممارسات التي قد يلجأ إليها بعض المدراء هي زرع الخلاف والانقسام بين الموظفين، هذه الاستراتيجية تهدف إلى تفتيت وحدة الفريق، بحيث يصبح كل موظف في حالة من الحذر والريبة تجاه زملائه، وبهذا الأسلوب، يضمن المدير أن الموظفين لن يتحدوا ضده أو يتفقوا على موقف موحد يمكن أن يشكل تهديدًا لسلطته.
بل إن بعض المدراء قد يتجاوزون ذلك إلى إعطاء مكافآت ومبالغ مالية لمن يريدون ضمهم إلى صفهم، مما يخلق تفاوتًا غير مبرر بين الموظفين ويزيد من حالة الانقسام، هؤلاء الموظفون الذين يحصلون على المكافآت يصبحون أدوات للمدير، ويصبحون أسيري تلك المكافأة خشية أن يحرموا منها، بينما يتم ترك البقية في حالة من الإحباط والشعور بالظلم، وكأنهم عالقون بين المطرقة والسندان.
الخاتمة : نحو قيادة متحضرة ومسؤولة
لا بد من أن يتحلى المديرون بالقيم التي تجعل منهم قدوة حسنة لموظفيهم، يجب أن يكونوا صادقين في أقوالهم، وأن يتحملوا مسؤولية قراراتهم، وأن يتجنبوا السلوكيات التي تؤدي إلى زعزعة الثقة داخل المؤسسة، المدير الحقيقي هو من يلتزم بما يقوله، ويقف بجانب موظفيه في جميع الأوقات، حتى في الأوقات الصعبة، حتى ولو تطلب الأمر أن يضحي من أجلهم، فقط من خلال هذا النوع من القيادة يمكن لمؤسسات التكوين المهني أن تزدهر وتحقق أهدافها.
بهذه الإضافة، نعزز هذا النقد التوجيهي بتوضيح الأساليب التي يستخدمها بعض المدراء لتحقيق السيطرة على موظفيهم، وتسليط الضوء على الآثار السلبية لهذه الأساليب على بيئة العمل والتماسك الداخلي للمؤسسة. كما أعتذر للمدراء الذين تشملهم بقية الآية : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا، هؤلاء موجودون ومن مسؤولية الوزير تمريرهم على كل المؤسسات المهنية لعلهم يتركوا أثرا طيبا ليقتدي به من يخلفهم في المستقبل، والذين يستحقون علينا الكثير من الثناء والتقدير.
وفقكم الله جميعا
أحمدو سيدي محمد الكصري
أستاذ للمعلوماتية وقابلية التشغيل
خبير وطني في التوجيه المهني
منهجي في هندسة التكوي