الوثيقة الوطنية لإصلاح العدالة ودورها في محاربة الفساد -ح 4/ذ.براهيم الب خطري

لا خلاف على أن القضاء من أهم ركائز السلطة في كل زمان ومكان، بل إن قياس صلاح أو فساد أي دولة يقاس بمدي صلاح القضاء أو فساده، ومتي كانت السلطة القضائية على درجة كبيرة من الاستقلال، فإن العدالة ستتحقق بلا شك، وسيسود الأمن القضائي، فوجود عدالة ذات كفاءة عالية ومحايدة ونزيهة ومتطورة، هو ما يبعث على ازدهار البلد من الناحية الاقتصادية ويساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية، فلا يمكن الحديث عن الاستثمار الوطني أو الأجنبي دون الحديث عن دور القضاء وأهميته في حماية الاستثمارات.
 فتوفير المناخ القضائي الآمن شرط أساسي لدي كل مستثمر وطني أو أجنبي، فالمستثمر مهما كانت التحفيزات الممنوحة له بموجب مدونة الاستثمارات، لا يثق ولا يرتاح إلا إذا كان ثمت قضاء مستقل وقادر على حمايته وحماية استثماراته. 
وعلى هذا الأساس اعتبر أن ترقية العدالة وتطويرها مطلب أساسي، لا يعود لمصلحة القضاء وأهله فقط، بل لما يترتب على ذلك من ترقية النظام الاقتصادي ولما يحققه من محافظة على النسيج الاجتماعي.
في هذا السياق صادق المجلس الأعلى للقضاء في إحدى دوراته الأخيرة على توصية تم بموجبها تنظيم المنتديات العامة للعدالة، وصدرت عن هذه المنتديات العامة وثيقة وطنية تقضي بإصلاح العدالة وتطويرها، تنفيذا لتعهدات صاحب الفخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
 وتهدف هذه الوثيقة إلى تعزيز استقلالية القضاء وتقريب خدماته من المتقاضين. 

وللوصول إلى هذه الغاية النبيلة، تضمنت الوثيقة خمس محاور إصلاحية، وقد اعتبر القائمون على صياغة الوثيقة أن تطوير هذه المحاور وإصلاح ما اختل منها هو ما يحقق استقلالية القضاء وتقريب خدماته من المتقاضين والمواطنين بصورة عامة وهذه المحاور هي: 
ـ تغيير وضعية مهنيي القضاء وتحسين ظروفهم 
ـ تسهيل النفاذ إلى القضاء 
ـ تحسين جودة وفعالية القضاء 
ـ إصلاح القضاء الجنائي ونظام السجون 
ـ تسريع رقمنة القضاء وإعادة تأهيل المباني القائمة وبناء قصور عدل جديدة. 
وقد وجدت من المناسب وأنا أكتب منذ فترة عن الفساد، أن أشيد بأهيمه هذه الوثيقة أولا وبضرورة تنفيذها ثانيا، خاصة أن تنفيذها يساهم في الحرب على الفساد التي أعلنها رئيس الجمهورية وحكومة الوزير الأول المختار ولد أجاي، ولأنها أيضا شخصت كل الاختلالات التي يعاني منها القضاء.
وقد اخترت أن أتحدث في هذا المقال عن المحور الأول من هذه الوثيقة (تغيير وضعية مهنيي القضاء وتحسين ظروفهم) لما له من أهمية في محاربة الفساد، على أن تكون المحاور المتبقية موضوع مقالات قادمة، 
المحور الأول: تغيير وضعية مهنيي القضاء وتحسين ظروفهم 
 الحديث في هذا المحور سيكون عن مهنيي القضاء بالمفهوم الضيق الذي يشمل القضاة وكتاب الضبط والمحامين، هذا المثلث، الذي يؤدي دورا مباشرا لا غني عنه في محاربة الفساد وفي تحقيق العدالة، فدورهم له تأثير قوي علي حسن سير العدالة وانتظام إجراءاتها القضائية صحة أو بطلانا، وبالتالي فإن استمرار العناية بهم وبتحسين ظروفهم ـ والارتقاء بمستواهم المادي والعلمي والعملي وتوفير ضمانات لهم، بما ينسجم مع متطلبات العصر تعزيز لمكانة السطلة القضائية ودفع بها نحو الفعالية. 
وسأتناول دور كل منهم مع توصية تقضي بتغيير وضعيته وتحسين ظروفه بما يتلاءم ومركزه وتخصصه، فذلك مما يعين على محاربة الفساد والمفسدين. 
أولا: القضاة 
كثيرا ما يتحدث المفكرون والقانونيون عن استقلال القضاء، ويقصدون بذلك استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية من جهة تأثير الأخيرة على الأولي، أو أي تأثير آخر على السلطة القضائية مهما كان مصدره، وهذا وإن كان من المبادئ الدستورية المهمة، إلا أنه يبقى عديم الجدوى إذا لم يتجسد في استقلال القاضي ماديا وتحصينه معنويا. 
والحقيقة أن الاستقلال الذي أراه مهما إلى جانب الاستقلال الوظيفي، هو ــ ما أسميه ـــ " الاكتفاء المالي للقضاة"، بالإضافة إلى تأهيلهم وتكوينهم بشكل مستمر، يتناسب مع متطلبات العصر ومع الاختصاصات القضائية المسندة إليهم.
 فمراعاة هذه الأمور وأخذها بعين الاعتبار، هو ما يجعل من القاضي حارسا قويا للحقوق وسدا منيعا في وجه الفساد، وأري أن تغيير وضعية القضاة وتحسين ظروفهم ـ ليلعبوا دورا مهما فيما يدخل في اختصاصهم بشكل عام وفي محاربة الفساد بشكل خاص ـ يكون بشرطين: 
الشرط الأول: التحفيز المالي والمعنوي للقضاة 
أ ـ التحفيز المالي للقضاة  
على الرغم من أن القضاة في ظل المأمورية الأولي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وحكومة الوزير الأول المنصرم محمد ولد بلال وفي ظل وزير العدل محمد محمود ولد الشيخ عبد الله ولد بيه، تحسنت ظروفهم المادية والمعنوية بشكل ملحوظ، ونأمل أن يتواصل ذلك بشكل أكبر في ظل المأمورية الثانية لصاحب الفخامة وحكومة الوزير الأول المختار ولد اجاي وفي ظل إعادة الثقة المستحقة لوزير العدل.  
إلا أن كل ذلك يبقى دون مستوى ما يتحمله القضاة من مسؤولية عظيمة، فهم يساهمون في تحقيق العدالة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وعليهم مسؤولية حفظ المال العام والخاص وإيصال الحقوق إلى الناس وصون حرياتهم، ومنع الفساد والحد من ارتكاب الجرائم المالية والمعنوية...
لهذا منع القانون وأهل العلم القاضي من مزاولة أي نشاط يدر عليه ربحا من شأنه أن يؤثر سلبا على إحقاق العدل في القضاء، فلا يكون القاضي تاجرا ولا يقبل الهدية ولا يحضر الدعوات الخاصة خشية أن تميل نفسه وتحيد عن الحق. 
فكل هذه الأمور تقتضي من الدولة أن تكون حريصة كل الحرص على النظر باستمرار في الحالة المالية للقضاة، بما يضمن هيبتهم وظروف خدمتهم، فمن كان هذا دوره وله موانع تمنعه من طلب رزقه كان حريا به أن يكفي جميع مؤنه. 
وقد أكدت الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية على هذا الاتجاه، فقد قال ابن قدامة المقدسي عند الكلام عن أرزاق القضاة وهل يأخذها منهم من كان غنيا أم لا’ ؟، قال: "والصحيح جواز أخذ الرزق بكل حالة "، فالعطاء للقاضي ليس مرتبطا بغنائه من فقره، وإنما تقوية له على إصلاح نفسه وإغناء له عن الطمع فيما عند الناس. 
ويتفق هذا المنحى مع اتفاقية الأمم المتحدة حول مكافحة الفساد والتي من مشمولاتها أنه في سبيل ضمان الشفافية وتعزيز النزاهة، يجب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتقوية المؤسسة العدلية , كما جاء واضحا في المادة 11 من هذه الاتفاقية ، وكما ورد في المبادئ الأساسية للأمم المتحدة علي أنه من واجب كل دولة عضو في الأمم المتحدة ، أن توفر الموارد الكافية لضمان حسن سير القضاء ، كما جاء أيضا في الميثاق الأوربي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة علي أنه " من واجب الدولة تأمين الوسائل اللازمة للقضاة لإنجاز مهامهم علي الوجه الصحيح " 
فالعناية بالجانب المالي للقضاة هو ما يضمن استقلاليتهم وحيادهم، ويصون السلطة القضائية من الوقوع تحت تأثير أي سلطة من السلطات أو أي مـؤثر آخر.
ب ـ التحفيز المعنوي للقضاة 
بالإضافة إلى نظام الترقية الذي يحظى به القضاة، لا بأس من تفعيل دور التحفيز المعنوي وإدخاله في البرامج الإصلاحية المتعلقة بتغير وتحسين وضعية القضاة، فهو يساهم بصورة فعالة في الرفع من أدائهم، ويكون ذلك عن طريق الإشادة بهم أو تسجيل أسماء من تميز منهم بالكفاءة والجدية والنزاهة في سجل تحدثه وزارة العدل، يخصص لهذا الغرض، ويمكن أن يطلق عليه:" سجل التميز أو سجل الشرف " أو تخصيص جائزة سنوية لمن تميز منهم بالكفاءة والجدية والنزاهة، مثلا. 
الشرط الثاني: تأهيل القضاة  
العناية بتأهيل القضاة من الأمور الأساسية والجوهرية، فمن يتولى حماية الناس، وعليه مسؤولية صون دمائهم وأموالهم وأعراضهم، عليه أن يكون ذا أهلية لممارسة مهنة القضاء، ويتطلب هذا الأمر من الدولة أن توفر لهم المعارف الكافية والمناسبة مع التكوين المستمر، لكي تضمن نجاعة ما يقومون به سواء ما يتعلق بمحاربة الفساد أو ما يدخل ضمن مشمول نظرهم، وأري أن يأخذ برنامج التأهيل ثلاث طرق: 
  الطريق الأول: التأهيل القاعدي 
بعد أن يجتاز المترشح المسابقة المهنية للقضاة، يدخل المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وفيها يتلقى التكوين القضائي مع التدريب الميداني طيلة سنتين، 
في هذه المرحلة، أري أنه بالإضافة إلى تكوينات المدرسة المعهودة، يجب التركيز على تدريس الأعمال القضائية المجردة من نظريات القانون، سعيا إلى ربط المعارف النظرية للطلبة القضاة بالأعمال القضائية المنتجة في أروقة المحاكم ودور القضاء. 
الطريق الثاني: التخصص 
بالإضافة إلى هذا التكوين المكثف ـ أيضا ـ في الأعمال القضائية خاصة، أقترح أن تكون السنة الأولي من سنوات المدرسة سنة يتكون فيها القضاة تكوينا عاما، أما السنة الأخيرة فتكون سنة توجيه وتخصص، يوجه فيها القضاة إلى التخصصات القضائية تمشيا مع الاختصاص النوعي، وعندها يكون لدينا قضاة متخصصون في شتي المجلات القضائية المعروفة، قضاة المحاكم المدنية، قضاة المحاكم الإدارية، قضاة المحاكم الجنائية، قضاة المحاكم التجارية، قضاة محاكم الفساد والجرائم الاقتصادية..., 
فالتخصص هو السبيل الوحيد للارتقاء بمستوي الأداء عند القاضي ويجعله دائما على بينة من الأمور المعروضة عليه بحكم التخصص، كما يساعد في تفسير القانون وتطبيقه بشكل صحيح ـــ عند التباس بعض مقتضياته ـــ ـ، فليس من المناسب أن يظل القاضي عائما في جميع المجلات القضائية ويشغل بالترؤس دوائر المحاكم دون أن يكون متخصصا فيما تولاه منها ودون أن يكون ثمة معيار واضح للتعين فيها، فهذا مما يجهده ويعطل أداءه ويحد من فعالية المرفق القضائي والسلطة القضائية عموما. 
وتتأكد ضرورة تخصص القضاة، انطلاقا من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تلزم كل دولة طرف أن تتخذ كل ما يلزم من تدابير لضمان وجود متخصصين في انفاذ قوانين مكافحة الفساد، يستطيعون أداء وظائفهم وفقا لتخصصاتهم.  
الطريق الثالث: التكوين المستمر
التحديات والتحولات التي تواجه القضاء في شتي المجالات مع ظهور مفاهيم جديدة ومساطر معقدة داخل كل مجال من هذه المجالات، تفرض التكوين المستمر للقضاة، حتى لا يكون قضاؤنا معرضا للعجز عن تحقيق الأمن القضائي، ومن هذا المنطلق، على حكومتنا أن تعي أهمية التخصص والتكوين المستمر للقضاة بمختلف درجاتهم وتخصصاتهم، فمن أهم نتائجه، هو تمكينهم من تعزيز معارفهم وتكييفها مع متطلبات المرحلة والحرب على الفساد بكل أشكاله وألوانه   
ثانيا: كتابة الضبط 
كتابة الضبط هي المكون الثاني في المؤسسة العدلية بعد القضاة، وزيادة على أنها هي حلقة الوصل بين مختلف الفاعلين القضائيين، فهي العنصر الذي لا يمكن لعملية التقاضي أن تتم دونه أو تستغني عنه، كما أنها الجهاز القضائي الوحيد الذي يجمع في الممارسة بين ثلاث مهن، مهنة كتابة الضبط، مهنة التوثيق، مهنة التنفيذ، وتكون ممارستهم للمهن الأخيرة وفق الشروط المحددة في قانون التوثيق والتنفيذ.  
وقد تحسن هذا الجهاز بشكل ملحوظ ــ في السنوات الأخيرة ـــ، بفضل أنه أصبح يضم الكثير من الأطر من ذوي الكفاءات والتكوينات العالية، ومع ذلك مازال يحتاج إلى مزيد من العناية باعتباره الركن الثاني في العلمية القضائية.  
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي إصلاح للعدالة ــ يراد له النجاح ــ رهين بإصلاح هذه المؤسسة وتطويرها.
 ولتلعب دورها في عملية التقاضي عموما وفي محاربة الفساد خصوصا، يتطلب ذلك النظر في الأمور التالية: 

ـــــــ إصلاح الإطار القانوني لكتابة الضبط 
إن أي إصلاح لكتابة الضبط، يحب أن يأخذ أولا في الاعتبار مراجعة النظام الأساسي المنظم لهذه المهنة، فبدون الإطار القانوني الصلب، لا يمكن أن تتحدد المسؤوليات، ولا حتى تحديد الاختصاصات بشكل واضح لكل سلك من الأسلاك الثلاثة لكتابة الضبط. 
ولعل التداخل في المهام بين الأسلاك الثلاثة، ما ساعد على عدم سير العمل وضبطه بشكل جيد علي مستوي هذه المؤسسة، وهو ما قد يفتح باب السلطة التقديرية من أجل إدخال اعتبارات شخصية في تقسيم العمل وإسناده لا على أساس الموضوعية وإنما على أسس أخري بعيدة عن مراعاة الكفاءة والمهنية. 
فمراجعة النظام الأساسي لكتابة الضبط هوما يضمن خلق تطور في هذه المهنة ويساعد المنتسبين إليها في تعزيز قدرتهم وفعاليتهم، وهوما يضمن سير الإجراءات القضائية ويدفع بقطاع العدالة نحو النجاعة والمردودية. 
وبإصلاحه أيضا تتحدد المهام المسندة لكل سلك من هذه الأسلاك الثلاثة مع مراعاة خصوصية كل من هم في السلم الترتيبي،
ـــــــ التكوين المستمر 
تحدثنا في الجزء الخاص بالقضاة عن ضرورة تكوينهم بشكل مستمر، وهنا نؤكد على ضرورته أيضا في تأهيل جهاز كتابة الضبط باعتباره يمثل جزءا كبيرا من أعمال السلطة القضائية، 
وهو على أهميته لأطر كتابات الضبط، فإنه يجعلهم في المستقبل قادرين على المساهمة في تأطير وتكوين كل من ينتسب إلى هذه المهنة، فالتكوين المستمر هوما يمكن المستفيدين منه عموما من اكتساب معارف جديدة وتطوير مهارتهم وخبرتهم المهنية، واقترح أن يرتكز هذا التكوين على ثلاث محاور هي: 
ــ محور المساطر والإجراءات 
ــ محور التواصل مع الفاعلين في القطاع
ـ محور التواصل الرقمي 
أ ــــ: محور المساطر والإجراءات 
من أهم المجلات التي يجب أن يتركز عليها تكوين كتاب الضبط، هي المساطر والإجراءات القضائية، مع التركيز على طرق تسيير الملفات وضبطها والجلسات وسيرها، وتحرير الإفادات والمحاضر، وكذا التحرير الإداري.
ب ــــ: محور التواصل مع الفاعلين في القطاع 
ويهدف التكوين في هذا المحور إلى الرفع من مستوي تقنيات التواصل المهني لكتاب الضبط مع الفاعلين في قطاع العدالة من قضاة ومحامين وأعوان القضاء بصورة عامة، فالتكوين على أساليب التعامل مع هذه الفئات أمر لا غني عنه، خصوصا أن جهاز كتابة الضبط، هو الجهاز الإداري داخل المحاكم، كما يفرض التكوين في هذا المحور أيضا علي كاتب الضبط أن يكون ملما بالنظم القانونية والمساطر الإجرائية المنظمة لمختلف الفرق المكونة للسلطة القضائية. 
ج ـــ: محور التواصل الرقمي 
 من بين الأمور التي يجب الاهتمام بها هو تكوين كتاب الضبط على التواصل الرقمي، لأنه في عصر الرقمنة أصبح بالإمكان إيداع العرائض وتسير الملفات عبر النظام الإلكتروني المعد لهذا الغرض طبقا للكيفيات الفنية المعمول بها بمقتضي القانون، 
فموجة التحديث والعصرنة والانتقال من المحكمة الورقية إلى المحكمة الرقمية، أصبح خيارا يجب التعامل معه وفق ما يمليه الواقع وتتطلبه حاجة توفير الوقت والاستفادة من الوسائل الحديثة. 
3 ــ المحامون 
 يشكل المحامون إلى جانب القضاة وكتاب الضبط الركن الثالث في العملية القضائية، ويلعب المحامي دورا حاسما في تحقيق العدالة وسيادة القانون، بالإضافة إلى إسداء النصح والمشورة القانونية. 
ويقع على عاتقه مسؤولية الدفاع عن ضحايا وانتهاكات حقوق الإسنان بمهنية وأمانة، كما أن دوره مهم ولازم لمكافحة الفساد ومواجهة الأعمال غير القانونية لضمان التصرف بما ينسجم مع القوانين والمراسيم، 
وقد أكدت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة على دوره في إيصال الحقوق والدفاع عن حرمتها، فجاء في المبدإ رقم 16 من هذه المبادئ، بشأن دور المحامي " إن الحماية الكاملة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المقررة لجميع الأشخاص، اقتصادية كانت، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو مدنية، أو سياسية، تقضي حصول جميع الأشخاص على خدمات قانونية فعلية يقدمها مهنيون قانونيون مستقلون ". 
ولكي يتمكن المحامون من المشاركة في الحرب على الفساد والدفاع عن ضحاياه وعن حقوق الإنسان، يتعين علي الدولة أن توفر لهم كل ما يلزم لذلك، سواء ما يتعلق بحمايتهم مما قد يعترض طريقهم عملهم من تهديدات لفظية أو جسدية أيا كان مصدرها، وكذا توفير ضامنات قانونية قوية تحميهم من الملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية أو حتى التهديد بمثل هذه الأمور، إذا كان هذا نتيجة قيامهم بواجب المهنة والدفاع عن حق الإنسان وشرفه. 
وفي هذا الإطار فإنه على الهيئة الوطنية للمحامين ــ أيضا ــ أن تكون على استعداد تام لمواجهة الحرب على الفساد، بما تملكه من وسائل قانونية، وهذا يقودنا إلى إبداء مجموعة من الاقتراحات نرجو أن تساهم في تعزيز كفاءة المحامي وخبرته المهنية لمواجهته للفساد:  

أولا: تعزيز خبرة المحامي من خلال البحث والتحليل القانوني 
مما يتميز به المحامي عن القاضي وكاتب الضبط وباقي أعوان السلطة القضائية، أنه يقوم بدور التمثيل لموكليه أمام مختلف المحاكم بأنواعها ودرجاتها، وهذا ما يفرض عليه أن يكون ملما بجميع المعارف القانونية، وأن يسعي دائما إلى تعزيز مهاراته البحثية وتحليلاته القانونية، 
ثانيا ـــ تعزيز خبرة المحامي من خلال إحداث مجلة خاصة بالبحث القانوني 
بالتأكيد أن مهنة المحاماة ستتطور، إذا كان المحامون يقومون بإعداد الكثير من الأبحاث القانونية ونشرها في مجلة خاصة بهم على غرار مجلة المحاكم التي تصدر عن وزارة العدل، علاوة على ذلك، ــ وحتى لا يبقي المحامي أسيرا للمرافعات داخل المحاكم ــ يلزم أن يشارك بأبحاثه وكتاباته متصديا بها لمحاربة جميع الظواهر ومعالجتها بالطرقة القانونية، وسيخلق هذا النشر والبحث تنافسا قويا في مجال البحث القانوني داخل صفوف المحامين، ستستفيد منه المؤسسات القضائية ودور النشر، وسيشكل لنا مرجعا من مراجع البحث العلمي الوطني. 
ثالثاــــ تعزيز الخبرة من خلال الندوات العليمة. والحوارات القانونية 
إقامة الندوات العلمية والحوارات القانونية لها ـأهمية قصوى في تسليط الضوء على الجوانب القانونية التي تهم المجتمع، وهي وسيلة تبرز من خلالها الأفكار القانونية إلى الجمهور، لتساهم في خلق الوعي القانوني داخله، وبانتشار الوعي القانوني داخل المجتمع، يصبح أكثر انضباطا وتقل فيه الخلافات والجرائم...، وهذا يخفف العبء على الجهات القضائية في الدولة ويساهم في بنائها وتقدمها. بالإضافة إلى أن نشر التعاليم القانونية داخل المجتمع تلعب دورا أساسيا في تعزيز العدالة والإنصاف، وهوما يساعد في تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. 
 رابعا: تعزيز الخبرة من خلال نظام الشركات المدنية المهنية
من الطبيعي أن المشاكل التي تتكاثر بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية، تفرض علي المحامي التدخل ليتنقل ـ لحلهاـ بين العديد من المحاكم، لحضور الجلسات والمحاكمات، وهذا ربما ينعكس سلبا على أدائه المهني بفعل ازدحام الملفات وتداخل أوقاتها وبذلك تضيع حقوقا هو أولي الناس بحفظها وصيانتها. 
وللتغلب على ظاهرة الزحام المهني التي قد تصيب المحامي وتضعف أداءه، أري أنه يمكن للمحامين الاستفادة من مما تتيحه القوانين من إمكانية إنشاء شركات مدنية مهنية، فالإقبال على إنشاء هذه الشركات، يساعد على توفر الوقت وإدارة الملفات بمهنية عالية وحسب التخصصات القضائية، كما تساعد أيضا في امتصاص البطالة عن طريق اكتتاب خريجي الجامعات من أصحاب الشهادات القانونية الذين لم تتح لهم فرصة الولوج للوظائف العمومية والمهن الحرة. 
وقد نص المشرع الموريتاني على الشركات المدنية المهنية في القانون رقم 013 / 2007 المنشور في الجريدة الرسمية تحت العدد رقم 1144 الصادر بتاريخ 20 مايو 2007. 

إبراهيم الب خطري 
إطار في وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي 
باحث في القانون والدراسات الإسلامية 

خميس, 19/09/2024 - 14:19