شهدت معظم قطاعات التنمية في البلاد العديد من التطورات ذات الدلالات المهنية المميزة والمثيرة في مسيرتها التنموية والتي لولاها لظلت الامور مستقرة عند نقطة البداية ولما استفادت البلاد من الامكانات والكفاءات المتعددة والمهدورة وذلك بفضل النظرة الثاقبة والفكر المدني الجمهوري الثابت الذي تحلي به رئيس الجمهورية منذ وصوله إلى السلطة.
لم يكن القطاع عموما وحقوق الانسان منه خاصة بمنأى عن هذه الجدلية فلقد ظل ردحا طويلا من الزمن مستقرا على حاله لا يؤخذ منه ولا يرد له الي ان جرت الرياح بما يشتهيه العدل وطفق سهم الحق يعلو فكان قاب قوسين او ادني لتكتمل الصورة بتعيين د. محمد محمود عبد الله بن بيه وزيرا للعدل وحافظا للخواتم.
فمنذ ذلك التاريخ بدأ منهج حقوقي جديد قوامه لكل ذي حق حقه اساسه العدل والإنصاف فحدثت أشياء كثيرة للقطاع غاية في الاهمية نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر:
- رد الاعتبار للقضاة، ان كان امرا مصانا دستوريا وواجبا أخلاقيا غير ان الحكمة في تسييره والحذر في تطبيقه جعلا الاختلاف في اثارته وحمايته والقدرة على ذلك، تختلف من شخص لآخر ومن جهة لأخري.
- القيمة المضافة للتكوين المستمر الذي حظي به معظم القضاة والكتاب وحتى مختلف شركاء القطاع ممن ليسوا كتابا ولا قضاة وانعكس ذلك إيجابا على مستوياتهم العلمية وادائاتهم المهنية
- البنية التحتية العدلية التي شهدت تطورا غير مسبوق بدءا ببناء المحاكم والسجون وانتهاءا بالتاثيث.
- الوثيقة الرسمية لإصلاح العدالة، المنبثقة عن الايام التشاورية بما تتضمنه من رمزية ودلالة وبما يعنيه قبول السلطات العليا لها ولنتائجها.
كل ذلك يمكن اعتباره سبقا عدليا عجزت عن الوصول اليه كل الانظمة بعد التأسيس قبل هذ النظام، والفضل في ذلك يعود لمعالي الوزير د.محمد محمود عبد الله بن بيه، مكانة وتقديرا.
ان تغيير العقليات والمفاهيم والقدرة على تجديد مفهوم المرفق العام وادائه والتطلع لنتائجه ومدي انعكاس ذلك مباشرة على المواطنين اهدافا من بين اخري رسمها النظام الحالي بموضوعية وعدالة خدمة للتنمية في البلد ببعديها المادي والحقوقي، الامر الذي استوجب من وزير العدل السهر شخصيا وفي أحيان كثيرة من مواقع مختلفة على ان تصل النتائج الحقوقية المرجوة لأصحابها تطبيقا لتوجيهات الرئيس ورسما لبرامجه الانتخابية وتجسيدا لإرادته السياسية.
بكلمة واحدة يمكن القول ان سلطة قضائية مستقلة المرجعية فيها تكمن في احترام القانون حيث لا سلطان يعلو فوق مبدأ سلطان الإرادة وسيادة كاملة للمبدأ الفصل بين السلطات لاحت في الأفق القريب والقريب جدا.
إن تطبيق هذه المبادئ القانونية العريقة والتي اعتمدت عليها كل القيم العدلية والثوابت الحقوقية في العالم يتطلب التسلح بأقصى ما يمكن من الإرادة السياسية والقناعة الحقوقية والنضج الفكري و الأخلاقي حتي لا تتصدع قاعدة الاجماع فيحدث الاضطراب هنا وهناك كما خيل الي البعض مؤخرا حصول ذلك عندما غابت التعيينات القضائية وفق الهواجس المعينة و الاعتبارات الخاصة الضيقة، دون استحضار ان رسالة العدل اسمي وانبل وتتجاوز التعيينات هنا وهناك وقاعدة اجماع القضاة علي الانجازات العملاقة هذه محصنة ولم ولن تتصدع سوي في اذهان من جعل الله علي قلوبهم اكنة من ان يفقهوا ويعو ما لهذ المنهج من أهمية واعتبار.
ان الحديث عن واقع حقوق الانسان قبل مجيء هذ النظام وتسلم معالي الوزير وحافظ الخواتم د. محمد محمود عبد الله بن بيه مهامه يكاد يكون ضربا من العبث والتسلية فلا الواقع التشريعي كان مهبئا لذلك بما فيه الكفاية ولا الرهانات الحقوقيه كانت ستقبله كذلك.
ان إعادة صياغة مفهوم اعتبار حقوق الانسان ضمن السياق ذاته وجعله قطبا من الأقطاب الرئيسة المكونة للتنمية المستدامة ووجها من أوجهها جعل البلد يستقطب شيئا فشيئا ثقة شركاء التنمية الحقوقية فيه والمستثمرين المحليين والدوليين مما تمكن معه من استرجاع مكانته في مختلف التنظيمات الاقتصادية والترتيبات الحقوقية (AGOA) على سبيل المثال.
هكذا فعلا انعكست هذه التطورات ومناهج العمل الجديدة على حقوق الانسان في البلد فانتشلته من واقع الي واقع، انتشالا تغيرت معه النظرة لدي الشركاء وتقلصت قيمة أسهم المتاجرة بالقيم الحقوقية الموريتانية محليا، إقليميا ودوليا.
ان التحدي الأكبر الذي يواجه واقع حقوق الانسان اليوم في البلد يكمن أكثر من أي وقت مضي لا في الإرادة السياسية، فتلك موجودة أكثر من ذي قبل ولا في اليات تجسيد تلك الإرادة علي ارض الواقع فخيارات وزير العدل متأنية وببصيرة ثاقبة، وعن دراية مسبقة للطاقم المحيط به، وتجلي ذلك مؤخرا في مركزية كل ما يتعلق بحقوق الانسان وإدارة السجون وإعادة الادماج لدي الديوان، مكلفا بذلك مستشارا فنيا وحده المخول والمكلف بمتابعة تلك الملفات.
انما يأتي التحدي ممن يأبى سرا التجاوب مع نداءات وادان وجول، ممن يرفض الانصياع لمستوي النضج الفكري والأخلاقي الذي وصل له فكر رئيس الجمهورية، بكلمة واحدة ممن لا يريد للثورة الحقوقية التي أرسى دعائمها فخامة الرئيس ان تكون.
قد يخيل الي البعض وجود بعدا تشاؤميا فيما ذكر، ليس صحيحا، فقط هناك مؤشرات تصل حد القرائن تبعث علي الشك حقيقة في وجود نوايا سيئة خفية يتسلل أصحابها بمكر ويتربصون دوائر السيد الوزير فيرفضون التوجه التحرري للدولة خلسة ويضربون عرض الحائط بالبلد ومستقبله وجهود قادته الحقوقية الحثيثة.
ان المتتبع للنشاط محاكم الاسترقاق السابقة يجد بوضوح ان بوتقتها وجعلها في جهاز قضائي باختصاص وطني شامل للاتجار بالبشر والهجرة السرية خيار موفق وصائب، يجب تشجيعه، وهو ما كان يجب فعله اصلا.
غير انه وطبقا لقواعد الانصاف والعدالة كذلك يجب عند اختيار الاطقم مستقبلا اعتماد نشاط المحاكم وحيويتها وعدد دوراتها والملفات المبرمجة في كل دورة، أكثر من ذلك لا ضير من تبني اعتبار الاحكام المصدرة والسرعة في تحريرها، وفقا للآجال فمن كل هذ وذك تتكون الخبرة المطلوبة في تسيير جهاز قضائي حديث النشأة.
ان محكمة الاسترقاق السابقة في جهة الشرق كانت نموذجا في العمل من بين المحاكم الثلاثة، فهي تعمل دورتان للسنة في كل دورة ملفات تناهز العشرة أحيانا وتقل كان يعمل بها طاقم بذل الغالي والنفيس خدمة للمصلحة العليا للبلد من بعد أمنى استراتيجي صرف في إطار احترام المساطر المتبعة والإجراءات القائمة بالرغم من العروض غير اللائقة والتدخلات غير القانونية التي يصرح بها البعض هنا وهناك من حين لآخر.
تلكم هي التحديات الحقوقية الكبرى، وهذه المقاربات العملية والمفيدة لرسم المستقبل الحقوقي الاجرائي في البلد والله الموفق.
الشيخ ولد الويمين
مستشار السيد وزير العدل المكلف
بحقوق الانسان وتسيير السجون وإعادة الادماج