
نواكشوط – شبكة المراقب
في تطور لافت ضمن أطوار محاكمته الجارية، مثُل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مجددًا أمام محكمة الاستئناف، حيث استمر في تكرار مجمل دفوعاته السابقة، لكن مع إدخال نبرة أكثر هدوءًا وخطاب أكثر انتقائية للألفاظ، مصحوبًا ببعض المستجدات المثيرة، أبرزها نفيه علمه المسبق بتصرفات مالية حساسة كانت تتم خلال فترة حكمه.
هدوء في الأسلوب، ولكن بثبات في المضمون
من حيث الشكل، بدا الرئيس السابق أكثر تماسكًا، وتحاشى العبارات الاستفزازية التي ميزت بعض استنطاقاته السابقة. وقد تجلى ذلك في رده على مقاطعة المدعي العام، حيث قال: "السيد المدعي العام، نحن متعارفين وأنا ماني قايل ش واللا خليني ساكت"، ثم تابع قائلاً: "أنا أحترمك وأحترم القضاء ولن أقول أي شيء"، في محاولة واضحة للظهور بمظهر المتعاون والمحترِم لإجراءات المحكمة.
وثائق ضد محامٍ.. والامتناع عن كشف الأسماء
في خضم رده على ما سماه "حملة الاستهداف"، عرض ولد عبد العزيز وثائق قال إنها تعود لأحد المحامين المتدخلين في الملف، تظهر محضرًا لدى الدرك الوطني يتهمه بانتحال صفة مستشار وزير. كما أشار إلى أربعة محامين آخرين، ملمّحًا إلى تجاوزات دون ذكر أسمائهم، مشددًا على أنه "لن يستهدفهم ولن يذكر اسمًا"، مراعاةً لما قال إنه احترام لجيرانه وأخلاقيات المسجد.
تبرؤ من ضمان ديون النجاح.. وتحميل المسؤولية لولد اجاي
في تحول غير مسبوق، صرح ولد عبد العزيز بأنه لم يكن على علم بضمان وزارة المالية لديون شركة "النجاح"، وهي القضية التي تعتبر إحدى ركائز ملفه القضائي. وبيّن أن توقيع الضمان تم من طرف وزير المالية حينها، وهو الوزير الأول الحالي المختار ولد اجاي، مشيرًا إلى أن علمه بالأمر جاء "فقط خلال المحاكمة".
هذا الموقف يعزز استراتيجية دفاعه القائمة على نفي المسؤولية المباشرة عن القرارات التنفيذية، في محاولة للفصل بينه كرئيس سابق وبين تصرفات الوزراء المعنيين، رغم أنهم كانوا معينين من طرفه.
إقالة بسبب الصيادين.. والعودة للإجراءات ذاتها
ومن الإشارات اللافتة الأخرى، حديثه عن إقالته لوزير صيد سابق – يُفهم أنه الناني ولد اشروقه – على خلفية محاولته تغيير ضوابط تتعلق بشبابيك الصيادين. لكنه قال إن نفس الوزير عاد لاحقًا لتطبيق نفس الإجراءات التي أقاله بسببها، في إشارة ضمنية إلى التناقضات في سياسات الدولة بعد خروجه من السلطة، بحسب تعبيره الضمني.
تحليل: خطاب جديد في الشكل.. قديم في الجوهر
رغم التغيّر الملحوظ في نبرة الخطاب والأسلوب، لا يزال الرئيس السابق متمسكًا بروايته الجوهرية: أنه مستهدف سياسياً، وأن محاكمته غير عادلة، وأنه كان يمارس صلاحياته كرئيس دون التدخل في التفاصيل الإدارية والمالية.
إلا أن تبرؤه لأول مرة من علمه باتفاقيات مالية مركزية يعد نقطة فاصلة، قد تُستخدم لاحقًا من طرف هيئة الدفاع لتخفيف وطأة المسؤولية، أو حتى من قبل النيابة لإثبات الإهمال أو التفويض الضمني في قضايا حساسة.
خاتمة
الجلسة الأخيرة حملت بعض الإشارات التي قد تعيد رسم استراتيجية الدفاع، لكن تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرة الرئيس السابق على نفي العلم والضلوع، في ملف يرى فيه الادعاء العام أنه كان مركزيًا في كل مفاصله