فساد جديد بطله النظام.. يطال هرم السلطة

عززززز

يبدو ان وجود ملفات أو متعلقات فساد في موريتانيا لم تكن افتراضية أو وليدة للصدفة، رغم ان الرئيس هو نفسه من نفض عنها الغبار، ونبشها النظام في كل احاديثه السياسية، ولكن الاحاديث كانت للتورية والتغطية فقط للفت الانظار عما هو اهم، بل و أدهى وأمر في هذه اللعبة الوقحة وهو كون الرئيس نفسه متهما بالفساد الأعظم، في الضلوع ملفات فساد عبر مؤسسات دولية. فالمتتبع لدبلوماسية جنرال القصر الرمادي يلاحظ انه ليس في أحسن أحواله هذه الأيام، صحيح أنه يُشاهد مبتسماً وهو يستمع إلى الشعر الهندي و"النبطي" في مدينة ولاتة التاريخية، ولكنه في واقع الأمر يُصارِع القلق، فمنذ أسبوعين وقضية فساده معرضَ تداولٍ وتدابر على مستوى مؤسسات دولية، وقد انتهى الأمر إلى تعليق أهم تمويل تفتخر به حكومته، وذلك بعد تبيّن فساده بما لا يقبل الشك. القصة بدأت منذ مطلع العام عندما كانت جمعية "شربا" الفرنسية المتخصصة في الدفاع عن ضحايا الجرائم الاقتصادية، والتي نذرت نفسها لكشف فساد النظام في موريتانيا، تجمع الأدلة حول الفساد في صفقة محطة توليد الطاقة الكهربائية بنواكشوط. كانت موريتانيا قد استفادت من طفرة انخفاض أسعار الطاقة بفعل التنافس الأميركي-الألماني وبفعل الثورة في الطاقة الشمسية، وقدّمت على غرار كينيا والمغرب وساحل العاج وغينيا مشروع توليد طاقة كهربائية بإمكانه إمداد شمال وجنوب نواكشوط حتى السنغال بالطاقة الرخيصة. وبعد إنجاز دراسة المشروع تقدّمت موريتانيا بالدراسة إلى البنك الإسلامي للتنمية لتمويل مشروع محطة توليد طاقتها 120 ميغاوات. وكانت أهمية هذا المشروع تكميلية بالنسبة لمشروع آخر للطاقة الشمسية سبق لموريتانيا أن أنشأته بتمويل إماراتي، غير أنه لم ينعكس، على الأقل في الوقت الحالي، على أسعار الطاقة. حيث كانت دراسة مشروع محطة نواكشوط تريد إكمال هذا النقص وتصدير الطاقة للسنغال. بعد مداولات قبل البنك الإسلامي بتمويل المشروع بأكثر من 50 مليون يورو، الذي أصبح مفخرة الحكومة الموريتانية. وتمّ توقيع اتفاقية التمويل مع مطلع ديسمبر 2011. ولكن المثل الموريتاني يشجِّعُ على أكل الصنم قائلاً "من أدار شيئاً طعم منه" (إللي توالَ شِ ظاكّو). ويبدو أن حسابات الجنرال عزيز كانت تميل إلى كسب شيئ له ولخاصته من المشروع؛ فقد تفاجأ الجميع أن الحكومة، وهي تبحثُ عن طريق شركة "صوملك" الحكومية المتخصصة في الطاقة عن شركة طاقة أجنبية تباشر تسيير بناء المحطة، وقعت على شركة فنلدية غير منافِسة جيِّداً هي وارستيلا wärtsilä فأعطتها الصفقة. تكمن مفاجأة المراقبين في أن الحكومة أعطت الصفقة للشركة الفنلندية برغم تقدم شركات أجنبية (شركة TSK الإسبانية مثلا) بعروض أفضل من الشركة الفنلندية. ولكن ما غاب عن المراقبين هو أن وراء الشركة الفنلندية كان يقف نجل الجنرال عزيز، الذي غلّب عَرضها، الأسوأ بدون نفوذه. وربما كثّف نجل الجنرال عزيز جهوده مع جهود مدير شركة سوملك المانِحة للصفقة، السيد محمد سالم ولد بشير، الذي تشير معطيات مراقبين إلى احتمال قوي لوجود "عقد فساد" بينه وبين الشركة الفنلندية، وذلك بحسب تحليلات شربا. ولكن السمكة الأكبر في الصفقة ربما تكون الجنرال عزيز نفسه. وجديرٌ بالذكر هنا أن موقع "موريتاني-ويب" كان قد سبق إلى إثارة الموضوع منذ عام مشيراً إلى استفادة الجنرال عزيز من مبلغ عشرة ملايين يورو من الصفقة مع وارستيلا (نظراً لتعطل "موريتاني-ويب" حالياً فإنني أحيل هنا إلى الرابط من جمعية "شربا"). حاصله أنه كان من الواضح أن الشركة الفنلندية قد استفادت من عقد مع المتنفذين في الشركة الموريتانية للطاقة ومع المتنفذين في السلطة ممثلين في ابن الرئيس الموريتاني. ولوهلة كسب هؤلاء الفرسان الثلاثة الرهان وأقصوا منافسيهم وأسكتوا الضجيج الإعلامي حول الموضوع. غير أن الشكوك سرعان ما عادت للواجهة عندما قرّرت الشركة الموريتانية للطاقة تجديد الصفقة مع الشركة الفنلندية في صفقة ثانية بخمسين مليون يورو، بدون مناقصة هذه المرة، بل بـ"التراضي". وللحكومة الموريتانية أصلاً قصة مع منح الصفقات بـ"التراضي"، الذي برغم نفي الجنرال عزيز له في خطاب نواذيبو في 2012 (كذّبه مباشرة رئيس لجنة الصفقات) إلا أنه ظلّ ممارسة حكومية. صفقات "التراضي" وصفقات ما يُعرف بـ"الاستشارات المبسطة" هي بحسب القانون الموريتاني صفقات لا تُمنح، من بين أشياء أخرى، إلا في الحالات المستعجلة في أوقات الكوارث فيتقرر منح الصفقة بدون مناقصة. وهو ماكان متعذراً في قضية الصفقة الثانية مع وارتسيلا. وهكذا عملت شربا بهدوء على كشف أدلة الفساد وتقديمها للبنك الإسلامي للتنمية الذي سارع بتجميد تمويله للمشروع الموريتاني. وتعتبر هذه أكبر ضربة يتلقاها نظام الجنرال عزيز في شأن الفساد، فرغم أن تصنيفه في الفساد ظلّ يتراجع من عام لعام في مؤشر "الشفافية الدولية" إلا أن هذه أول مرة يتم فيها القيام بفعل استباقي تجاه فساده بدل مجرد كشفه. ولا نعرف إلى حد الآن هل يشترط البنك الإسلامي إجراءات تصحيحية أم أنه يلغي الصفقة نهائياً.أما جمعية شربا فتبدو واثقة من إلغاء الصفقة. ما هي شربا؟ لا شك أن هذه أهم ضربة قامت بها "شربا" ضد نظام ولد عبد العزيز. فقد أدّت مراسلات رئيس المؤسسة، ويليام بوردون، ومديرتها، صوفيا لخضر، مع البنك الإسلامي للتنمية وإمداده بالوثائق الضرورية إلى تثبيت حالة فساد قرّر بموجبها البنك تجميد الصفقة الواعدة لموريتانيا. وابتداءً من الآن يجب على متابعي الشأن الموريتاني وضع العين على هذه الجمعية. تقدّم شربا نفسها مؤسسة "للدفاع عن السكان ضحايا الجرائم الإقتصادية". ظاهرياً هي جمعية صغيرة تقوم على "ثلاثة موظفين"، ولكنها تتمتع بلجنة وبشبكة من المتعاونين والمخبرين. ولها تعاون مع "الشفافية الدولية". وقد اشتهر هذا التعاون في قضية كشف فساد الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد وامتلاكه للعقارات المشبوهة في باريس. غير أن نجاحها في التغلغل في المجتمع الحكومي الموريتاني وكشفها عن معلوماته السرية يعود، بحسب المتابعين، إلى استفادتها من معلومات رجل الأعمال الموريتاني المتذمر، محمد ولد بوعماتو، الذي تربطه علاقات مع ويليام بوردون. ومنذ مغادرة هذا الرجل موريتانيا، بُعيد خلافات غير مكشوفة في عمقها مع النظام الموريتاني الذي كان بمعنى من المعاني صنيعته، صارت شربا، المتأسسة في 2001، شوكة في خاصرة النظام الموريتاني. غير أن اهتمام "شربا" لا يعود فحسب إلى أثر بوعماتو، بل إلى ظهور اتجاه رافض للنظام الموريتاني في شخصيات اليسار الفرنسي ويتعلّق الأمر برئيس شربا نفسه ويليام بوردون، المقرب من الحزب الإشتراكي، وبالنائب عن حزب الخضر نويل مامير، الذي اتهم الجنرال عزيز بالمتاجرة بالمخدرات. بدأت "شربا" اهتمامها بموريتانيا من خلال نداء في الرابع من مارس 2013 لفت الانتباه إلى حالة الفساد المستشري في موريتانيا، التي تصاعدت فيها حالات التفقير رغم تحسن العوائد الاقتصادية. وألقى النداء المعنون "الفساد في موريتانيا: فيما وراء الكلمات، حقيقة تشغل" باللوم على "حفنة" من المستفيدين هم كتيبة الحرس الرئاسي، "بازب"، ذراع الجنرال محمد ولد عبد العزيز، والبنك المركزي، الذي يديره سيد أحمد ولد الرايس، والذي دخل في حينه حرباً مفتوحة ضد ولد بوعماتو. اللافت للنظرفي هذا النداء هو أنه أثار قضية صفقة محطة نواكشوط قبل إفشالها بحوالي عام. وهو ما يعطي مصداقية لاتهامات أثارها التقرير وتتعلق بنهب النظام لمنجم تازيازت. ولم يفت على "شربا" أن تثير فساد صفقة المطار التي منحها نظام الجنرال عزيز لشركة "نجاح مايجر ووركس"، التي بحسب "شربا" "لا تتوفر على أبسط خبرة في مجال بناء البنى التحتية المطارية". وهي معلومات كان النقد الدولي على علم بها (من خلال الانتباه إلى عدم وجود دراسة جدوائية، وميوعة في سعر الأراضي، وبناء المطار في منطقة سكنية). وسيتبين لاحقاً أن عدم الخبرة هذا سينجم عن أخطاء فنية في بناء المطار. وبعيد هذا النداء وفي ابريل اللاحق دعمت "شربا" النائب نويل مامير في قضية اتهامه الجنرال عزيز بالتورط في المخدرات. وقد تصاعدت ضربات "شربا" بعد هدوء نسبي فيما بعد يونيو 2013 حيث تمّ الحديث عن تهدئة بين عزيز وبوعماتو، غير أن "شربا" سرعان ما عادت وخرجت، في أغسطس 2013، بتقرير حول الصفقة الموريتانية الصينية بخصوص الصيد، وهي صفقة معلومةُ الفساد. أعادت شربا- ولكن بإضافة وثائق جديدة- معلومات المعارضة الموريتانية عن توّرط الشركة الصينية، Poly-Hondone Pelagic FisherY Co شريكة الحكومة الموريتانية، في صفقات بيع أسلحة غير قانونية، هذا إضافة إلى خرق الصفقة لـ"استيراتيجية تسيير قطاع الصيد والمائيات 208-2012" التي تحدّد سياسات الحكومة الموريتانية بخصوص الصيد، إضافة إلى أدلة حول تهديد الشركة للنظام البيئي البحري وإفنائها للبحريات. ولكن من الواضح أن أهم ضربات "شربا" إلى حد الآن هي إبطال صفقة محطة نواكشوط الفاسدة. وإظهارها تورط الجنرال عزيز وزبنائه في قضايا فساد صميمية. وربما يكون هذا سبباً كافياً لإعادة النظر في تقارير الجمعية والنظر بجدية أكثر إلى ملفاتها الموّثقة ضد النظام الموريتاني. المصدر صوت الحق+ مدونة "يوميات عبـاس"وثائق تكشف: ضلوع ولد عبد العزيز في ملفات فساد!

ثلاثاء, 21/01/2014 - 01:41

إعلانات