العلاقات الموريتانية السعودية بين إرساءات الحاضر وآفاق المستقبل

موريسود-300x99

لاشك أن الحديث عن العلاقات الموريتانية/السعودية حديث شيق يأخذ المتتبع من متاهات السياسة والعلاقات ذات الطابع المصلحي إلى ربوع الأخوة وأواصر المحبة والمودة التي أسست لها علاقات روحية ضاربة في أعماق التاريخ.

إنه حديث عن علاقات شعبين تبادلا التأثير والتآثر تاريخيا بتناغم فذ رغم تباعدهما جغرافيا.
تزخر الذاكرة الشعبية الموريتانية بحكايات التقدير والإحترام الذي حظي به الشناقطة من قبل السعوديين. فكانت تلك العلاقات ذات جذورها ضاربة في عمق التاريخ وآفاق واعدة في المستقبل.

وهكذا جاء الحضور المشرف للوفد السعودي السامي برئاسة وزير المالية السعودي إبراهيم العساف لـ”منتدى موريتانيا للإستثمار” ضمن التوجه السعودي الرسمي الرامي إلى دعم الدولة الموريتانية عبر برامج تنموية رائدة، وسياسات استثمارية واعدة. فهو امتداد للعناية التي توليها المملكة الشقيقة لتوطيد العلاقات بين البلدين.

لا شك أن هناك بعض الأخطاء التي ارتكبت بحق إضعاف العلاقات القائمة بين البلدين، إلا أن المسؤولين الحاليين حريصين على أن تعود العلاقات بين البلدين إلى صفائها وأن تصل إلى المستوى الذي ينبغي لها أن تكون عليه.

لقد عرفت العلاقات الثنائية بين البلدين سلسلة من التطورات الهامة رسمت ملامح مستقبل واعد وترجمت مستوى متزايدا من الوعي لدى الطرفين بأهمية بناء وتطوير علاقات دينية وروحية وسياسية واقتصادية بناءة.

ولا تزال مؤسسات منارات الجامع السعودي وصروح المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية والمعهد الإسلامي بكيفه شاهدة على علاقات تاريخية متجذرة.

وقد تخرج جيل عريض من المثقفين الموريتانيين في الجامعات والمعاهد السعودية، وخاصة معهد العلوم الإسلامية والعربية في نواكشوط والكلية التابعة له الذي أغلق للأسف نتيجة أخطاء قاتلة للنظام السابق.

لكن العلاقات الموريتانية/السعودية شهدت قفزة حقيقية نوعية منذ عام 2011 حيث أوفد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى المملكة العربية السعودية وزيرة الخارجية السابقة رفقة وفد سام والتقت الوزيرة بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز حيث سلمته رسالة من الرئيس محمد ولد عبد العزيز تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين.

وكان وزير النفط والطاقة أكد ساعته أمام جلسة مجلس الشيوخ أن السعودية تعتبر شريكا استراتيجيا لموريتانيا ومن اهم الممولينمضيفا أنها ( أي المملكة العربية السعودية) قد وقعت مع موريتانيا خلال العام 2011 وحده ثلاثة اتفاقيات تمويل بلغ مجموعها ستين مليون دولار موجهة للأمن الغذائي وإعادة بناء مدينة الطينطان وتزويد مدينة نواكشوط بالمياه الصالحة للشرب الوزير كان يشير في حديثه إلى جملة اتفاقيات تعاون أبرمتها حكومة المملكة العربية السعودية مع الحكومة الموريتانية، تتعهد المملكة بموجبها بتوفير مساعدة مالية لموريتانيا بقيمة 75 مليون ريال سعودي من أجل دعم الأمن الغذائي في موريتانيا.

وذكرت مصادر رسمية موريتانية حينها أن وزير الشئون الاقتصادية والتنمية الموريتاني آنذاك سيدي ولد التاه تسلم رسالة من وزير المالية السعودي تتضمن موافقة المملكة العربية السعودية على تقديم مبلغ 5.5 مليار أوقية موريتانية (75 مليون ريال سعودي) كتمويل لدعم الأمن الغذائي في موريتانيا.

وقد أعلن الصندوق السعودي للتنمية في شهر نوفمبر من نفس العام في بيان أصدره أنه قد منح موريتانيا قرضا بقيمة 487 مليون ريال سعودي. وجاء في نص البيان أن “قرض التمويل مخصص لعملية ربط شبكة الكهرباء بين مدينتي نواكشوط ونواذيبو، إضافة إلى بناء كلية للقانون وسكن للطالبات ومرافق عامة جامعية ضمن مشروع جامعة نواكشوط الجديدة“.

كما ذكرت بعض التقارير الرسمية الصادرة إبان تلك الفترة أن حجم الدعم السعودي للتنمية في موريتانيا بلغ ساعتها 111 مليار أوقية؛ وأعلن مصدر رسمي موريتاني أن حجم التدخلات السعودية لصالح التنمية في موريتانيا بلغ حوالي: 111 مليار أوقية، قدمها الصندوق السعودي للتنمية في شكل قروض ومنح.

نفس المصدر أوضح أن البنى التحتية عموما والطرق خصوصا تعتبر واحدة من المجالات التي كان للقروض السعودية أثرها الواضح فيها، إذ ساهم الصندوق السعودي للتنمية في تمويل الجزء الرابط بين كيفة والنعمة من طريق الأمل بأكثر من 250 مليون ريال سعودي، كما ساهم في إنشاء طريق أطار تجكجة بمبلغ 75 مليون ريال سعودي.

ولدعم قطاع الصناعة والمعادن قدم الصندوق قضا بقيمة 179 مليون ريال سعودي وقرضا آخر بمبلغ 226 مليون ريال سعودي لتمويل استغلال مناجم القلب. كما تم تمويل مقاطع من شبكة توزيع المياه في أحياء انواكشوط ساعتها بـ 95 مليون ريال سعودي.

وفي مجال القطاع الخاص زار موريتانيا رجل الأعمال السعودي الشهير الوليد بن طلال، فاستقبل من قبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز حيث تحدثا عن علاقات التعاون القائمة بين موريتانيا والمملكة العربية السعودية وسبل تعزيزها وتطويرها، خاصة في المجال الإستثماري. بعد أن تابع فيلما مصورا عن تاريخ موريتانيا وموقعها الجغرافي وثرواتها المتعددة وفرص الإستثمار فيها.

وكان وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا قد وقع قبل ذلك بمقر وزارته بالعاصمة نواكشوط أبروتوكول اتفاق مع رئيس شركة فرص للاستثمار السعودية تقوم بموجبه الأخيرة ببناء 30 ألف وحدة سكنية في نواكشوط والمدن الداخلية وسيتم إنجاز هذا البرنامج على عدة مراحل، تشمل أولاها 10 آلاف وحدة سكنية.

ومع بداية السنة الجديدة وعلى خلفية ما عرف بمنتدى موريتانيا للإستثمار تم توقيع خمس اتفاقيات بقيمة 250 مليار أوقية بتاريخ 26/01/2014 مع الصندوق السعودي للتنمية، وكذلك صندوق النقد العربي، إضافة إلى مذكرة تفاهم مع هيئة الإنماء الزراعي العربي، وكلها هيئات سعودية و/أو تعتبر السعودية أكبر المشاركين فيها.

هذا قد كان الحضور السعودي مميز في هذه التظاهرة الاستثمارية حيث تميز المنتدى بحضور الدكتور ابراهيم العساف وزير المالية السعودي الذي جدد في كلمة له ألقاها بمناسبة افتتاح المنتدى حرص رجال الأعمال السعوديين على الإستثمار في موريتانيا والإستفادة من الفرص الواعدة التي تتيحها لهم، وبناء شراكات فاعلة في هذا المجال، داعيا جميع الفاعلين الإقتصاديين إلى دعم جهود موريتانيا والمساهمة في تنميتها مما يعزز الإستقرار في هذا البلد الذي أكد أنه يشهد إصلاحات غير مسبوقة.
كما تميز المنتدى بشكل عام بحضور تكتلات استثمارية سعودية وازنة   أبرزها تحالف الراجحي الذي وقع اتفاقية تأسيس خمس شركات تستثمر في مجال الزراعة والصيد البحري بقيمة إجمالية تصل 300 مليار أوقية وبطاقة تشغيل عمالية ضخمة، ويتضمن المشروع دعما تنمويا للسكان المحليين.

ويتوقع أن تشهد العلاقات الموريتانية/السعودية المزيد من التطور مستقبلا بفعل التوجه الرسمي لكلتا الدولتين الرامي إلى توثيق وترسيخ تلك العلاقات وخلق مناخ استثماري يسمح بولوج رأس المال السعودي إلى السوق الموريتاني، حيث يتوقع المراقبون بناء على المؤشرات الحالية تزايد حجم الإستثمارات السعودية في الإقتصاد الموريتاني وتنويع مجالات الدعم والعون السعودي لجهود الدولة الموريتانية في التنمية.

تحقيق :محمد محمود ولد المقداد

اثنين, 17/02/2014 - 18:54