أجريت صحيفة "الأمل الجديد" مقابلة مع المدير الناشر لوكالة العلم الاخبارية محمد محمود ولد بكا، وفيما يلي نص المقابلة:
تشهد الساحة الوطنية نعرات عرقية ودعوات فكرية لم يسبق لها مثيل تكاد تهدد كيان الدولة الوطنية، إلامَ ترد ذلك ؟
محمد محمود ولد بكار:
عندما لا تملك الدولة أي حضن، فإن المجموعات الصغيرة والأفراد تتوجه إلي الحضن الأصغر. فعندما كان هناك أمل في الدولة كانت الناس تنشد المبادئ السامية خاصة الشروط والفرص التي تتيح المشاركة والإستفادة من مزايا النظام العام، لكن عندما تـَـكرس مفهوم المجموعة الضيقة والقبيلة وصار التصور العام بأننا باتجاه دولة المحاصصة (المُـشاريَـه) صارت المجموعات الصغيرة تبحث عن حماية أو نصيب.
أنا لم ألمس أي اتجاه أو طرح فكري أو تصور بالإصلاح في هذا اللغط. شاهدت مجموعات فقدت الثقة بمشروع دولة المساواة والعدل وصارت - بجهود مختلفة- تبحث عن الحماية؛ هناك من يتباكى على دولة، ومن يندب حظ فئة، ومن يبكي على مأساة شريحة. الناس فقط ليست سيان في الأدوات والوسائل؛ هناك من هو مستعد في سبيل ذلك لبيع دينه أو قوميته أو وطنه. أنا لست مقتنعا بأن ذلك تفكير متمحض لأغلبهم، لكن ربما تكون هناك حوافز لها علاقة بمراكز إلهام كبيرة في الخارج، وغالبا ما لا تملك الناس في مثل هذه الحالات خيارا في طريقة ونوعية الثمن والمثمون. وبصفة عامة لا علاقة للرسول الكريم بأي شيء من ذلك. فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تعظمه 1.7مليار من البشر الأحياء، ولن يكون هناك هدف لشخص صغير في دولة صغيرة لمواجهة ذلك. لابد من أن هناك قوة تشجعه علي ذلك أو هي من زج به فيه، لكن هناك خفايا ومرام في اختيار التوقيت، وقد يكون ذلك في الأساس بسبب غياب حماية النظام العام. وهذا ليس أكثر من بداية.
في حالة الدولة ذات السيادة، أو التي تقودها زعامة وطنية، يتم التصرف بحزم: أي وفق أقسي العقوبات المنصوصة تفاديا لعدوى سرطانية. وعندما يكون الشعب يريد ذلك، يكون هنالك سبب إضافي للعمل بمبادئ الديمقراطية. فعندما ضغط الغرب على الأتراك، الذين يسعون للدخول في الإتحاد الأوروبي، من أجل أن يسمحوا للطائرات الحريبة الغربية بعبور أجوائهم لضرب العراق، منعتهم الديمقراطية، أي الشعب التركي، البرلمان التركي، الذاكرة الجمعية، المقدسات.. الشعب التركي لا يسمح بقتل شعب مسلم من طرف الكفار من فوق أراضيه، المقدسات فوق كل نظام، فمصدر قوة أي نظام هو مستوى تبني الشعب له، وأهمية القوانيين هي الحفاظ علي وحدة الكيان بمشاعره العامة التي تنصهر فيها جميع المشاعر الخاصة. دولة مسلمة لا يمكن أن تكون نسخة من دولة لا تدين بشيء، ومعايير حرية التعبير هناك ليست بالضرورة هي التي ينبغي أن تكون هنا. فلابد أن يكون هناك اختلاف. هذا الإختلاف هو الميزة، هو التاريخ، هو المستقبل، هو الوعاء الثقافي، هو بالتالي المصداقية. لا يمكن أن نقفز على كل ذلك لكي نحترم معايير لا تمت لنا بصلة. وحدة البلد هي هدف كل القوانين، والإسلام هو مركز تلك الوحدة؛ فما من بد عن فهم ذلك وبصفة دقيقة وإلي الأبد.
الأمل: كيف تقيم التجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية الحالية؟
محمد محمود ولد بكار:
في الظروف العادية تكون التجاذبات مؤشرا للفاعلية والحيوية والوعي بالدور. لكن للأسف ليس ذلك هو حال الأمور عندنا، فنحن نتخلف عن القاعدة العامة عادة. فلدينا تقوم القاعدة على محو الآخر ورفضه تماما، كما تقوم على تجاوز المرجعيات. لا توجد أي جهة في موريتانيا يؤيدها الحق الذي تمنحه التخصصات والمسؤوليات والقوانين، لكن الحق الذي تتمسك به كل الأطراف يؤيده التوهم والأماني وتفرضه القوة المادية، ليس قوة العقل. هذا التجاذب قديم لكن نتائجه هي هي: مؤسسات الدولة لا تخدم سوى الشخص الحاكم. لم يمنح هذا التفاعل القوة لأي قانون أو أي مؤسسات أو آليات أو معايير، ولم يحل أي مشكل جوهري. لم تتغير انشغالات المعارضة، فقط الوصول إلي السلطة بأي ثمن، ورهانات النظام هي نفسها: الحفاظ علي السلطة بأي ثمن. اللعب لا يتمتع بأي قواعد ولا أي حَكم. ما زلنا بعد إجراء أكثر من 16 انتخابات عامة لم نتمكن من وضع حد للخلاف حول تنظيم الإنتخابات، فأمام إجراء أي إنتخابات لابد من العودة لنفس المربع. الصراخ في هذا الموضوع لا يتوقف.
التجاذبات لا يحركها منطق. خذ مثلا دعوة المعارضة للرحيل التي عرضت البلد للخطر، فالثورة لابد أن يهيئ لها فكر. لا توجد ثورة بدون فكر لذلك السبب حدث ما حدث في العراق وليبيا وسوريا، ليس الأمر هناك إلا فوضى وما من ثورة، عكسا لتونس ومصر فقد كان هنالك تحضير أو إطار فكري ونضج في الشارع. المعارضة لم تحضر للبديل عندنا. ذهاب ولد عبد العزيز قسريا لا يحل المشكلة في غياب تحضير البديل، بل نريد ذهابه ديمقراطيا، لابد أن يذهب وفقط بالوسائل الديمقراطية. وعندما يكون هذا هو تفكير المعارضة سوف يكون هنالك إستعداد للتنازل. التصلب ليس موقف من يبحث عن حل سياسي. لابد أن نضع في الحسبان أننا إن لم ننجح الآن قد ننجح غدا وإذا وقع تزوير اليوم فلا نلغي كل شيء ونقف على الهامش بل نمنع وقوعه غدا. لابد أن يكون هناك شيء في الفكر يسمى "غدا". وعلى كل حال يجب أن نعرف أن تعلقنا بالديمقراطية يفرض الأمانة والوفاء اللامشروطين للإستقرار.
الأمل الجديد:
كيف تقيم خمس سنوات من تسيير عزيز للبلاد ؟
محمد محمود ولد بكار:
على كل حال هذا سؤال جيد، غير أنني كنت أتصور أن يكون حول صلاحية هذا النظام أصلا أو علي الأقل مواءمته، ليس للتحديات أو الرهانات كما يطرحها المواطن، وفي مرحلة ثانية المجتمع، وفي مرحلة ثالثة الطبيعة السياسية للوضع، بل لتعهداته هو نفسه. ومع ذلك سأحاول إجابتك وإن كانت صعبة جدا لأن فترة عزيز، علي الرغم من أنها مأمورية واحدة، تختلف عن كل ما سبقها من المأموريات لأنها تتضمن الكثير من القضايا المتشابكة؛ فيها ما هو شخصي جدا وما هو أسري وقبلي. وبالإضافة إلي تعمق الأزمات والمشاكل الداخلية، ظهرت ثلاثة أمور لم تعرفها موريتانيا من قبل: الأمر الأول الإرتجالية التامة في القرارات. الأمر الثاني الظلم الصريح بأجهزة الدولة وتصفية الحسابات مع قطاعات تامة مثل الشرطة ومع السياسين والفاعلين الإقتصاديين ومع قبائل بعينها عنوة. الأمر الثالث تلطخ سمعة الرئيس بالفساد الشخصي الفاضح. هذا بالإضافة لفقدان الثقة بالمستقبل وهوان الدولة علي الناس. اليوم نجد شركات دولية كبيرة أنفقت أموالا طائلة علي التنقيب ودراسات الجدوائية وسحبت منها الرخصة وعرقلتها الإدارة فقط في إطار تصفية الحساب. حاليا جميع الفاعلين الإقتصاديين المهتمين بموريتانيا في العالم يتفهمون أن ولد عبد العزيز شريك محتمل لجميع أصناف الأعمال. هذه كارثة حقيقية . والأسوأ من ذلك أن الموضوع يثار داخليا بطريقة أخري ومن طرف أرباب العمل المحليين والمتعاملين الصغار حول أسباب إقصائهم من الأشغال ومنحها ل"ATTM التي لا تملك القدرة علي تنفيذها، فطريق كيفة ـ الطيطان 140 كلمتر في سنتها الخامسة ولم تقطع الأعمال ثلث المسافة , كما تم توسيع مجال تدخل " ENER " من شركة حماية الطرقات من الرمال إلي شركة إنشاءات. إتهام ولد عبد العزيز واضح في ذلك، وهو يكمن في أن لديه آليات، حسب ما يتم تداوله وعلي نطاق واسع، فالحديث يدور حول أكثر من عشرين شراكة لولد عبد العزيز داخليا: في البنوك التي وصلت العشرين وأعطيت في إطار زبونية واضحة.. رجل أفلس بنكين أعطي له ثالث (الرخصة ورأس المال)، وكذلك رجال الأعمال الذين يعتبرهم الناس شركاءه في شركات بيع السيارات، وهذا ما يفسر أن الجيش يشتري إيفيكو ومؤسسات الدولة تشتري هينداي. في مجال الصيد وفي المعادن وفي التجارة، هناك مجموعة أهل غده وأهل ودادي اللتان توسعتا في لمح البصر من التجارة إلي الإعلام إلي البنوك إلي الزراعة إلي الأشغال العامة، وتحتكران الصفقات مع مفوضية الأمن الغذائي ومع سونمكس ولم تقض الضرائب يوما واحدا مضجع أي منهما، بينما تلفح نارها كل الآخرين: قبائل بعينها. لم يسبق أن أتهم الموريتانيون رئيسهم بهذا، فلماذا عشرات التهم لولد عبد العزيز؟.. التهمة الثانية هي حجم الأموال التي لم تتم معرفة حقيقتها : دخل صندوق النفط، ثمن السنوسي (الحديث عن 228 مليون دولار )، معونة السعودية (50 مليون دولار)، الأموال الكبيرة من مزايا إتفاقية استخراج الذهب ومن الرخص في قطاع المعادن، دخل إسنيم المتضاعف. وقد أثار تعليق العمل باتفاقية الشفافية في ميدان الإستخراج الريبة. هذا بالإضافة إلي التسجيلات بشأن تبييض الأموال والإتهام بغض الطرف عن عصابات المخدرات التي تستمر وقائع المحكامة بشأنها في باريس، وهناك قاض وطني مستعد للإدلاء بالشهادة في المجال، بالإضافة طبعا للرصاصات. لقد اختلط كل شيء في ملف ولد عبد العزيز الشخصي، رئيس دولة فقيرة، لها من المشاكل ما يكفيها ، ولا تتطلب رئاستها بحق رجلا لهذه الدرجة من "التحضر". ولد عبد العزيز بهذا ليس لديه الوقت لتسيير البلد مع تسيير كل هذه الملفات الشخصية، ينضاف إلي ذلك أن خمس مؤموريته قضاه في الخارج: قرابة 60 سفر خارج البلد بتكلفة تزيد علي 5 مليارات أوقية وقرابة 260 يوما. كل هذه التهم تتبادلها الناس وترد في تصريحات السياسيين ومن تسريبات المتذمرين ومن التقارير والتحقيقات الصحفية. هناك أمور أخري مثيرة وهي أن الدولة، التي هي المحرك الرئيسي للإقتصاد بوصفها أكبر غنيمة، توقفت عن الإنفاق وتم تقليص ميزانية التسيير. وهذا يحبس أنفاس الإقتصاد (الدخل، العمل، النشاط، الوفرة). البلد يسيره رجل واحد وهو الرئيس؛ لا يملك وزير المالية ولا محافظ البنك المركزي أي صلاحيات. الرئيس يراقب كل التحويلات وكل الأرصدة، وهو الآمر الوحيد بالصرف. الوزير لا يملك صلاحية التعيين، والمدير لا يملك صلاحيات التوظيف، وإذا قيل له لأي منهما: لماذا وظفت فلانا؟ يقول بكل بساطة: "ذاك جاي من فوك". هذه أمور تضرب بأطنابها. وعلي كل حال، وخارجا عما يدور من إتهامات، فإني ألخص ذلك الشق من الجواب في ثلاث نقاط: أولا غياب حل نزاعات المصالح بشكل يرضي جميع الإقتصاديين الرئيسيين. ثانيا تدخل الرئيس بشكل تسلطي باسم الفاعلية الإقتصادية، لكن الكل يعلم أن حسن نية المتدخلين الإجتماعيين في العمل معا غائبة تماما، وهذا ما يرفع الثقة عن النظام ويجعله لا يعمل بهدوء في جميع وظائفه. ثالثا هناك تحرك قضائي عند الحاجة وضريبي واسع ونشط وخارج الصيغ المتعارف عليها، يشكل بوليس النظام لتصفية معارضيه.
أما الشق الثاني، فهناك سؤال آخر تحتار فيه الناس، مرتبط برؤية أو فهم ولد عبد العزيز للمال العام وطريقة تعامله معه: أهو ملك شخصي؟ أم ملك للمجتمع؟ ومن المفيد هنا التساؤل عن هذه الوفرة التي وقعت زمن عزيز أين ذهبت. فالأموال في عهد معاوية ذهبت في إطار فساد عام شارك فيه الكثير من الناس، دون معاوية شخصيا. وفي عهد إعل ولد محمد فال ذهبت في زيادة الرواتب والنفقات العمومية. وفي زمن عزيز لا نعرف أين ذهبت. ومع ذلك فالمحفظة المالية للدولة في عهد عزيز لم تجتمع لأي رئيس، فعهد ولد الطايع تراجع إحتياطي موريتانيا من العملة الصعبة إلي أن وصل 23 مليون دولار فقط بعض المرات، وكان سعر الحديد 30 دولار للطن، ولم يتجاوز انتاج اسنيم 10 مليون طن في الغالب، كما كان الغلاف المالي المتحصل من اتفاق الصيد 86 مليون يورو، ولم يملك البنك المركزي طيلة حكمه أكثر من 270 مليون دولار دفعة واحدة، وكان دخل الجمارك والضرائب مجتمعتين لا يتجاوز 40 مليار أوقية. وفي عهد إعل ولد محمد فال حصلت موريتانيا علي 100 مليون دولار من تغريم شريكة وودساييد و100 مليون دولار مقابل رخصة شنكيتل و60 مليون دولار من تجميع دخل بئر شنقيط و130مليون دولار بواسطة تحسين إتفاق الصيد، ووصل دخل الجمارك 48 مليار أوقية. أما في عهد عزيز فوصل إحتياطي البنك المركزي مليار دولار أغلبها بسبب الزيادة المتضاعفة لأسعار المواد الأولية: الذهب ارتفع من 700دولار للأونصة إلي 1800 ، والحديد من 30 دولار إلي 170 دولار والنفط ظل يحافظ علي ما بين 110 إلي 130 دولار. وقد قفز دخل الجمارك والضرائب إلي قرابة 300 مليار أوقية. وبالتالي فعزيز رئيس دولة غنية لكن وضعية الشعب والأسعار والتجارة وسعر الصرف أسوأ بكثير من فترة معاوية الذي ترأس دولة فقيرة. اليوم لم تسجل أي زيادة للرواتب، ولم يتم توفير أي خدمة عمزمية بالمجان، ومع ذلك رفع الدعم عن المحروقات ـ خلال 5سنوات زاد أكثر من 25مرة وصلت 100أوقية للتر في مجموعها ـ وعن ضمان توفير المواد الأساسية وترك سعر الصرف للسوق الحرة أي بين التجار والسوق السوداء حيث لازال سعر الصرف يحافظ علي الإرتفاع بصفة مستمرة: اليورو مابين 407ـ 415 والدولار 306 ، وقد ظلت هذه المواد ترتفع رغم تراجع أسعار بعضها في الخارج. المواطن اليوم يدفع أغلي فاتورة في شبه المنطقة عربيا وإفريقيا في الكهرباء، في الماء، في النقل دون زيادة الوظائف ولا الأجور. موريتانيا بلد يستورد 98% من إستهلاكه اليومي بما في ذلك الماء من الخارج حتي المادتين اللتين يتم إنتاجهما في البلد (اللحم والسمك) شهدتا زيادات غير عادية علي التوالي من 1200 إلي 1800 ومن 1400 إلي 2500 وها نحن نستعد في هذه السنة المالية لزيادة الضريبة الجمركية علي الحليب. الأعمال الحرة تراجت ولذلك ظهرت ظواهر جديدة سيئة في المعاملات الإقتصادية مثل "شيبيكو " ولولا أن حصل هذا الإنفجار في مجال المعادن، رغم التقتير الكبير ومحاولة السيطرة علي ذلك من خلال تمكين الأهل والأقارب من مفاصل تلك الشركات، لما كانت الحالة علي هذا النحو. هذا بالإضافة إلي انعدام الخطط والبرامج والتصورات بل إرتجالية غير مسبوقة: منطقة حرة في الهواء: لا فندق، لا مطار، لا مصحة، لا نقل، لا أمن، لا أمان شخصي، لا أي شيء.. فلماذا علي الأقل لا نقل مشروع منطقة حرة. مطار لمليوني راكب سنويا بدل 188 ألف، ما هي دواعي هذه القفزة، لكي تتوقف الأعمال وتدفع إسنيم قرضا بقيمة 15مليار أوقية. وما هي المصلحة من إنقاذ "مجموعة الصحراوي" التي "تتغول "هي الأخري بعد 20 سنة من إحتكار الإسمنت. ولماذا لا تندمج إسنيم في الإقتصاد الوطني حيث تظل ربحاتها ونفقاتها حكرا علي أوامر الرئيس وتمثل خزينته الخلفية التي يسوي من خلالها كل المشكال من تحت الطاولة. لماذا كل هذا الإرتجال. غرس مقاطعة الشامي بعيدا في " إعظيم المرار"، صحراء جرداء قاحلة بعيدة من البئر الذي سيزودها بالماء ومن الحواجز الطبيعية، حيث كلف بناء حاجز رملي لها غلافا ماليا قدره 1.3 مليار أوقية.. كل هذا لأن بئر الشامي يقع بجانب محطة ولد بوعماتو. ما علاقة الخلاف الشخصي بعمل الدولة. بناء منشآت وتعبيد 18 كلم وإستصلاح مآت الهكتارات في لكوارب بتكلفة 9 مليار أوقية لترحيل السطارة. لم يرحل أي أحد من أهل السطارة. بناء مؤسسة عسكرية أو أمنية جديدة دون أي دراسة وتهميش قطاع الشرطة، أقدم قطاع أمني يصل إلي 4500 فرد لأن إعل ولد محمد فال ظل مدير هذا القطاع طيلة 20 سنة. ما علاقة الخلاف الشخصي بهذه المؤسسة؟.. لقد ترتب عن ذلك استقالة جماعية للشرطة وإنفلات الأمن، أليس أهون (إعش ولد محمدي، من قتله؟) أي إعادة بناء القطاع بدل تهميشه. تقسيم 113 ألف قطعة أرضية في نواكشوط لم تحقق 10% من مراميها بسبب الإرتجال. وعلي إثر ذلك الفشل تحولت نواكشوط إلي جحيم بسبب الإحتجاجات المستمرة، مع المظاهرات الأخري: الأسعار، البطالة، عمال كل قطاع علي حدة، حتي أن الفتيات القاصرات قمن بمظاهرة راجلة من ثانوية الميناء إلي القصر الرئاسي بسبب وفات صديقاتهن تحت الإغتصاب وتنديدا بالجريمة. مستشار "الصدرايَـه" لديه ميئات الشكاوي والتظلمات. البيانات النارية من كل الأصقاع المنددة والشاجبة للأسعار وللأمن وغيرها لا تنتهي ..الحديث يطول جدا رغم عدم الإغراق في التفاصيل وبصفة مجملمة، هذه فترة مظلمة من تاريخ البلد، نجح فيها الدهماء وأصحاب المغامرات والهمم الصغيرة والنفوس الضعيفة، يجب أن تنتهي عند هذا الحد.
الامل الجديد:
هل يمكن أن تحصل الثقة في الإنتخابات الرئاسية القادمة بعد الإرتباك والخروقات التي شابت الإنتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة ؟
محمد محمود ولد بكار:
الثقة في الإنتخابات تعني الثقة في الظروف والشروط المحيطة بالعملية السياسية: علي الصعيد الداخلي العملية في الحقل الإنتخابي نفسه أي عملية الإقتراع ، وعلي الصعيد الخارجي أي التأثير علي إرادة الناخب بواسطة أمور ليست متاحة للجميع مثل سلطان الدولة، تدخل القادة العسكريين وإستخدام المال العام. الإنتخابات الماضية مليئة بالخروقات علي الصعيدين، وفي الشوط الثاني كانت فاضحة وخشنة علي نحو دمر مصداقية اللجنة المستقلة وتعهدات ولد عبد العزيز بحياد الإدارة. الوزير الأول هدم مسجدا لم يكتمل بناؤه في قرية "كطوان" التابعة لقريته بسبب أنها صوتت لتواصل حسب أهل القرية، كل جنرال أو قائد منطقة عسكرية له مرشحه، محافظ البنك المركزي له لائحته، رئيس الهابا له لائحته، رجال الأعمال ساهموا رغما عنهم في حملة حزب الإتحاد، واحد منهم إعتذر عن المساعدة في الشوط الثاني بعد ما دفع في الأول 50 مليون أوقية، وفي صبيحة اليوم الموالي تعرض لمضايقة السلطات عنوة . لا توجد حاليا أي ثقة في تلك الأدوات ولا يمكن لأي كان القبول بدخول إنتخابات بهذه الشروط . اللجنة لم تستشعر حجم المسؤولية وقد بقيت في الدرج، تابعة خاضعة للنظام، العناصر التي إكتتبت للإشراف علي عملية الإقتراع لم تكتسب أمورا غير موجودة أصلا (الصرامة والصلابة والقوة والحياد) ولم يخبرها أحد بجسامة المسؤولية ولم تخضع لتكوين بحجم الدور. لم يكن عنصارها علي علم من أنهم يسيرون أمل الموريتانيين، وأن اللجنة المستقلة هي أحد شروط الشفافية الذي لم يتوصل إليه الفرقاء بسهولة حيث كان يُعتبر أنه تجريد للدولة من مصداقيتها، ولم يكونوا حازمين ولا مقدرين لذلك، ولم يملكوا البتة القوة والصلابة اللازمتين لإضطلاع بالدور، بل ولا يشعرون بأي إستقلالية. اللجنة لم تنتقيهم ليس علي أساس الإحتراف أو المهنية بل لم تشعرهم بأنها محلفة. عمل اللجنة ليس علي الإطلاق عمل ناس محلفين. ولا يمكن لأي كان أن يثق فيها. العودة لإجراء إنتخابات تحت إدارة هذه اللجنة تعني أننا لا نقيم وزنا لجهودنا. أعتقد أن أي مفاوضات يجب أن تقع علي جثة هذه اللجنة. إذا حصل ذلك يمكن إعادة بناء الثقة في المسار، ولا أريد أن يعتقد أحد أن تلك هي أم المشاكل، فهناك أمور أخري يتعين التعاطي معها بحزم: أسلوب عزيز المخيف علي خلفية الإنتخابات الرئاسية الماضية والبرلمانية والبلدية الأخيرة، فقد تم حبس رجال الأعمال الذين دعموا المعارضة وظل إستهدافهم مستمرا سواء مصادرة أموالهم أو أراضيهم الزراعية ، أو اقطاعاتهم ، أو سحب الرخص منهم أو منعهم من الصفقات، أو محاولة تفليسهم بالضرائب، كما يجري الآن تفكيك مجموعة أهل أعبيدنا على خلفية تلك المواقف. وفي الإنتخابات الأخيرة تمت معاقبة قبيلة تجكانت (كرو) برمتها بسبب عدم التصويت لمرشح لا يريدونه. كما أن أجهزة الدولة تدعم بصفة تلقائية الكرسي. إذن هذه وضعية غير مريحة أبدا ولا تسمح بجو المنافسة الحرة ولا يمكن القبول بها، كما أنها تطرح عقبة كبيرة للمترشحين في تمويل حملاتهم، فحينما لا يكون لرجال الأعمال الحرية في إختيار من يقدمون له الدعم دون أن يلحق ذلك أعمالهم بأذى، فكيف ستحصل الأحزاب، مع حظر المال السياسي، علي المال لتسيير حملاتها خاصة أيضا مع رواج أسلوب شراء الذمم الذي إنتهجه أصحاب السلطة في حملاتهم. هذه في الحقيقة مشاكل عميقة تطرح باستمرار للمعارضة وحدها، لابد من حلها لأنها الطريقة الوحيدة التي تجعلنا نأمل في جدوائية الإنتخابات.
الأمل الجديد:
بماذا خرجت من الإنتخابات التي شاركت فيها؟ أي إنطباع تركته لديك هذه التجربة ؟
محمد محمود ولد بكار:
لا مجال لتنافس البرامج ولا لإختيار الأصلح. المواطنون الضعفاء يصوتون ضد قناعتهم وضد إرادتهم بسبب الإغراء والإكراه. الناس أعداء مبدئيون للدولة وكل من يأتي من جهتها. المسؤولون والدولة يرمزون للكذب والفشل واللامبالاة لكنهم يخافونها. الناس يعيشون في ظروف مزرية: فقر مدقع، عيش علي الكفاف وبشق الأنفس، بدون دواء ولا طرق، ومن دون مأوي، بدون ماء صالح للشرب، وتحت وطأة التجهيل، كل الظروف المحيطة بهم من ماض وحاضر ومستقبل تجعلهم في صف المعارضة، لكن ذلك سيحرمهم من بعض "الإسعفات" أو من صدقة عزيز المذلة (حوانيت أمل)، لاشيء آخر إنها وضعية يتفطر منها القلب .
الأمل الجديد:
أين يقف الرئيس مسعود من الساحة السياسية الحالية؟ وأين هي مبادرته ؟
محمد محمود ولد بكار:
أولا، مسعود يقف حاليا حيث يقف دائما: إلي جانب السلم الأهلي ودعم الإستقرار. ومواقفه ليست حصيلة ولا خدمة لأحد، بل خدمة لموريتانيا.. القناعة التي لدينا كلنا في التحالف الشعبي التقدمي اليوم أننا بحاجة أكبر إلي الإستقرار وبأن تسيير عزيز للمسار ومواقف المعارضة المتعنتة كل ذلك مجتمعا يدفع في الإتجاه الخطأ. القاعدة العامة التي يتبعها مسعود هي القاعدة الشائعة في هذا المجال: خذ وطالب. نحن في مواجهة رجل إغتصب السلطة لأول وهلة ويريد تشريع ذلك باستمرار ولا يريد التخلي عنها، لكننا بنفس الدرجة سئمنا الإنقلابات ولا خيار لنا خارج الإنتخابات. مسعود يريد زيادة التنازلات في كل مرة لنصل إلي الهدف المنشود وهو تنظيم إنتخابات عادلة ومنصفة تتيح التناوب بواسطة حل توافقي بين الفرقاء يحقق الحد الأدني من رضاهم، لكن ذلك ليس بوسعه وحده. الأمور التي تقف بين عيني بعض المعارضين وتفسد التفكير الهادئ والتريث، تقف بين ناظري مسعود أيضا، لكن الوطن والسياسية لا يعنيان فقط الوصول إلي السلطة، بل يعنيان الإستقرار والهدوء وعمل المؤسسات. وعندما يكون هناك إنسداد سياسي معناها أن القنوات السياسية لا تعمل، أي ليس هناك تفاهم ولا ثقة ولا تواصل، والحل هو في جعلها تعمل أولا ، وليس بتجاوزها. الدستور له وظيفته، مؤسسة المعارضة لها وظيفتها، والبرلمان له وظيفته. لابد من تشغيل الإطارات الوظيفية، لابد من التراكم. الحوار مع النظام لا يعطي السلطة بل يعطي مزايا. يضيف فقط فاعلية أو يعمق دور بعض تلك المؤسسات، لكن إذا كانت هذه المؤسسات لا تعمل فعلا فما الفائدة؟. المبادرة جاءت في السياق نفسه من أجل إنقاذ الوضع، وإضافة بعض الضمانات أو التطمينات، لا شيء آخر. ولا أعتقد أن مسعود قد يقبل في نهاية المطاف بأن يكون صاحب مبادرات بين أطراف تلعب. لو كان الهدف معروف عند المعارضة لحققنا بعضا منه. المعارضة لا تملك هدفا واضحا لكنها تطمح فقط. المعارضة لم تشأ أن يكون لها هدف محدد.
علي كل الحال لا يوجد اليوم أمامها خيار غير توحيد الجهود وبناء هدف. في النهاية أعتقد أن مسعود حافظ علي شعرة معاوية مع ولد عبد العزيز وقد يسهم ذلك مجددا في وضع إطار للتفاهم أو للتقارب، لكن هل ستملك المعارضة هذه المرة مطالب هادفة ودقيقة ومحددة؟ الله أعلم.
الأمل الجديد: هل مازال من الممكن جمع نظام ولد عبد العزيز ومنسقية المعارضة علي انتخابات رئاسية جامعة؟
محمد محمود ولد بكار:
هذا البلد لكل الموريتانيين، وهم متساوون في استقراره ومصلحته ومدعوون جميعا للواجب اتجاهه. والإنتخابات إستحقاقات دستورية يحق لكل موريتاني يطمح ويملك الكفاءة أن يشارك فيها. ولد عبد العزيز لا يملك أن يمنع أحدا من المشاركة فيها. السؤال المطروح: هل يمكن تنظيم إنتخابات بين الموريتانيين علي نحو لا يضيف إلي حالة الفوضي والشطط خاصة أمام تعدد خطوط الإنكسار؟ هذا يتوقف علي خلفية موقف المعارضة ونية ولد عبد العزيز وكلا الأمرين صعب التحقق منه. فولد عبد العزيز يريد المعارضة أن تشارك بالقدر الذي تحقق له تشريع الإنتخابات، والمعارضة تريد الإنتخابات علي رغبتها ومقاسها. ونحن في التحالف نريد المتاح الذي هو خلق الثقة في العملية ونتائجها وأن تتساوي الناس أمام الفرص والحظوظ: أي أن لا يكون هناك ضغط علي التجار أو الموظفين أو القبائل، وأن تكون اللجنة الوطنية لكل الموريتانيين وكل صوت يساوي جمجمة فرد بالغ لا أكثر. وهنا يتعين علي المعارضة أن تكون هي الأخري بحجم التحدي والرهان، وأن تنظم مطالبها لتكون ملموسة ووجيهة ولا تمنح فرصة للمماطلة: تبديل اللجنة الوطنية، إصلاح تصويت الجيش، منع مدير اسنيم ووزير العدل ووزير الداخلية والقواد السكريين ومحافظ البنك المركزي ورئيس الهابا والولاة والحكام من المشاركة في الحملة. هذا من جهة صعب بالنسبة لولد عبد العزيز الذي حينما يترشح من هذا الموقع أو هذه الوضعية فسيخفق في الإنتخابات القادمة، فقد تراجع حجمه الإنتخابي طبيعيا حيث فقد الفقراء أملهم في تعهداته، ولم يحقق أيا كان هدفه من دعمه لعزيز، وبالتالي لن يكون بمقدوره تعبئة الناس حول خطابه السابق الذي يلهب به المشاعر. التعاطي مع هذا الخطاب بعد فشله كانت نتائجه وخيمة فقد عمت كل موريتانيا المظاهرات بسبب الجوع والعطش والمرض وإنعدام الأمن والبطالة وغيرها، كما تمت إعادة الشوط الثاني في أكثر من 11عاصمة ولاية ودحر النظام في مخزونه الإنتخابي: 7 بلديات في الحوض الشرقي والغربي بعد تدخلات عنيفة وقد أشرف علي حملاتها أعضاء من الحكومة بما فيهم الوزير الأول وجنرالات، وقد تم دحرهم جميعا. لقد فهم عزيز ذلك و بدأ ترتيب أوراقه وأخذ يغازل الشباب ويفتح الباب واسعا للإكتتاب في الوظيفة العمومية ويتصالح مع الشرطة وغيرها. إن علي المعارضة إذا كانت تسعي لخوض غمار الإنتخابات المقبلة أن تحدد نقاطا واضحة تعتقد أنها توفر الحد المعقول من الضمانات لإجراء إنتخابات نزيهة ذات مصداقية وشفافة لا غير، وأن تحصل علي ذلك في غضون شهر، وعندما لا يستجيب لها عليها أن تقاطع مجتمعة وأن تحيي جبهة الدفاع عن الديمقراطية.المحيط