أنواكشوط(شبكة المراقب):في رسالة وجهها الى الرئيس ولدعبدالعزيز كشف القاضي محمدينج ولدمحمدمحمود رئيس محكمة تنبدغة عن خروقات مثيرة داخل القضاء الموريتاني في فترة الرئيس محمد ولدعبدالعزيز ،مشيرا إلى أن ثقة المتقاضين في القضاء الموريتاني قد تراجعت الى أبعد الحدود حيث تمتنع الدولة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها إضافة إلى هشاشة الحصانة التي يتمتع بها القاضي تبعا للسلطة المطلقة لوزير العدل في تعيين القضاة واقتراح تحويلاتهم جاء ذالك في رسالة وجهها القاضي محمدينج رئيس محكمة تنبدغة والمكون في وزارة العدل عبر"شبكة المراقب":
بسم الله الرحمن الرحيم
24/10/2014
الموضــــوع: رسالة موجهة إلى السيد محمد/عبد العزيز رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية تتعلق باستقلال القضاء ومعوقاته في موريتانيا
السيد الرئيس
لا يخفى عليكم ما للسلطة القضائية من أهمية في أيّ مجتمع يسعى إلى أن يسود فيه الاستقرار الشرط الأساسي للتنمية ذلك أن السلطة القضائية هي الأداة الأساسية لحماية الاستقرار وبث الأمن داخل المجتمع وبمنحها مزيدا من السلطات يتم القضاء على الفساد وينعدم الظلم ولا أدل على ذلك من أنّه في الدول التي يمنح فيها المواطن حقّ الدفاع عن المصلحة العامة أمام القضاء ينعدم فيها الفساد تقريبا وذلك مثل المملكة المتحدة التي يستطيع فيها المواطن عند ما يلاحظ فسادا في إحدى الإدارات أن يشكوها إلى القضاء أمّا الدول التي لا يسمح فيها للقضاء بممارسة وظائفه و لا يمكن للمواطنين فيها أن يقفوا بطرق سلمية أمام الفساد فتظل المشاريع التنموية عرضة للفشل فيها كما تظل هي معرضة للتعرض للبلابل وعدم الاستقرار فكثيرا من تلك الدول في الحقيقة يعتبر استقرارها ظاهريا فحسب ذلك أنّ الاستقرار فيها في الحقيقة على كفّ عفريت لذلك السيد الرئيس سأعرض عليكم -غيرة على بلدي والقطاع الذي حلمت بالعمل فيه وأنا صغير- بعض الأمور التي تتعلق بالمعايير الدولية لاستقلال القضاء ثمّ أعرض بعدها بعض المشاكل التي يعاني منها استقلال القضاء في بلدنا الحبيب انطلاقا من تخلف نظمنا القانونية وممارساتنا عن الاستجابة لتلك المعايير
ا-المعايير الدولية لاستقلال القضاء وأعني تلك التي عند توفرها يمكن للقضاء أن يكون مستقلا ولن أنطلق فيها إلا من الملاحظة رقم:32 المتعلقة بالمادة:14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وما تحيل عليه تلك اللجنة من اجتهاد المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في إطار الاجتهاد القضائي المتعلق بتطبيق الفقرة الأولى من المادة: 6 من العهد الأوربي لحقوق الإنسان التي تتضمن ما نصّ عليه في المادة: 14 آنفة الذكر ويستخلص من كلّ ذلك أنّه لكي يكون القضاء مستقلا يجب:
ا-أن لا يكون تعيين القضاة في مختلف الوظائف القضائية متعلقا بالسلطة التقديرية للسلطة التنفيذية لذلك فإنّ إسناد الوظائف القضائية يكون من اختصاص القضاة أنفسهم ممّا يعني أن تكون إدارة القضاء الجالس على الأقل ذاتية
ب-أن لا يخضع استمرار مأمورية القضاة في ممارستهم لوظائفهم للسلطة التقديرية للسلطة التنفيذية كأن يكون للسلطة التنفيذية متى شاءت تحويل القضاة ذلك أن تحويل القاضي عن منصبه يمكن أن يشكل عزلا له عن قضية معينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
ج- أن لا يكون للسلطة التنفيذية تدخل في المسار المهني للقاضي وذلك من ناحية التنقيط والترقية لذلك فإنّ الترقية يجب أن تكون بشكل تلقائي ما لم يتعرض القاضي لعقوبة تأديبية تبرّر عدم ترقيته بنصها على الحرمان منها مدّة معينة ويجب أن يتمتع القضاة بحقّ الطعن في القرارات التأديبية التي يمكن أن يتعرضوا لها ابتغاء تحقيق الأهداف التالية:
-الحرص على تمكين القاضي موضوع المتابعة التأديبية من حقوق الدفاع لأنّ التشكيلة التأديبية للمجلس الأعلى غير معصومة
-الدفع بالتشكيلة المعنية إلى بذل مزيد من الجهد وتوخي الحيطة والحذر في ما تصدر من قرارات
-زرع مزيد من المصداقية في القرارات الصادرة عن الهيئة بالإدانة أو التبرئة
ب- المشاكل التي تعترض استقلال القضاء في موريتانيا انطلاقا من المعايير السابقة:
1-في ما يتعلق بتعيين القضاة في الوظائف القضائية:
-رغم أن المادة:8 من النظام الأساسي تنص على أنّه لا يمكن عزل القضاة ولا تحويلهم إلا بطلب منهم أو لعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة وبعد رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء وأنّ المادة:4 من ذات القانون تنص على أنّ قضاة الحكم يعينون في وظائفهم بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء فإنّه من الملاحظ أنّ اقتراح التعيين يقوم به وزير العدل وفي بعض الأحيان يشاركه فيه رئيس المحكمة العليا الذي لا يتمتع بأيّ حصانة تحول بينه مع العزل قبل نهاية مأموريته أمّا باقي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء فلا يستدعون إلا عند انعقاد المجلس ولا يلعبون فيه سوى دور الكونباص أو الشاهد على ما يجري وفي بعض الأحيان يقدمون فيه طلبات أو عرائض مطلبية للقضاة وهي أمور تشي ببعد قضائنا الوطني عن الاستقلال انطلاقا من تطبيق هذا المعيار عليه على الأقل كما أن هذا المسار أي بعد القضاة عن اقتراحات التعيين قد أدى إلى اختلالات خطيرة منها على سبيل المثال أنّها دفعت بكثير من القضاة إلى التعيين في أماكن لا يسمح لهم تكوينهم الأولي بالتميز فيها حيث يتم تعيين خريجي الشريعة الإسلامية مثلا في مناصب تجعلهم:
-رؤساء محاكم وغرف تجارية مثل رئيس الغرفة التجارية الآن بالمحكمة العليا
-رؤساء غرف إدارية وذلك مثل رئيس الغرفة الإدارية بمحكمة الولاية بأنواكشوط حاليا
-تعيين مكتتبين في القضاء باعتبارهم خبراء مصرفيين وتعيينهم في محاكم ليست لها أيّ علاقة بمجال تخصصهم مثل رئيس الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا حاليا ورئيس محكمة مقاطعة جكني الآن
كما أدى تغييب القضاة عن اقترح التعيين هذا إلى تهميش خرجي القانون رغم أنّهم أكثرية داخل القطاع ويتضح ذلك من خلال:
-أن أغلب رؤساء محاكم الاستئناف من خريجي الشريعة
-أنّ أغلب المدعين العامين لدى محاكم الاستئناف من خريجي الشريعة
-أنّ نواب المدعي العام لدى المحكمة العليا من خريجي الشريعة
2-عدم خضوع مأمورية القضاة ابتداء وانتهاء للسلطة التنفيذية:
تنص المادة:49 من النظام الأساسي للقضاء على أن المجلس ينعقد بدعوة من رئيسه أي رئيس الجمهورية وهو من يحدّد جدول أعماله بناء على اقتراح من وزير العدل وهذا ما يشهد لما ذهبنا إليه سابقا من تحكم السلطة التنفيذية في القضاء وضعف مشاركة ممثلي القضاة في عمل المجلس واقتراح انعقاده وأدى هذا بدوره إلى عدّة مشاكل منها على سبيل المثال:
-بقاء كثير من المحاكم شاغرة دون أن يعين لها رئيس كما هو الحال بالنسبة لغرفتين من غرف المحكمة العليا التي تقاعد رئيساهما منذ سنة .... وغيرهما كثير
-انعقاد المجلس في أوقات غير مناسبة مثل انعقاده أثناء السنة الدراسية
3- عدم تحكم السلطة التنفيذية في المسار المهني للقضاة:
من هذه الناحية يتضح أنّ السلطة التنفيذية في بلدنا تتحكم في المسار المهني للقاضي ذلك أنّها هي من تنقطه انطلاقا من ممثليها في القضاء أعني رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى هذه المحكمة كما أنّ التنقيط يحدث بطريقة غريبة نظرا لأن من يتولى التنقيط كثيرا ما يكون المنقط وعمله مجهولين من طرفه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتضح تحكم السلطة التنفيذية في المسار المهني للقضاة من خلال أنّ السيد رئيس الجمهورية عندما يعطي الأمر بعقاب قاض فإنّه سيفصل مباشرة ولو بطريقة لا تتوخى فيها السلامة القانونية للإجراءات كما حصل مع الرئيس السابق للغرفة التجارية بمحكمة الاستئناف بأنواكشوط
4-من ناحية احترام الأحكام والقرارات القضائية
السيد الرئيس إن مدى احترام القرارات القضائية في أيّ بلد وفرض احترامها من طرف السلطات القائمة فيه وإذعانها هي لها لهو المعيار الأساسي للمدنية كما أنّه هو أهم تكريس ليس للمقتضيات الدستورية المتعلقة بحماية الحريات العامة وحراسة القضاء لهذه الحريات ومبدأ فصل السلطات فحسب وإنّما لدولة القانون وإذا نظرنا إلى ما توليه إدارتكم الموقرة من اهتمام بالقرارات القضائية فسنلاحظ أنّ:
-الأحكام القضائية في زمنكم لم تعد لها أيّة هيبة خاصة بالنسبة للسلطات التي تستمد سلطتها منكم ذلك أنّ هذه الأحكام ترفضها وكالة الوثائق المؤمنة (وكالة الحالة المدنية) كما أنّ النيابة العامة في كثير من الأحيان عندما تطلق المحاكم متهما لأيّ سبب فإنّها لا تطلق سراحه ويبقى في حبس تحكمي ويقال أنّها تفعل ذلك تنفيذا لأوامر عليا والأوامر العليا في لغة النيابة العامة عندنا تطلق على الأوامر الصادرة منكم السيد الرئيس
-كذلك فإنّ الأحكام الصادرة على الدولة والتي تلزمها بتعويض للأفراد لا تنفذ هي الأخرى من السيد الوزير المعين من طرفكم
السيد الرئيس
ما تم احترامه- ظاهريا على الأقل- في ظلّ الأنظمة المتعاقبة على حكم موريتانيا من مقتضيات النظام الأساسي للقضاة تمّ انتهاكه في أيامكم وهو القواعد المتعلقة بالاكتتاب أعني اكتتاب القضاة عبر المسابقتين اللتين أجريتا في أيام حكمكم للبلد رغم أنّ من بين الناجحين فيهما من أشهد له بالتفوق عليّ أيام الدراسة ذلك أنّه أخذ على الأولى:
•اشتراط أن يكون المتقدم لها يحمل شهادة في الاقتصاد وهذا الشرط لم يشترطه القانون وبالتالي كان مخالفا له وبه تمّ استبعاد كثير من الكفاءات من الترشح لهذه المسابقة
•أنّ بعض المشرفين عليها كان من بين المتسابقين وهذان الأمران أديا إلى المساس بشكل خطير من مصداقية المسابقة خاصة إذا ما أضيف إليهما غياب المبرر الأخلاقي لإجرائها ذلك أنّ من نجحوا فيها لا حاجة للقضاء فيهم بدليل أنّهم لم يعينوا في أيّ مناصب قضائية حتى الآن ولم يرسلوا حتى للتدريب في المحاكم والآن تخرجت دفعة من خمسين فردا يشكل اكتتابها إن حصل قبل تعديل النظام الأساسي للقضاة خرقا أشد للقانون بانتهاكها قواعد اكتتاب منظمة بقانون نظامي منظم لأكثر المهن احتراما على مرّ العصور وفي غالبية المجتمعات ألا وهو النظام الأساسي للقضاة لأنّ اكتتاب هذه الدفعة لم يمر على لجنة اكتتاب القضاة لا من قريب ولا من بعيد
السيد الرئيس
إن اكتتاب أيّ قاض بطريقة غير قانونية إن حصل لا قدّر الله ليشكل إشارة له إلى أنّ احترام القانون لا فائدة فيه وبالتالي حثا له على مخالفته كما أنّه سيؤدي إلى كثير من المشاكل المتعلقة بالطعون في الأحكام والقرارات الصادرة عنه من طرف المحامين هذا بالإضافة إلى أن انتهاك القانون يعد تصرفا خطيرا
السيد الرئيس
إنّ هذه الأمور الخطيرة تحدث في فترة تاريخية تمتاز بحرية الصحافة وانتشار قرّائها ومشاهديها ومستمعيها في كلّ مناطق البلد ممّا أدى إلى الكشف عن معظم هذه الأمور خاصة منها تلك المتعلقة بالحبس التحكمي وغيره من الممارسات الأمر الذي أدى إلى المساس بهيبة القضاء التي ترجمت واقعيا بضعفه في أعين السلطات و المواطنين
السيد الريس
واسمحوا لي إن كنت خرجت عن حدود اللياقة اللازمة لمقامكم فذلك من أثر المهنة التي علمتني أن أدلي برأيي بصراحة لا مواربة فيها كما أنّه ناتج عن شعوري بعدم الأمان القانوني ذلك أنّه انطلاقا ممّا سبق لا يحول بيني وبين الفصل إلا توجيهكم لأمر بذلك
السيد الرئيس
إنّ أهمّ انجاز يمكن أن تقدموه لشعبكم هو خلق قضاء مستقل يتحلى بالكفاءة والمصداقية تسود به العدالة والأمن القانوني في البلد
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
القاضي:محمد ينج/محمد محمود
رئيس محكمة مقاطعة تمبدغة ومكون بوزارة العدل
أهم المرجع
1- الملاحظة العامة رقم:32 المتعلقة بالمادة:14 من العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية.