حوار ولد عبد العزيز مع المعارضة مثل مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي حول ملف الصيد، لا يمكن أن يفضي إلى غير أزمة أخرى لأن ولد عبد العزيز لا يريد منهما غير إخفاء جرائمه في حق هذا البلد :
لا يختلف و لا يستطيع ولد عبد العزيز أن يختلف مع الأوروبيين على أسعار السمك كما يحاول أن يقنع من لا يعرفون حقيقته : الحقيقة الكاملة التي يراد لنا أن نفهم و نقتنع بعكسها، هي أن ولد اتاه تلاعب بعقل ولد عبد العزيز و أدخله في ألف مشكلة لا مخرج منها و على رأسها اتفاقية الصيد مع الصين التي تم إبرامها بشكل محكم لتكون نموذجا مقنعا لضعف اتفاقية الاتحاد الأوروبي و كانت بالفعل اتفاقية ثورية في المجال بجميع بنودها المعلنة ليظهر في ما بعد أن المقصود منها هو كان هدر هذه الثروة ـ بتجاوزات مرفقة و مصممة ـ في وقت قياسي بعيدا عن أعين الرقباء ، ليس إلا .. و على المعارضة الآن أن تطالب الاتحاد الأوروبي ـ إذا كان يريد أن يتحقق من صحة هذا الكلام ـ أن يقبل كل شروط ولد عبد العزيز ليكتشف حقيقة هذه الجريمة المنظمة : لم يعد في المياه الموريتانية أي سمك و يتم الآن وضع العراقيل أمام الأوروبيين لكي لا يكتشفوا هذه الجريمة البيئية التي تدخل في صميم اهتمام العالم أجمع…
علينا أن نفهم بكل بساطة أن ولد عبد العزيز حين وجد نفسه محاصرا بالمشاكل الداخلية و الخارجية و لم يجد أي منفذ للخروج منها، بدأ يفكر ماذا يفعل؟
و بعد أشهر و أسابيع من تجريب كل شيء و القفز على كل شيء، قرر هو و ولد محمد لغظف هذا الحوار، لا من أجل الوطن و لا من أجل عيون المعارضة و إنما بحثا لنفسه عن مخرج من مأزقه .. المنطق العقلي السليم يقول فقط إن استجابة المعارضة لهذا الحوار تواطؤ لا غبار عليه و غباء مهين و جريمة في حق شعب نهبت خيراته و أذل أعزته و دمرت وحدته و خلقت له عداوات في العمق مع كل جيرانه بسبب تخبط إنسان جاهل و متهور تم تركيبه من قبل جماعات انتهازية تستفيد من غبائه و ظل يعالج كل خطأ بعشر أخطاء حتى حاصرته أعماله. و ربما كانوا يحاولون الآن التخلص منه بهذا الحوار و ربما كانوا وراء محاولة اغتياله أو اغتيال زوجته قبل أسابيع من خلال تسميم عشائه عند بيت أصهاره رغم أن إعداده تم في القصر و لم يستطيعوا حتى الآن تحديد من كان وراء الحادثة التي وصفوها في أوساطهم المغلقة بالمشابهة في أوجه كثيرة لحادثة اغتيال صاديا !!!
لكن ما يهمنا الآن في تعامل المعارضة مع هذه اللعبة المتذاكية هو أن لا تنتظر أي خير من عصابة علي بابا و أن لا تعيدنا إلى المربع الأول من خلال تصديقها لأي مبادرة تصدر منهم أو تصدر من المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الوهمي تماما مثل وعود عزيز؛
لقد اختار مسعود ولد بلخير أن يصبح ماريونيت حقيقية، يكلفه ولد عبد العزيز بالمهام القذرة، مقابل توليه مؤسسة وهمية لا وجود لها و لا دور لها غير تغطية تكاليف مهام مسعود مقابل إنتاج المبادرات و مشاريع الحوارات و التفنن في ذرف دموع التماسيح على موريتانيا التي يعتبر اليوم من أكبر مفسديها و أفسد مكابريها .. و لا يجد مسعود اليوم أي حرج في الحديث باسم المعارضة كأن وجوه أصحاب هذه الأرض مصفحة ضد الخجل !!!
و على من يسأل بأي حق أشهر بالناس بالأسماء و الألقاب أن يسألهم بأي حق يستبيحون هم، نهب ثروة بلد كامل و يتبجحون بالدوس على كرامة أهله؟
على المعارضة الآن أن تفتح خارطة الوضع و تأخذ حاسباتها لتحدد ما يمكن أن تكسبه و ما يمكن أن تخسره في هذه العملية لتفهم بوضوح أن الأمر ليس مغريا إلى هذا الحد من أي وجه:
ـ لم يبق لولد عبد العزيز إلا حوالي ثلاث سنين من مأموريته (و هو وقت طويل من الجحيم) لكنه من الصعب أن ينهيها بأي معجزة بسبب تراكم أخطائه و عدم ثقة الناس في أي كذبة يبتدعها من جديد : إضرابات العمال في كل مكان (بعد عشرات التسويات الكاذبة)، إضرابات الطلاب، انفلات الوضع الأمني بشتى أشكاله، كل مسئول عن صندوق مالي في البلد يأخذ ما فيه و يهرب ، انتشار المخدرات في المدارس الابتدائية و الإعداديات و على قارعة الطريق، تمرد السجون، تدخل السفراء الغربيين في أدق تفاصيل مشاكل البلد كما لو كنا عدنا إلى فترة المندوب السامي، انتشار الظلم و القهر و الفوضى، غياب الدولة في أفظع تجلياته، انهيار النظام المصرفي بعد ما أصبحت مهمة البنك المركزي تنحصر في تأمين حاجيات تكيبر و ولد ابوه و عصاباتهم المزودة بجوازات سفر دبلوماسية، من العملة الصعبة و التغطية عليها، تشرذم اللحمة الوطنية بسبب إثارة النعرات و إسكات (بتشجيع ممنهج لهذا التوجه) كل من يوزع منشور باسم عشرة أشخاص من مكون عرقي تطالب فيه بحق تاريخي يدخله السجن المؤبد في أي بلد آخر، تحول القضاء إلى ذراع ردع لكل من يكشف جرائم عصابة ولد عبد العزيز و بلطجيته السخيفة التي وصل بها البغي إلى محاولة إسكات الناس بالتهديد و الضرب ليقول لك مفوض شرطة بالصريح، لا أستطيع أن أفتح لك محضرا لأنهم أقارب عزيز (أليس من المؤسف حقا و الغريب جدا، أن يكون إنسان سخيف إلى هذا الحد، خائن لوطنه و أمانته و كرامته، مفوض شرطة توكل إليه مهمة حماية الناس و رعاية مصالحها و صيانة حقوقها و كرامتها؟) ..
و على المعارضة أن تفهم أن طبيعة هذا النظام تفرض عليها أن تحسب العملية من خلال أسوأ الاحتمالات لأن ولد عبد العزيز هو المسئول عن عدم ثقة الناس في ما يقوله و لا يجب أن يكون هذا الأمر موضع تحفظ لديها…
ـ بقي الآن من مأمورية ولد عبد العزيز حوالي ثلاث سنين
ـ إذا افترضنا أن الحوار جاد (و هو أمر مستحيل) و أنه سيفضي إلى انتخابات نيابية و بلدية و رئاسية ، فماذا يتطلب كل هذا المسلسل؟ : الحوار نفسه.. تشكيل لجنة وطنية للانتخابات (تحتاج الموافقة عليها أم معارك المسلسل و يحتاج تمريرها موافقة برلمان انتهازي غير متحمس للعبة ستخرج 90 في المائة من أعضائه من هالة القبة، لا يستبعد أن تكون عرقلته للمسلسل جزء من اللعبة) .. تكوين اللجنة و تكوين لجانها و تمويلها .. إعداد سجل الناخبين و تمويله و معركة الإشراف عليه.. البحث عن مصدر تمويل للانتخابات (لن يوجد) و البحث عن بديل محلي (غير موجود) .. تشكيل حكومة توافقية (ستكون مهمتها الوحيدة تشرذم ما تبقى من المعارضة بالصراع على كراسيها ) .. إعداد انتخابات نيابية و بلدية أو حل البرلمان إذا لم يستجب للعبة.. إعداد انتخابات رئاسية ..
إن إنجاز هذا المسلسل في ظروف سياسية طبيعية و مواتية من حيث التمويل و الوفاق و المناخ العام و الخبرات البشرية المتخصصة، يتطلب وقتا طويلا فما بالكم بإنجازه في مثل هذا المناخ الكاذب، المطبوع بعدم الثقة و المراوغات و التلاعب و المخادعة و لي الأذرع و الإفلاس العام؟؟
ـ هناك أمور يصعب فهمها، تفضي بمن يصطدم بها حتما إلى طرح أسئلة جوهرية؛ لماذا يكون أكثر المتحمسين لهذا الحوار من داخل المعارضة، هم من لا يملكون مالا و لا جمهورا ؟؟
من حق ولد داداه أن يرفض الدخول في هذه المهزلة لأن لديه ما يخسره و لا يريد أن يخسره في لعبة لا يفهم فيها أي شيء، يكفي أن أصحابها يرفضون أن يفصحوا عن أسبابهم و أهدافهم بما يمكن فهمه : هذا هو منطق الأشياء الطبيعي ..
إذا كان ولد عبد العزيز يريد لهذه المغامرة أن تجد من يستمع إليها ، عليه أن يمتلك ما تتطلبه اللعبة من شجاعة : أن يقف أمام الشعب الموريتاني و يعلن أن الدولة مفلسة و منهارة و ممزقة اللحمة و أن فريقه عاجز عن إيجاد مخرج من هذا الوضع الكارثي و أنه يطلب من المعارضة المشاركة في إخراج البلد من هذا المأزق .. هذه هي الحقيقة التي يرفض ولد عبد العزيز الاعتراف بها لأن إخراج البلد من المأزق لا يعني له أي شيء .. إن ما يبحث عنه عزيز واضح و بسيط ؛ هو إخراجه هو نفسه من المأزق الذي وضعه فيه ولد اتاه و ولد محمد لغظف و تكيبر و ليس هذا قطعا أفضل ما يمكن أن تساهم المعارضة فيه ..
حين يعترف ولد عبد العزيز بذلك أمام الشعب، ستكون مهمتنا ـ نعم ـ أن نحمل ولد داداه مسؤولياته تجاه الوطن و أن نعتبره مقصرا و حتى خائنا إذا لم يساهم بكل ما لديه، لا في الحوار فقط و إنما في تذليل كل العقبات في وجه نجاحه . أما أن يجلس ولد عبد العزيز و ولد محمد لغظف و يخططا للتلاعب بعقول المعارضة و تطلق كل الجهات الطامعة في فتات اللعبة، الصراخ من كل حدب و صوب “الحوار، الحوار” فهذا يذكرنا بالضبط بما فعلته المعارضة لسيدي ولد الشيخ عبد الله حين أوعزت لكل كتابها أن يمطروا المواقع بخطاب انهزامي يحملون فيه الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله مسؤولية ما يتهدد البلاد من مخاطر و تعاقب وفودهم على بيته في “لمدن” مطالبين ـ في خطاب ممجوج ـ باستجابته لمطلب الاستقالة ؟؟
على ولد مولود أن لا ينسى انه هو من قاد محادثات اتفاقية داكار بتفويض كامل من المعارضة و بثقة كاملة من جميع أطرافها ، بما حملت من هفوات و سوء تقديرات و قراءات خاطئة و ضمانات وهمية .. عليه أن يتذكر أنه لولا تلك الاتفاقية المشؤومة لما وصل ولد عبد العزيز إلى الكرسي .. عليه أن يتذكر أن المعارضة لن تكون في يوم من الأيام أقوى من ما كانت عليه في ذلك الوقت .. عليه أن يتذكر أن أحدا لم يتهمه بالخيانة أو التقصير : لقد اشتهدت فأخطأت و هذا موقف إنساني جميل إذا تعلمت منه أن لا تندفع باتجاه منحدرات الحماس الزائفة..
لماذا تدفعون ولد داداه إلى الاعتراف الضمني بنظام جائر من خلال الجلوس معه على طاولة حوار تكفي كلمة من ضاربة رمل ولد عبد العزيز لنسف كل مسلسله؟
موريتانيا لم تعد تتحمل مزيدا من الأخطاء .. لم تعد تتحمل مزيدا من التلاعب بمصيرها .. لم تعد تتحمل أن تظل فأر تجارب بين كواليس المعارضة و لوبيات العسكر.. لم تعد تتحمل مغامرات سندباد .. لم تعد تتحمل مزيدا من مغارات علي بابا ..
لقد أدخلت هذه العصابة بلدنا الآمن، المسالم ، الذي كانت روعة تجانس أهله و تكاتفهم و تكافلهم و تآخيهم، تنسينا كل آلام الفقر و التخلف و الحرمان ، في وحل لا يمكن الخروج منه من دون خسائر فادحة . و علينا اليوم أن نضع خلافاتنا جانبا و نعمل بتعقل و أمانة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتخليص بلدنا المستباح من هذه العصابة الخطيرة المستهترة بكل شيء..
أتحدى أيا من المندفعين في هذا الحوار أن يجيبني على سؤالين : ماذا يريد ولد عبد العزيز بالضبط من هذه المغامرة ؟ و لماذا اختار هذا الحل من بين جميع الحلول المتاحة ؟ لقد أصبحت أخشى حقا أن يكون أصبح من بيننا من سيرد علي بإنه يريد وفاقا وطنيا و دولة ديمقراطية تنعم بالشفافية و العدل و المساواة !!!
الخطأ الفادح الذي يقع فيه الكثيرون اليوم هو أنهم ينسون دائما أن ولد عبد العزيز ليس رئيسا ؛ ولد عبد العزيز يكذب على المواطنين البسطاء، يكذب على التجمعات القروية، يكذب على حزبه ، يكذب على برلمانه، يكذب على وزرائه، يكذب على مستشاريه، يكذب على الرؤساء و الملوك ، يكذب على المنابر الدولية ، يكذب على المستثمرين، يكذب على السفراء ؛ ولد عبد العزيز لم يخلق للرئاسة و حين وصلها بحظ بلدنا العاثر، لم يصدق نفسه فكيف تصدقونه أنتم؟
تذكروا جميعا يا موريتانيين أن كل شيء زائل و أن التاريخ لن يرحمكم و أن لعنة حقوق هذا الشعب المستباح ستظل تطاردكم إلى يوم الدين .. تذكروا مسؤولياتكم أمام الله .. تذكروا أن هذا المخبول الممتلئ غرورا و غباء و جبنا، حول بلدكم المسالم إلى عدو لدود للمغرب و السنغال و مالي و بوابة جحيم الإرهاب التي عجز العالم أجمع عن مواجتها .. و تذكروا جيدا أن أول مجلس وزراء موريتاني تم في خيمة في مساحة “بلوكات” و أول حكومة موريتانية كانت في “بلوكات” و أن إلزام من استباحوها بغيا و احتقارا لهذا الشعب و تحديا لشعوره، بهدم ما بنواه من ثروتهم الخبيثة و إلزامهم بإعادة “بلوكات” بنفس التصميم، سيكون هو الانتصار الحقيقي على الفساد؛ برمزيته و مفعوله و معانيه العميقة و تأثيره المباشر على كل المتواطئين مع الأنظمة الفاسدة المفسدة ..
وفقكم الله و بارك مسعاكم