مذكرات ولد الصلاحي : في سجن باغرام الرهيب

كان جاري الثاني في الغرفة مواطنا موريتانيا في العشرين من عمره ولد في نيجيريا وتربى في السعودية ولم تطأ قدماه التراب الموريتاني ولا يعرف اللهجة المحلية التي يتحدثها الموريتانيون، ولو لم يتحدث لي عن أصله لكنت ظننته من جملة المواطنين السعوديين الموجودين بكثرة ضمن كتيبة المعتقلين. وكان جاري الثالث ـ يضيف محمدو ولد صلاحي في هذا الجزء من مذكراته ـ مواطنا فلسطينيا يسكن الأردن ويدعى .... وقد اعتقل من قبل أحد شيوخ القبائل الأفغانية وعذب في حضرته طيلة 7 أشهر، وكان معتقله قد طلب من أهله فدية تحت طائلة التهديد بتسليمه للأمريكيين إن رفضوا. كان عرض أهالي المعقل غير مغريا حيث كانوا مستعدين لتوفير 5000 دولار للرأس وهو الأمر الذي لم يكن ليرضي مقاس المحتجزين إلا أن ... نجح في الهرب من معتقله وذهب إلى كابول ومنها إلى جلال آباد حيث كان من السهل ان يلاحظ أنه من جملة المجاهدين العرب وهناك اعتقل وبيع للأمريكيين . عرفت من صاحبي الفلسطيني أنه قضى حوالي خمسين يوما في ذات المعتقل الذي كنت "ضيفا" عليه في الأردن، وحين أخبرته قصتي مع الأردنيين كان يعرف تماما وعن ظهر قلب أسماء المحققين وتفاصيل العذابات التي يصنعها الأردنيون لكافة المعتقلين الذين يمرون على أيادي محققي مخابراتهم العسكرية والمدنية. في حدود العاشرة من صباح ... أغسطس 2002، كانت كتيبة مدججة بالسلام من الأمريكيين تدخل غرف اعتقالنا، وهنا يواصل ولد صلاحي حديثه عن ظروف نقله حيث يقول إن احد الحراس صاح به قائلا: استدر، وقد كنت اتقدم إلى الباب تماما كما يتقدم أحد الكباش إلى المقصلة. استدر بسرعة ـ يصيح بي أحد الحراس ـ وهناك استدرت ويداي وراء ظهري غلا أنني ولكي لا أحس بالكثير من الألم أخرجت يدي من الثقب الذي كان يسمح لنا بإلقاء القاذورات في غرفنا القذرة، إلا أن هذه اللعبة التي كانت مريحة بالنسبة التي لم تستمر طويلا حيث أخذ أحد الحراس بإبهامي ولوى معصمي بطريقة آلمتني كثيرا، وصاح بي قائلا حين تعود لمثل هذا الفعل سأكسر لك يديك. بعد ذلك بلحظات ـ يضيف ولد صلاحي ـ، أخذ احد الحراس بيدي ورجلي وقيدهما بقيود حديدية، ووضع غطاء أسود على رأسي كي لا أرى قبل أن يرميني إلى داخل غرفة كنت أحس فيزيائيا أن بداخلها إنسانا آخر خصوصا وأن حرارة جسمه كانت محسوسة لجسدي أنا أيضا، وطبعا لن يكون هذا الموجود في هذه الغرفة إلا أحد رفاقي الذين يعذبون منذ فترات متباينة في هذا السجن المقزز. كانت لحظة تواجد .. وراء ظهري هي اللحظة الحاسمة التي دفعتني إلى التأكد من أن شخصا  ما بحرارة جسده يوجد معي في ذات الغرفة.كثيرون هم الذين كانوا معتقلين معي ولا يعرفون لماذا يجدون أنفسهم في هذا المعتقل القليل الرحمة والكثير المعاناة. كنت أحس بالراحة وأنا أتجول في غرفتي بعينين معصوبتين كان ذلك الغطاء على عيني مريحا حيث كان يمنعني من أن أرى عذابات الآخرين وحيث كان يسمح لي أيضا بأن أحلم بحياة أفضل وأنا مغمض العينين حيث هامش الحلم أكثر إمكانية، حيث وفر لي هذا الجو فرصة أن أتعلم فن نسيان محيطي وأن أطلق العنان لأحلامي. كان تواجدنا في ذلك العنبر كارثة علينا بكل المقاييس، حيث كنا حوالي 35 معتقلا جميعهم من العرب ما عدا أفغانيا واحد وآخر من جزر المولديف، وكان كل واحد منا يجد نفسه وهو مربوط بصاحبه إلى حد كان التنفس صعبا وكارثيا.كان محتجزونا من الأمريكيين يتعمدون اكبر قد ممكن من إيذائنا حيث كانوا ينظموننا في صف واحد ثم يمررون حولنا حبلا طويلا قادرا على أن يحبس الدماء في عروقنا مما يدفعنا إلى إحساس كارثي بثقل الأعضاء العلوية خصوصا وأن الدماء لم تكن تمر بتلك السهولة ونحن مقيدون بعضنا جنب بعض بطريقة وحشية.

يتواصل -

جمعة, 20/02/2015 - 00:42

إعلانات