اعتذار للجميع / سيدي علي بلعمش
يجمع الموريتانيون بمحللهم السياسي و مثقفهم الكبير و أستاذهم الجامعي و صحفيهم اللامع و شيخهم المعارض و شابهم المتمرد و تاجرهم غير المهتم و إطارهم غير المنتمي، على أن معارضة موريتانيا فاشلة و عاجزة منذ ولدت، عن تحقيق أي انتصار على الأرض، مهما كان ضعف الأنظمة و مهما كان فسادها و انحرافها..
و القول إن معارضة تستطيع إنزال أكثر من مائة ألف منتمي و مناصر، في الشارع في عاصمة لا يتجاوز فيها أفراد الوحدات الأمنية عدة مئات، ليس من بينهم وحدة واحدة تفرق بين الحالات التي تتطلب رأس السهم أو القوس المفتوح، يتم حشرهم دفعة واحدة بارتباك ظاهر في كل تظاهرة، هي معارضة ضعيفة، أمر يصعب تفسيره و يصعب أكثر فهمه..
فما هي مشكلة المعارضة الموريتانية؟
و ما هو سر وقوف الأنظمة في وجهها بهذه الجسارة بل بكل هذا الاحتقار؟
ـ القول بأنها ليست معارضة، أمر سهل و يبدو حقيقيا لكنه لا يفسر أي وجه للظاهرة..
ـ القول بأنها جبانة لا شك فيه، لكن كيف يتم توزيع الموريتانيين في الأزل على فريقين؛ فريق شجاع في الأغلبية و فريق جبان في المعارضة؟
ـ القول بأنها خائنة لا يمكن الدفاع عنه، لكن خائنة لمن؟ لصالح من؟ مقابل ماذا؟ و إلى متى؟ لا نجد من يستطيع الرد على أي من هذه الأسئلة بوضوح مقنع..
ـ حين تسأل أحد قادة المعارضة عن مشكلتها، يقول لك دون تحفظ؛ نحن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ بمعنى أن الشتات الذي يتعاملون معه (المعارضة) فيه ما فيه (…) و لكي يظل متماسكا لا بد أن تتجاوز لهذا و تغمض العين ذاك و تسكت عن أولائك؟ و نفس العبارة بنفس التشكيك في الجميع يقولها لك الثاني و الثالث و العاشر … !
أليس من حقنا هنا أن ندعو الجميع إلى وقفة تأمل لهذه الظاهرة الغريبة؟؟
هنا فقط، حين تقرر أن تقف على حقيقة الحقيقة، تفهم بوضوح لا لبس فيه ، من أول وهلة، أن عليك إما أن ترفع عينيك في وجوه يمنع النظر فيها أو أن تنسى مهمتك، إذا لم تكن تسعى بروح انتحارية إلى استباحة دمك و تسفيه رأيك و التشكيك (أيضا) في حقيقة أمرك.. !!
و لا تستطيع أن تتكلم عن فساد أي أحد في هذا البلد الذي يتفق جميع أهله على فساد جميع “نخبه” من دون أن تكون حاقدا على آل البيت و حاسدا لبيت الآل و متنكرا لنضالات أبطال البلد و زعماء الأمة أو مسكونا بالطمع تنتظر من يسكتك بلفتة كريمة حتى لو لم تكن من طبعه…؟
هنا تجد نفسك في موقف لا تحسد عليه، لا يمنحك غير خيارين ليس في أي منهما ما يمكن أن يساهم في غير تدمير ذاتك بوعي أو المساهمة الفعالة بكامل إرادتك في تدمير موريتانيا: أن تجد نفسك وحيدا ضد الجميع أو تطأطئ رأسك لأمر الواقع: هذه هي مشكلة الفرد في موريتانيا و مشكلة المعارضة و مشكلة الأغلبية التي حولت الجميع إلى معاول هدم في هذا البلد.
هنا قالت الكاتبة السورية جهينة “كانت الحقيقة أكبر من أن تقال و أصبحت أكبر من أن أتحملها وحدي” .
نعم، هذا بالضبط هو حال الحقيقة في موريتانيا اليوم، فما هو العمل؟
ـ الحديث عن هفوات ولد مولود إساءة بالغة إلى تاريخه النضالي العظيم..
ـ الحديث عن هفوات ولد داداه، استفزاز متعمد لوجدان الشعب الموريتاني..
ـ الحديث عن هفوات مسعود، حقد دفين ينصح صاحبه بمراجعة طبيب أمراض نفسية..
ـ الحديث عن هفوات بدر الدين، سقوط مؤسف من ارتفاعات شاهقة، لا يأمل صاحبها النجاة..
كيف نصلح مشكلة المعارضة إذا كانت فاسدة بإقرارنا جميعا و يمنع الحديث عن من يفسدونها باتفاقنا جميعا؟؟
كيف تكون المعارضة فاسدة باعترافنا جميعا و ليس فيها فاسد بشهادة لا تقبل الطعن، منا جميعا؟
كيف تكون المعارضة جبانة و كل من فيها شجعان؟
كيف تكون المعارضة خائنة و كل من فيها أوفياء؟
ـ ليس من بين كل الأنظمة التي عرفتها موريتانيا نظام واحد يستطيع أن يصمد 48 ساعة أمام رفض خمسة آلاف متظاهر..
ـ تفريق 200 شرطي يحملون مسيلات دموع و عصي تقليدية لأكثر من 80 ألف متظاهر ، نزلوا إلى الشارع للدفاع عن أرضهم المغتصبة و كرامتهم المداسة، أمر لا يمكن فهمه.. لا يمكن تصديقه.
ـ أكثر من تهجمت عليهم في المعارضة هم أحمد ولد داداه و مسعود ولد بلخير و لا أعتذر لأي منهما الآن عن ما قلته فيه لأن عملي هو البحث عن أخطائهم لا تبريرها، رغم أنني أتفهم جيدا الإكراهات السياسية التي تتحكم في قرارات كل منهما كقادة أحزاب كبيرة، تمنع صراعات أجنحتها اتخاذ أي قرار ثوري..
و لأن مواقفي لم تكن قط شخصية من أي منهما فأنا اليوم أكثر من يؤيد موقف تكتل القوى الديمقراطية رغم أنني لم ألاق أي إطار منه قط ، بل أعتبر موقفهم اليوم كفارة لكل أخطائهم الماضية لأنه جاء في لحظة تحتل فيها بلدنا عصابة أجنبية حاقدة نهبت خيرات البلاد بلا رحمة و أذلت أهلها بانتقام؛ لا يغتفر يا بدر الدين .. لا يغتفر يا ولد مولود .. لا يغتفر يا مسعود، التذرع بأي شيء في عدم مواجهتها بالقطيعة و عدم الاعتراف بها و عدم التعاطي معها بأي شكل و لأي سبب..
لا يا ولد مولود .. لا يا بدر الدين .. لا يا مسعود ، الخيانة ليست وجهة نظر .. الخيانة ليست رأيا حرا نقبله أو نرفضه بتفهم: من يتعاطى مع نظام عزيز خائن .. من يعترف بنظام عزيز خائن .. من يتواطأ مع نظام عزيز مجرم في حقنا و عليه أن لا ينتظر منا غير ما ينتظره عزيز نفسه ..
لن نبتلع كلماتنا .. لن نخفي مواقفنا .. لن نحسن عباراتنا ..
و مخطئ من يعتقد أن صراخنا و رفضنا سيظل مناسبات سعيدة لارتفاع أسهمه في بورصة المساومات..
مخطئ من يعتقد أن المعارضة ستظل هنة بلا رب يحميها ، يختلط فيها الحابل كيفما اتفق بالنابل..
كان عليكم أن تفهموا أن موريتانيا اليوم تعيش ظرفا استثنائيا لم يعد للتذاكي فيه أي مكان..
كان عليكم أن تفهموا أننا نمشي على جراحنا المؤلمة.. على كراماتنا المداسة .. على شقاء شعبنا المهان..
كان باستطاعتكم أن تلاحظوا و تتفهموا أن رفض هذه العصابة المجرمة تشارك فيه اليوم لأول مرة تشكيلات لم تكن في يوم من الأيام معنية بالشأن السياسي : مطربون، فنانو راب، شعراء كتاب، حركات شبابية، ليس من بينهم مؤدلج و لا منتسب إلى أي جهة سياسية .. كلهم قرر أن يناطح هذا الظلم برأس منتحر، غير آبه بما قد يكلفه الأمر.
إن تعاطيكم اليوم مع هذا الوضع بتفهم تصفونه بالتعقل، إساءة بالغة إلى مأساتنا .. إهانة بالغة لشعبنا المعسكر في الشمس .. خيانة مؤسفة لنخبة كنا نصفها بالوفاء و الوعي و الوطنية..
ـ أنتم من صنع المعارضة لا أنا..
أنتم من تحتاجه المعارضة لا أنا..
ـ أنتم من مزق المعارضة لا أنا..
ـ أنتم من يستطيع إعادة الحياة لروح المعارضة لا أنا..
ـ ربما كان من حقكم أن تتلكئوا ..
ـ ربما كان من حقكم أن تتريثوا..
ـ ربما كان من حقكم أن تترددوا..
لكنه من حقنا أن نحكم عليكم بالسقوط، إذا كان قراركم بعد طول تأمل هو أن الحل ما يقدمه ولد عبد العزيز.. !!
ما حاجتنا إلى موريتانيا إذا كنا لا نستطيع أن نحميها ؟
ما حاجتها إلينا إذا كنا لا نستطيع أن نضحي بقطرة دم من أجلها؟
و تذكروا جيدا مثل ما قاله دي جول يوما للفرنسيين ؛ ليس لأي منا فضل على موريتانيا، إن فضل موريتانيا علينا جميعا.
ألا يكفيكم إدانة ـ إذا كانت موريتانيا أمانة في أعناقكم ـ أن تكون اليوم رهينة في يد هذه العصابة و أنتم على ما أنتم عليه من خلاف و تشرذم؟؟
رغم كل هذا ، تظل موريتانيا بحاجة إليكم جميعا و يظل أملنا في أن ننسى كبوة حصان كل منكم ..
تحياتي إلى القائد الكبير مسعود و إلى المناضل العظيم بدر الدين لكنه لا يحق لي أن أعتذر باسم موريتانيا و إن كنت أتمنى من كل قلبي أن أكون أنا من كنت المخطئ في حق كل منكما.. و ما أكثر أخطائي في حق الجميع..
أحد, 26/07/2015 - 16:58