استيقظت اليوم على تهديدات بالقتل بعضها مسجل لدي لأنه جاء عبر البريد وبعضها كان عبر الهاتف,وفي كل مرة أحاول أن افهم السبب فيقول لي احدهم: ايديشللي لاهي يكتلوك أنت شقي, وكذا و كذا إلى غير ذلك من الكلام الذي لم اعرف له سببا إلى ذلك الوقت ولم يكن في النهاية ليخيفني لأنني لم أظلم ابدا ولست بالمؤهل لأن اظلم قبل أي كان..في البداية قررت أن أتقدم إلى السلطات الأمنية بالتهديدات التي وصلتني وان استعد لمواجهة مجهول.. لكن بما أن اسم قبيلة احترمها ورد في التهديدات قررت التريث إذ لاعلم لي بخطأ ارتكبته خلال عقودي الأربعة في حق مجموعة قبلية, فليس هذا ديدني ولا سبيلي في التعامل..حاولت طيلة ساعات أن أجد محدثا في سني على الأقل حتى افهم منه فقد كان المتحدثون الغاضبون مراهقين في اغلبهم, إلى أن حدثني احدهم وكان كبيرا نسبيا ومثقفا ومحترما فأخبرني أنني أسأت إلى القبيلة حين نعتها بقبيلة “آزناكة” و انني أسأت إلى احد الشهداء حين وصفته بالآزناكي أو اللحمة..هنا عدت إلى المقال السابق ابحث فيه عن مثل هذه النعوت, ذلك أنني اكتب في الصحف والإذاعات والتلفزيونات الوطنية والدولية منذ ثلاثين سنة, لم أكن عبقريا خلال هذه المدة, ولم أكن متميزا لكنني بقيت حريصا على أن لا أتحدث عن قبيلة ولا عشيرة ولا طوطم, فأنا افكك المجموع عادة حتى يسهل علي التعامل معه, ولا اهتم لموضوع القبائل كثيرا لكن في المقابل لا أريد إن اترك أثرا غير طيب لدى أي كان, فما بالك بمجموعة قدمت الشهداء الواحد تلو الآخر وفي معارك كتب عنها الفرنسيون وليس كتاب التاريخ الذين اعرف تحريفهم, والذين يجاملون عادة ويكذبون..أنا صراحة لا أثق في كتبة التاريخ من الموريتانيين تماما كما لا أثق في مجمل النصوص الاستعمارية, لكن حين يشهد لي المستعمر نفسه بأن فلانا أرهقه وأذاقه الأمرين وجنبه الخسائر البشرية والمادية ويوافق هذا الكلام التاريخ الذي لدى المكتبات والمحكي من القصص سيكتب عندي الأمر على انه حقيقة لا تقبل الشك, وهذا بالضبط ما حدث حين حكيت قصة الشهيد ولد اعميرة رحمه الله, لكن الخلل جاء من الترجمة فالمترجم أكد بتقصيره دعوى الرائد افرير جان حول الشهيد :فحين قال الفرنسي الغاضب الناقم: “ولد احموراة آزناكي “تناك” او “ايديشللي” استلمت المعلومة كما هي فلا احد في هذه القبيلة عرف بهذا الاسم, ولأن التاريخ عندنا لا يذكر أسماء آزناكة عادة او اللحمة او الصناع او العبيد قلت: هذا لم يشتهر لأنه من هؤلاء أي انه ممن أسميتهم “سكان ما وراء الخط الأحمر” وبدأت اسرد قصته..والحقيقة أن من ترجموا الكتاب كان عليهم أن يبذلوا جهدا ولو بسيطا لتصحيح الاسم خاصة أن القصة معروفة لديهم والرجل أشهر من أن يجهل.. ولهذا وجب أن اعتذر لقرائي لكنني أعدهم بأن أظل ابحث عن أمجاد من لم يكتب عنهم تاريخنا الظالم ولاشك أنهم كثيرون..كما وجب أن اعتذر لمن أسأت إليهم بما كتبت. أما الشهيد فلن اعتذر له لأنني أدرك انه مسلم صادق الإسلام والإيمان وفي ردوده على أسئلة المحكمة الصورية اكبر دليل على انه أراد إفناء الفرنسيين المستعمرين لأنه يبحث عن الجنة, والأكيد أن بحثه عن الجنة بهذه الطريقة البطولية غير المريحة يجعل منه شخصا اسمي منا جميعا ومن طبقيتنا المقيتة الكاذبة.. انأ موقن انه ما كان ليغضب لو نعته احدهم وهو حي بأنه لحمة أو حية او “آزناكي” ..ببساطة لأنه يعرف في قرارة نفسه أن من رفض استعمار فرنسا وقارعه ولم يقبله لن يقبل بان يكون تبعا لموريتانيين مثله اواقل منه شأنا لأنه مات في سبيلهم في حين أنهم أو أكثرهم آثروا الحياة تحت الظلم والاستعمار..لكم اعتذر فقد افتريت عليكم, وهذا صحيح وليس مني بل من الترجمة, أما الشهيد فاتركوه لي لأنه شهيدي وشهيد ديني ووطني وانأ اعرف انه كان ليضحك لو قرأ ما كتبت, فتفكيره أعمق ونظرته اشمل والناس عند المؤمن مثله سواسية…والطبقية من صنع الظالمين. لقد قرأت مرارا عن عمليات ايديشللي بمختلف أفخاذهم واذكر أنهم قدموا قوافل من الشهداء في مقاومتهم ضد الفرنسيين..كما وصلتني الحكايات عن انطلاقهم في بعض هذه العمليات من امحيرث حيث أهلي وارضي ونخيلي, وحيث تاريخم مدون في مكتبتنا(مكتبة أهل بلعمش) لكن يبدو انه كان لابد أن اكتب مقالي السابق حتى أصل رحما منهم وأنعش ذاكرتي بقراءة ملاحمهم من جديد..ما كان من شيمتي نكر على احد..فما بالك بمن قال فيهم الله سبحانه وتعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
محمدالأمين ولد محمودي ـ