مرة بعد أخرى يتناقص حجم الحضور الشعبي لمسيرات المعارضة، وشيئا فشيئا يخبو زخمها الاعلامي وتتلاشى قدرتها على الحشد والتأثير، ويبدو الإعياء والسأم قد أخذ من زعمائها وقادتها كل مأخذ، شيء واحد ظل ثابتا لا يتغير: اللغة الخشبية والشعارات النمطية والصراخ الفارغ من أيّ معنى، والرؤية الضبابية والتناقض المبين، ناهيك عن سوقية الخطاب المشحون بالسباب والشتائم وساقط القول وتافهه..
تمر السنين والأيام وتتغير الظروف وتتبدل المواسم، وتبقى المعارضة الموريتانية مثالا للغفلة والبلاهة، بميوعتها ورخاوتها وتفلسفها التافه الذي يحاول انتحال العمق والمنطق، تُطل مرّة من ساحة ابن عبّاس وتتقافز تارة من ساحة سوق "أكليبنك" وتلوذ أخيرا بشارع "المتحف" ، غير بعيد من "دار السينمائيين" وكأنها تبحث عن موقعها الطبيعي بين الباعة والبضائع، وبين "الأشياء العتيقة" التي عفا عليها الزمن..
مشكلة المعارضة ـ مشكلتها الحقيقية ـ أنها تتخاصم مع نفسها، وتتناقض مع مبادئها وأهدافها، وتتخبط في قراراتها، وتتلعثم في تصريحاتها، وتتعثر كالبطة العرجاء في خُطاها، وتستنزف نفسها وتبدد طاقاتها وتتجادل وتتخاذل وتمنح الفرصة تلو الأخرى لمنافسيها وخصومها، على طبق من ذهب، وكل ذلك راجع بالأساس إلى تركيبتها البنيوية التي لا تستند إلى قناعات مشتركة أو مبادئ جامعة بل على مآرب شخصية ومصالح آنية وأنانية، فهي ليست صاحبة رؤية واحدة وموحدة، أو مشروع خاص ومتميز ولم تقدّم في يوم من الأيام انجازا يُحسب لها ويسجل في صفحات تاريخها، بل اقترفت العكس تماما، فكان خطابها التحريضي والمشحون، والذي لا يتورع عن شيء، وبالًا على التلاحم الشعبي، وباعثا على القلق والتذمر في قواعدها الشعبية، وحتى في كوادرها التي تُنسحب منها مثنى وثلاث ورباع..
وفي مهرجانها الأخير ظهرت المعارضة، خالية من التكتل والدسم، وقد خارت قواها وتعبت من نفسها، وتاهت بوصلتها وأسلمت زمام أمرها لأسفل أبناءها واهبة نفسها للضياع، بدت وقد سئم الناس منها، وملّوا من التعاطف معها، وخذلها أقرب المقربين منها، بعد أن احترقت كلّ أوراقها، وخابت جميع خططها، وخسرت كل رهاناتها، وأثبتت للجميع أن قادتها الذين ركبوا الناس واستغلوا مطالبهم ومآسيهم إنما فعلوا ذلك سعيا وراء مصالحهم الذاتية ولهثا وراء أطماعهم الشخصية وليس إخلاصا للوطن ولا حبا للشعب.
بقلم/ سيدنا ولد الشيخ [email protected]