لقد نتج عن الانفتاح الديمقراطي الذي شهدته بلادنا ، وما صاحبه من حرية إعلامية ، تزامنت مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي جو غير مسبوق من الحرية بدأ يطرح من حين لآخر بعض المسائل والإشكالات من حيث كيفية ملاءمة هذه الحرية مع الضوابط الأخلاقية وحدود المألوف والمتعارف عليه اجتماعيا ودينيا.
ولست في هذا المقال بصدد البحث في جدلية الأخلاق والسياسة. فذلك مبحث تناوله الفلاسفة ، و علماء الاجتماع، والمشتغلون بالعلوم السياسية وأجمعوا - تقريبا - على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية ، وأنماط الأنظمة السياسية ، والمنظومات القيمية ، والسلوكيات الاجتماعية التي عايشوها أو سادت في عصورهم - أجمعوا على حصر المفهومين السياسي والأخلاقي في تعريف يمكن تبسيطه لحد القول إن السياسة هي فن تدبير وتسيير وقيادة الجماعة (البشرية) نحو الأفضل وإن الأخلاق هي منظومة المثل والقيم التي توجه نفس الجماعة إلى الأفضل.
وهكذا يمكن طرح الإشكال المتعلق ببلادنا على النحو التالي : هل تعكس الممارسة السياسية في تجلياتها ( ومظاهرها) حضور الجانب الأخلاقي الذي يفترض به أن يوجه الفعل السياسي نحو الهدف المثالي ( الأخلاقي) ؟؟
لمحاولة الإجابة على هذا الإشكال يجدر بنا إمعان النظر في خصوصية ديمقراطيتنا فعلى الرغم من وجود أغلبية تحكم ، إلا أنه توجد عندنا معارضتان على عكس الديمقراطيات الأخرى . إحدى هاتين المعارضتين تلعب دورها الطبيعي كثقل مضاد. تنتقد أداء الأغلبية وتقترح البديل معترفة بشرعية المؤسسات التي هي جزء منها. أما المعارضة الأخرى المعروفة بالمعارضة المقاطعة أ و معارضة المقاطعة ( أو القطيعة ) فهي لا تعترف بشرعية النظام إلا إذا كان في ذلك مصلحة حزبية ضيقة أو صادف هوى عند بعض قادتها. لذا فهي عبارة عن مجموعة من الكيانات ( أحزاب وأفراد) تجمعها "معارضة" حتى لا نقول بغض لشخص رئيس الجمهورية، وتفرقها أشياء كثيرة أخرى. ونتيجة لغياب التجانس واختلاف المشارب بل وتناقضها أحيانا فهي لا تجتمع إلا عندما يتعلق الأمر بمحاولة إلحاق بعض "الأذى " أو العليا سياسيا وأخلاقيا.." الضرر" بشخص الرئيس. حتى ولو كان ذلك على حساب أبسط القواعد والنظم الأخلاقية ، أو كان انتهاكا صارخا لخصوصية الحياة العائلية وحميميتها ، فتحقيق الهدف "السياسيوي" الرخيص والقريب المدى يبرر في نظرها أي وسيلة لتحقيقه مهما كانت درجة اصطدامها بالدين والعرف والأخلاق. قد تجد هذه المقاربة بعض الدعم "المرجعي" عند الكاتب الإيطالي المشهور في القرون الوسطى "مكيافللي" الذي دعا في كتابه " الأمير" إلى عدم اعتبار الضوابط الأخلاقية عقبة في سبيل تحقيق الأهداف السياسية. لكنه لم يصل - كمعارضتنا - لحد الولوغ في الأعراض وهتك الخصوصيات . فذلك "شأو" لم يسبقها إليه أحد.
أخيرا حبذا لو راجعت معارضتنا المقاطعة مجمل سياساتها وأعادت بناء مواقفها على أسس واقعية وموضوعية و بعيدا عن المزاجية الانفعالية، لتتأكد أن الأخلاق هي نتيجة للحق والعكس ليس صحيحا. ولتفهم أن الخير والشر قيمتان أخلاقيتان لكنهما تخضعان لقيمتين سياسيين هما العدل أوالظلم. حينها فقط ستكون عندنا - كغيرنا - معارضة واحدة تطمح مثل الأغلبية - على اختلاف في الرؤى [البرامج] - إلى تحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطن.