بسم الله الرحمن الرحيم
حديث في بطلان بعض الإجراءات في المجال الجزائي
إبطال الإجراءات هو إعدامها بحيث تتلاشى ولا يكون لها أيّ مفعول ويؤمر بسحب المحاضر محلّها من الملف ويمنع الاحتجاج بها أمّا مفهوم الإجراءات فيشمل في المجال الجزائي تقريبا كلّ الأعمال التي يمكن تصور قيام أفراد الضبطية القضائية بها خاصة ضباط الشرطة القضائية في إطار عملهم المنصوص على أكثره في هذا المجال بالمادة: 20 من ق إ ج والذي كثير ما يتعلق بالبحث عن الجرائم والمجرمين وإنجاز المحاضر المتعلقة بذلك في إطار الظروف والأشكال المنصوصة بالمواد: 21- 22- 23- 47 وما بعدها خاصة المواد: 54- 55- 57- 58- 59- 60- 67- 70- 119- 120- 154- 155- 157 الكل من ق إ ج والمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب والمادة: 24- 25- 26 من قانون مكافحة المخدرات والمادة:23-24 -25- 26- 27 من قانون مكافحة الإرهاب والمادة: 101 من قانون الحماية الجنائية للطفل والمادة: 27 من قانون مكافحة الفساد وكلّ الإجراءات التالية لذلك حتى البتّ في القضية بحكم باتّ ونهائي لا معقب له ... ويترتب عادة إبطال الإجراء على مخالفة الطريقة التي أنجز بها للقانون Alexandre Gallois les nullités de procédure pénal p 53 ) لذلك فإنّ الحديث فيها وعنها يكون على درجة عالية من الأهمية ليس لتشعبها فحسب وإنّما لأهميته بالنسبة للمهنيين بصفة عامة والمتهمين ..... والمشتغلين بالدفاع عن حقوق الإنسان وهذا ما يجبر على قصر الحديث في مقال كهذا على أسباب بطلان بعضها لذلك فسيقتصر الحديث هذه المرة عن أسباب بطلان البحث الابتدائي والتحقيق الإعدادي
وسأتناول الموضوع عبر تقسيمه إلى مطلبين أخصص الأول منهما للخروق الإجرائية التي يمكن أن تؤدي إلى بطلان الإجراءات ومن له إثارتها بينما أتناول في المطلب الثاني الوقت الذي تجب إثارتها فيه والمحاكم التي تمكن إثارتها أمامها
المطلب الأول: بعض الخروق الإجرائية التي يمكن أن تؤدي إلى بطلان البحث الابتدائي والتحقيق الإعدادي ومن له إثارتها
سأقسم هذا المطلب إلى فقرتين أتناول في الأولى منهما بعض الخروق الإجرائية التي يمكن أن تؤدي إلى بطلان الإجراءات بينما أخصص الثانية لمن له إثارة هذه الخروق
الفقرة الأولى: بعض الخروق التي يمكن أن تؤدي إلى بطلان البحث الابتدائي والتحقيق الإعدادي
يشار في البداية إلى أنّ المشرع لم يحدد بشكل دقيق وعلى سبيل الحصر الخروق الإجرائية التي يمكن أن تؤدي إلى بطلان الإجراءات إلا أنّه نصّ على إمكانية أنّ تؤدي بعض الخروق الإجرائية التي تحدث في البحث الابتدائي أو التحقيق الإعدادي الإجراء محلّها للبطلان كما أنّه نصّ في حالات أخرى وبطريقة مجملة على أنّ بعض الخروق يمكن أن تؤدي إلى بطلان الإجراء موضوعها لمساسها بحقوق الدفاع التي ورد ذكر وجوب احترامها في كثير من النصوص القانونية خاصة قانون الإجراءات الجنائية الذي تحدث عن الموضوع في مواد عديدة منه منها المواد: 11- 48- 49- 50- 50- 52-85- 128- 169-207 ....
أولا- الحالات التي نصّ فيها المشرع على أنّ عدم مراعاة الإجراء لمقتضى معين تعرضه للبطلان ومنها على سبيل المثال طبعا
1- بالنسبة لمحضر البحث الابتدائي: ومنها الحالات التالية:
* ما جاء في المادة:49 من ق إ ج من أنّ على ضابط الشرطة القضائية اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على السرّ المهني وحقوق الدفاع والشعائر الدينية وذلك أثناء دخوله لمنازل المتهمين أو غيرهم من أجل حجز أشياء تفيد في إثبات الجريمة بينما جاء في المادة: 52 من ق إ ج أنّ عدم احترام تلك الشكليات يعرض الإجراءات محلّه للبطلان
* ما جاء في المادة:50 من ق إ ج من أنّ على ضابط الشرطة القضائية أثناء حجزه للأشياء المبينة في المادة: 49 من ق إ ج بالإضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على السرّ المهني وحقوق الدفاع والشعائر الدينية أن يقوم بإحضار المتهمين لتفتيشات منازلهم وحجز الوثائق التي تثبت أو تساهم في إثبات وقوع الجريمة هم ومن يحوز هذا النوع من الوثائق أو الأشياء أو دعوتهم لتعيين ممثلين لهم لحضور هذه العمليات وأنّ ذلك إذا لم يكن ممكنا لأيّ سبب كان وجب على ضباط الشرطة القضائية إحضار شاهدين لتقع هذه العمليات أمامهما ونصت المادة: 52 من ق إ ج على أنّ عدم مراعاة هذه الشكليات يعرض الإجراء للبطلان
* ما نصّت عليه المادة: 52 من ق إ ج من أنّ القيام بالتفتيشات والزيارات قبل الساعة الخامسة صباحا أو بعد العاشرة ليلا يعرض الإجراء للبطلان ما لم يكن الدخول ناتجا عن طلب من داخل المنزل أو كان في إطار مكافحة تهريب المهاجرين الذي تنص الفقرة الثانية من المادة: 24 من قانون مكافحته على أنّه ( يمكن للتفتيش والزيارات أن تتم بالنهار أو بالليل ) أو يتعلق الأمر بالجرائم الإرهابية التي تنص المادة: 27 من القانون المتعلق بمكافحتها على أنّ لضباط الشرطة القضائية المختصين بأمر من وكيل الجمهورية القيام بتفتيش المنازل للبحث عن الأدلة المثبتة
لها في أيّ وقت بعد الحصول على إذن بذلك من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق في حالة إنابته للضابط أو كان الأمر متعلقا بجرائم المخدرات ذات الخطر حيث جاء في المادة: 25 من قانون مكافحة المخدرات جواز إجراء ( زيارات وتفتيشات ومصادرات في الأماكن التي تتعاطى فيها بشكل جماعي المخدرات ذات الخطر البالغ وفي الأماكن التي توضع فيها أو تحول أو تودع بصفة غير شرعية ... وذلك في أيّ ساعة من ليل أو نهار ) هذا ما لم يكن المكان الذي تستعمل فيه المخدرات ذات الخطر البالغ بشكل جماعي أو تودع فيه منزلا أو شقة ففي هاتين الحالتين يلزم الحصول على إذن بذلك من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق في حالة إنابته للضابط وذلك خارج الأوقات المحدّدة بالمادة: 52 المنوه بها أعلاه ونشير إلى أنّه خارج ما سبق وفي غير حالات التلبس فإنّ المادة: 69 من ق إ ج نصت على أنّه لا يمكن لأفراد الضبطية القضائية القيام بالزيارات المنزلية ولا بالتفتيشات ولا بحجز المستندات المثبتة للتهم إلا بإذن صريح ممّن تقع عليه هذه العمليات ويجب أن يكون هذا الإذن موضع ملاحظة موقعة من طرف المعني يتضمنها المحضر وإذا لم يأذن الشخص المعني في ذلك يحصل الضابط على الإذن من وكيل الجمهورية ولم ترتب المادة هنا عقوبة على انتهاك حرمة المنزل غير أنّ المواد: 178 – 111 – 112- 178 من ق ج من المادة: 27 من قانون مكافحة الإرهاب المشار إليها أعلاه نصت على أنّ التجاوزات المتعلقة بانتهاك حرمة المنازل تعرض فاعلها لعقوبة حبسية خطيرة بل يفهم من المادتين: 178 و 112 من القانون الجنائي وفي مجموع مقتضياتهما أنّ الوزير الذي أمر بذلك تكون عقوبته الأشغال الشاقة المؤقتة وأنبّه إلى أنّ المادة: 120 من ق إ ج تنصّ على عدم جواز دخول المنازل قبل الساعة الخامسة صباحا ولا بعد الساعة العاشرة مساء حتى ولو كان ذلك تنفيذا لأمر بالقبض
2- بالنسبة للتحقيق الإعدادي: منها على سبيل المثال لا الحصر
* ما جاء في المادة: 94 من ق إ ج من أنّ:
* الإضافات و التشطيبات والتخريجات التي تتضمنها محاضر الاستماع للشهود تعتبر لاغية ما لم يتم تصديقها من طرف قاضي التحقيق وكاتب الضبط والمترجم ... ولا غية في هذا السياق بمعنى باطلة
* أنّ محاضر الاستماع للشهود تعتبر لاغية ما لم توقع توقيعا صحيحا و لاغية أزعم أنّها في هذا المقام مرادفة لباطلة
* ما يفهم من نص المادة: 84 من ق إ ج أنّه لا يجوز لقاضي التحقيق القيام بالتفتيشات خارج الأوقات المحددة في بالمادة: 52 من ق إ ج
المشار إليها أعلاه إلا بشروط هي أن يكون ذلك لمنزل المتهم وأن يرافقه وكيل الجمهورية في عملية التفتيش وأن تتعلق القضية الموجبة للتفتيش بجناية وبغياب أيّ من الشروط يكون التفتيش باطلا تطبيقا للفقرة الثانية من المادة: 52 آنفة الذكر
ثانيا- الحالات التي نصّ فيها المشرع على أنّ مساس الإجراء بحقوق الدفاع يمكن أن يترتب عليه البطلان
يشار إلى أنّه لا يوجد تعريف موحد جامع مانع لحقوق الدفاع غير أنّ البعض يعرفها بأنّها مجموعة الامتيازات الممنوحة للشخص من أجل الحفاظ على مصالحه أثناء سير الدعوى Jean Pradel procédure pénal Cujas 14 édition p 353 وانطلاقا من ذلك يمكن أن تؤدي إلى بطلان البحث الابتدائي والتحقيق الإعدادي الأمور التالية
أولا- بالنسبة للبحث الابتدائي:
تترتب للشخص بمجرد إخضاعه للحراسة النظرية (لتعريفها يمكن الرجوع لموقع الهيئة الوطنية للمحامين) كثير من الحقوق التي يمكن أن يشكل عدم تمتيعه بها مساسا خطيرا بحقوق الدفاع بالمفهوم المشار إليه أعلاه ويحتمل أنّ من أهمّها:
1 –الإخبار بالحقّ في الاتصال بأحد أقاربه: يجب على ضابط الشرطة القضائية إشعار المعتقل بأنّ له الحقّ في الاتصال بأحد أقاربه أو أيّ شخص آخر يريد الاتصال به وذلك بعد تقريّر إخضاعه للحراسة النظرية وذلك تطبيقا للفقرة الثانية من المادة: 58 من ق إ ج والمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وجاءت في المادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان مقتضيات مشابهة لما ورد في المادتين أعلاه
2- الإخبار بالحقّ في الاتصال بمحام: تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب أصبح من الواجب على ضابط الشرطة القضائية عند توقيفه لأيّ شخص بقصد إخضاعه للحراسة النظرية أن يخبره بأنّ له الحقّ في الاتصال بمحاميه بل يفهم من المادة أنّه يجب عليه إخباره بأنه له الحقّ في الاستعانة بأيّ شخص يمكن أن يساعده في دفاعه ويستمد هذا الإخبار جدوائيته من ندرة وجود المحامين في أكثر ربوع البلد في الفترة الراهنة
3- الإخباره بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية والحصول عليها في وقت وجيز: تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب يجب على الضابط إخبار الموقوف بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية والحصول عليها بشكل سريع وفي الدول الأخرى وعندما يطلب المعتقل تعهيد محام له من طرف ضابط الشرطة القضائية يكون على ضابط الشرطة القضائية الاتصال بنقيب المحامين ليخبره بعنوان محامي المداومة أمّا إذا أخبر المتهم الضابط بعنوان محاميه فإنّ التأخر في الاتصال مدة ساعة بمحامي المتهم يعد انتهاكا لحقوق الدفاع Alexandre Gallois op. cit p 213
4- الإخباره بأنّ له الحقّ في أن يعرض نفسه على طبيب: تطبيقا لذات المادة أي المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب يجب على الضابط أن يخبر المعتقل فور إخضاعه للحراسة النظرية بأنّ له الحقّ في عرض نفسه على طبيب وذلك على حسابه
5- الإخبار بهذه الحقوق فورا: يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر المعتقل فور اعتقاله بهذه الحقوق أو على الأقل عند وصوله للمفوضية أو مخفر الدرك بل يجب أن لا يتجاوز الوقت الفاصل بين الاعتقال والإخبار بهذه الحقوق أكثر من 30 دقيقة Alexandre Gallois op. cit p 208 ما لم تحل دون الإخبار ظروف قاهرة
وفي الأخير يشار إلى أنّه يفهم من الفقرة الأولى من المادة: 58 و الفقرة الثانية من المادة: 59 الجميع من ق إ ج والمادتين: 2 و 10من قانون مناهضة التعذيب أنه لا يمكن تعريض المتهم لأيّ تعذيب بما في ذلك تعريضه للجوع أو العطش أو إطالة مدد التحقيق معه من طرف ضباط الشرطة القضائية فكلّ ذلك يمكن أن يعتبر تعذيبا ويؤدي إلى بطلان محضر البحث الابتدائي كما أنّ من نافلة القول أنّ الإخبار يجب أن يكون بلغة يفهمها المعتقل كما يفهم من مختلف مضامين مقتضيات المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب والسياقات التي تتم فيها أنّ الإخلال بها ماس بحقوق الدفاع بشكل لا مراء فيه وذلك حسب زعم محكمة النقض الفرنسية في عدة أحكام لها Alexandre Gallois op. cit p 118
ثانيا- بالنسبة للتحقيق الإعدادي:
من المعلوم أنّ المشرع منح المتهم في إطار التحقيق الإعدادي كثيرا من الحقوق عبر المواد: 11-49- 50- 52 -101- 102- 103- 105-121-138-141-143-144-145-155-169-170-182-183-186-178-188 وغيرها من ق إ ج باعتبارها حقوقا للدفاع ويمكن تقسيم بعض هذه الحقوق إلى نوعين ذلك أنّ بعضها يتعلق ببعض الإشعارات كما أنّ بعضها يتعلق بقيام قاضي التحقيق ببعض الأمور لمصلحة المتهم
أ- قيام قاضي التحقيق بإعطاء المتهم مجموعة من الإشعارات: وتتعلق أساسا بإخبارالمتهم بحقوق منها:
1- إشعار المتهم بأنّ له الحق في تعهيد محام: جاء في المادة: 101 من ق إ ج أنّ على قاضي التحقيق عند مثول المتهم أمامه وقبل أن يسأله عن أيّ شيء أن يخبره بأنّ له الحقّ في اختيار محام من بين المحامين المعتمدين وتستنتج أهمية هذا الحقّ ممّا جاء في الفقرة الخامسة من ذات المادة من أنّه إذا صرح المشتبه به باسم محام فإنّه يستدعى فإذا لم يحضر خلال 24 ساعة جاز لقاضي التحقيق توجيه الاتهام الأمر الذي يستنتج منه أنّ للمتهم الحقّ في أن ينتظر قاضي التحقيق محاميه هذه المدة الطويلة نسبيا بل إنّه يجب على قاضي التحقيق انطلاقا من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب إخبار المتهم عند إحالته إليه إذا لم يكن له محام بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية
والحصول عليها بشكل سريع خاصة إذا كشفت له المحاضر عن عدم إخباره بهذا الحق قبل إحالته عليه
2- الإشعار بالحقّ في الصمت:على قاضي التحقيق إشعار المشتبه فيه بعد سؤاله له عن هويته والإشعار المتعلق بالمحامي وقبل إخباره له بالوقائع المنسوبة إليه بأنّه له الحقّ في أن لا يدلي بأيّ تصريح ويشار إلى أنّ هذا الإشعار تجب الإشارة إليه في محضر المثول الأول تطبيقا لآخر الفقرة الثانية من المادة: 101 من ق إ ج
3- إخبار المتهم بالوقائع المنسوبة إليه والتكييف القانوني لها: على قاضي التحقيق أن يخبر المتهم بالوقائع المنسوبة إليه والتكييف القانوني لها لكي يتسنى له هو ودفاعه الردّ عليه وإعداد الدفاع .....
ب- قيام قاضي التحقيق ببعض الأمور لصالح المتهم: ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- التحقيق في مزاعم التعرض للتعذيب: تطبيقا لروح قانون مناهضة التعذيب ونصّ المادة: 9 منه يجب أن يعرض قاضي التحقيق المعتقل الذي يدعي تعرضه للتعذيب على أيدي أفراد الضابطة القضائية على الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التي منحتها المادة: 3 من القانون رقم: 2015/ 34 المنشئ لها ( الصادر في عدد الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية رقم: 1344 المنشور بتاريخ: 30 سبتمبر 2015 ) صلاحية التحقيق في هذه الأمور خاصة إذا ظهرت مؤشرات تشي باحتمال صدق مزاعم المعتقل
2- وجوب انتداب محامي للمتهم: يشار إلى أنّ الأصل في المجال الجنائي انطلاقا من الفقرة الرابعة من المادة: 101 من ق إ ج هو انتداب محام للمتهم كما أنّ هذا النص تعزز بما جاء في المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب المشار إليها أعلاه وانطلاقا من مختلف النصوص المتعلقة بالموضوع فإنّه يجب على قاضي التحقيق تعهيد محام للدفاع عن المتهم إذا كان المتهم قاصرا تطبيقا للمادة: 110 من ق ح ج ط أو كان معاقا إعاقة يمكن أن تؤثر على دفاعه تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة: 101 من ق إ ج أمّا البالغ السليم من الإعاقة فيجب التمييز في ما يتعلق بحالته بين عدّة احتمالات تختلف بحسب جوابه لسؤال قاضي التحقيق عن محاميه وإخباره له بحقّه في طلب المساعدة القضائية والحصول عليها بشكل سريع تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وذلك على النحو التالي:
* إذا قال إنّه يرفض أن يوكل له محاميا وسيدافع عن نفسه تركه القاضي وواصل معه الإجراءات
* إذا قال إنّه له محام وذكر اسمه وصرّح بأنّه يريد استدعاءه وجب على القاضي الاتصال بالمحامي وإخباره بأنّ موكله سيستمع إليه في مثول أول وأنّ عليه
الحضور فورا فإن حضر بدأ معه المثول وإن قال إنّه بعيد ولا يمكنه الحضور خلال 24 ساعة أخبره بأنّ له الحقّ في أن ينتدب له محام يساعده في مثوله فإن رفض ذلك أكمل معه القاضي جلسة المثول في غياب محاميه ووجب عليه استدعاء المحامي للاستجوابات التالية هذا مع الإشارة إلى أنّه يفهم من الفقرة الخامسة من المادة: 101 من ق إ ج أنّ على قاضي التحقيق انتظار المحامي مدّة: 24 ساعة إذا كانت كافية لحضوره أو وعد بالحضور خلالها
* إذا قال المتهم بأنّه له محام يريد استدعاءه فيما بعد تركه حتى يذكر اسمه وواصل معه الإجراءات
* إذا قال المتهم إنّه لم يتخذ بعد موقفا في الموضوع تركه وواصل معه إجراءات التحقيق دون محام مفترضا أنّه يرفض توكيل محام بصفة ضمنية
* إذا قال المتهم إنّه ليس له محام ولا يملك موارد تسمح له بتعهيد محام وطلب من القاضي أن يعهد له محاميا عهّده له (Pierre Chambon et Christian Guéry droit et pratique de l’instruction préparatoire pp 332-333 )
هذا ويشار إلى أنّ الحقّ في الحصول بسرعة على المساعد القضائية المنصوص عليه في المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب لم توضع آلية لتجسيده على أرض الواقع حسب علمي المتواضع طبعا وما لم توضع تلك الآلية يمكن أن يبقى حبرا على ورق ما لم يفسر القضاء مضمون المادة بأنّ لكلّ محكمة تعهيد محام للمتهم ويتم تسهيل صرف أتعابه ذلك أنّ أكثر المحاكم تطلب من المحامين أن يتطوعوا بالدفاع عن المتهمين ولا تزودهم بتسخيرات ولا يطلبونها لعلمهم باحتمال عدم صرفها ويبقى هذا التعهيد لتصحيح الإجراءات ظاهريا بينما هي في الحقيقة غير صحيحة وتمس بحقوق الدفاع مساسا خطيرا
وعموما عندما يكون للمتهم محام سواء تمّ تعهيدة من طرف القاضي المحقّق معه أو بمبادرة منه أعني المتهم فإنّه حينئذ يجب أن يحضر أيّ استجواب أو مواجهة يقام بها في إطار التحقيق مع موكله انطلاقا من ظاهر نصّ المادة: 105 من ق إ ج أو على الأقلّ وجب أن يستدعى بشكل صحيح لأي استجواب لزبونه أو مواجهة بينه هو وشاهد أو طرف مدني ما لم يتنازل عن ذلك أو كان المحامي لا يقيم بمقر المحكمة ولم يطلب المتهم أو المحامي حضور هذا الاستماع أو المواجهة وخارج هذه الحالات فإنّ مخالفة الإجراءات المنصوصة في المادتين:101- 105 هي البطلان النسبي الذي يمكن لمن تقرّر لصالحه التنازل عنه أو التمسك به تطبيقا للمادة:169 من ق إ ج وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية Pierre Chambon / Christien Guéry op. cit. pp. 342- 343
3- الامتناع عن استجواب المتهم مباشرة بعد مثوله: يفهم من المادة: 102 والبند رقم: 1 من الفقرة الرابعة من المادة: 105 من ق إ ج أنّه لا يجوز لقاضي التحقيق أن يقوم باستجواب المتهم أو إجراء مواجهة بينه هو ومتهم آخر أو شاهد أو ضحية مباشرة بعد مثوله الأول أمامه ما لم يكن ذلك مبرّرا بحالة
استعجال تتمثل أساسا في إمكانية تلاشي الأدلة المتمثلة في موت الشهود أو أحدهم أو اختفاء وقائق مادية ويتضح ذلك من خلال وجوب تحديد قاضي التحقيق لطبيعة الظروف الاستعجالية التي دفعت للاستجواب في هذه الحالة في محضر الاستجواب والتي يخضع فيها لرقابة غرفة الاتهام ... بل إنّه يستنتج من مجموع ما جاء في المادتين: 101 - 102 والبند رقم: 1 من الفقرة الرابعة من المادة: 105 من ذات القانون أنّ المثول الأول لا يمكن أن يتضمن بحثا في أصل التهمة وإن أدلى المتهم بتصريح يتعلق بها يجب على قاضي التحقيق أن يتلقاه فقط دون الخوض في أصل التهمة ذلك أنّ المشرع الوطني أخذ بما كان سائدا في فرنسا من عدم جواز الدخول في الأصل أثناء المثول الأول والذي تخلى عنه المشرع الفرنسي في حالات عبر قانون 4 /01/ 1993 الذي تمّ تعديله بقانون 15/ 06/ 2000
4- كتابة الأسئلة التي يوجه للمتهم: يجب أن يكتب قاضي التحقيق الأسئلة التي يوجه للمتهم أثناء مثوله أمامه لأول مرة وذلك لكي يبرهن من خلالها أنّه لم يطرح عليه خلال مثوله أيّ سؤال يتعلق بالأصل ذلك أنّ طرحه لأسئلة تتعلق بالأصل وخارج الحالات المقررة بالمادة: 102 من ق إ ج يؤدي إلى بطلان محضر المثول
5- وضع ملف المتهم تحت تصرف محاميه: يتضح من نص المادة: 105 من ق إ ج أنّ على قاضي التحقيق أن يضع ملف المتهم تحت تصرف محاميه عشية اليوم المقرّر لاستجوابه ويتضح من مختلف فقرات المادة أنّ هذا الإجراء لازم وعند الإخلال به تتأثر حقوق الدفاع بشكل يؤدي إلى بطلان الإجراءات
6- وجوب إبلاغه المتهم بجميع القرارات التي تهمه: تنص الفقرة الأولى من المادة: 183 من ق إ ج على وجوب إبلاغ قاضي التحقيق المتهم بجميع القرارات المهمة التي يمكنه استئنافها أمّا القرار بالإحالة أمام المحكمة الجنائية فجاء في الفقرة الثالثة منها أنّه يبلغ للمتهم بحضور محاميه أو استدعاء المحامي على الأقل لحضور الإخبار بينما جاء في الفقرة تاليتها أنّ عليه إشعارهما بأجل استئناف قرار الإحالة وما يترتب على عدم ممارسته ويمكن أن يفهم من مختلف مقتضيات هذه المادة أنّ انتهاكها ماس بحقوق الدفاع مساسا يحتمل أن تترتب عليه القابلية للإبطال
الفقرة الثانية:من له إثارة بطلان الإجراءات
يبدو من النصوص المتعلقة بالموضوع خاصة المواد: 170- 172- 545 وغيرها من ق إ ج أنّ الأطراف الذين يحقّ لهم إثارة بطلان الإجراءات متعددة غير أنّه يمكن التمييز في هذا المجال بين الأطراف القضائية والأطراف الأخرى
ا- الأطراف القضائية ومن أهمّها:
1- قاضي التحقيق: منحت الفقرة الأولى من المادة: 170 من إ ج صلاحية إثارة بطلان الإجراءات لقاضي التحقيق عبر نصّها على أنّه إذا ظهر له أنّ إجراء مشوبا
بالبطلان قد اتخذ فإنّ عليه وأن يحيل الملف إلى غرفة الاتهام من أجل إبطال الإجراء الذي يرى أنّه باطل أن يأخذ رأي النيابة العامة ويخبر الأطراف
2- وكيل الجمهورية: منحت الفقرة الثانية من المادة: 170 من إ ج وكيل الجمهورية صلاحية إثارة بطلان الإجراءات عبر نصّها على أنّه إذا ظهر له أنّ إجراء مشوبا بالبطلان تمّ اتخاذه فإنّ له أن يستبلغ الملف من قاضي التحقيق ويحيله إلى غرفة الاتهام من أجل إبطال الإجراء المعني
3- غرفة الاتهام: منحت الفقرة الخامسة من المادة: 170 من ق إ ج لغرفة الاتهام حقّ إثارة بطلان الإجراءات بنصّها على أنّ لها أثناء دراستها للملف لأيّ سبب من الأسباب أن تثير بطلان الإجراءات من تلقاء ذاتها وهذا ما يفهم أيضا من المادة: 207 من ذات القانون
4- محكمة المخالفات: منحت الفقرة الأولى من المادة: 172 من إ ج لمحكمة لمخالفات حقّ إبطال الإجراءات التي تراها باطلة بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف و يجب عليها إذا أبطلت الإجراءات التي تراها مشوبة بالبطلان أن تقرّر ما إذا كان يجب أن يشمل البطلان كلّ أو بعض الإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل وجاء في فقرتها الثانية أنّها تبعد الإجراء الباطل من الملف كما نصّت فقرتها الثانية على أنّه إذا ترتب على بطلان إجراء بطلان الإجراءات اللاحقة له أمرت بإجراء تحقيق تكميلي وإذا لم يكن تصحيح الإجراءات ممكنا أحالت القضية إلى وكيل الجمهورية ليتخذ بشأنها ما يراه مناسبا
5- محكمة الجنح : منحت الفقرة الأولى من المادة: 172 من إ ج محكمة الجنح حقّ إبطال الإجراءات التي ترى أنّها باطلة في ذات الظروف المعترف بها لمحكمة المخالفات ممّا يعني أنّ لمحكمة الجنح إثارة بطلان الإجراءات
6- المحكمة العليا: في إطار ممارسة المحكمة العليا لوظائفها المتعلقة بالعمل على التطبيق السليم للقانون ووحدة تفسيره يمكنها تطبيقا للمادة: 545 من ق إ ج إبطال الإجراءات ذلك أنّ المادة جاء فيها: ( يجوز للمحكمة العليا أن تثير من تلقاء نفسها الأوجه السابقة الذكر.) والأوجه السابقة التي تحدّثت عنها هذه الفقرة هي الأسباب التي يمكن أن يبرّر بها طلب الطعن بالنقض التي من بينها:
* مخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات
* مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه
ممّا يعني أنّ للمحكمة العليا إبطال أيّ إجراء رأت أنّه يجب إبطاله ولو كان ذلك من تلقاء ذاتها انطلاقا من تطبيقها للفقرة الثانية من المادة السابقة غير أنّها لا تثير من تلقاء ذاتها عادة إلا العيوب التي تتعلق بالنظام العام أو الإدارة الحسنة للقضاء
ب- الأطراف غير القضائية ومن أهمّها:
1- المتهم: منحت الفقرة الثالثة من المادة: 170 من إ ج للمتهم حقّ طلب إبطال أيّ إجراء يرى أنّه مشوب بالبطلان وذلك عبر تعهيد غرفة الاتهام
2- الطرف المدني: منحت الفقرة الثالثة من المادة: 170 من إ ج للطرف المدني حقّ طلب إبطال أيّ إجراء يرى أنّه مشوب بالبطلان وذلك عبر تعهيد غرفة الاتهام في نفس الظروف المعترف بها للمتهم
ويتضح من النصوص المتعلقة بالموضوع خاصة المادتين: 170- 171 بأنّ طلب الإبطال يقدم في شكل عريضة مسببة تقدم إلى غرفة الاتهام من المتهم أو الطرف المدني أو محامي أيّ منهما وعلى غرفة الاتهام في هذه الحالة أن تبتّ في القضية في أجل 5 أيام من إحالة الملف إليها أمّا في حالة إثارة طلب الإبطال من طرف قاضي التحقيق فإنّ ذلك يكون بإحالة الملف إليها من طرفه بعد أخذ رأي النيابة العامة وإشعار الأطراف الأخرى بذلك ويجب أن تتضمن الإحالة على الأقل بيان الإجراء أو الإجراءات المراد إبطالها وبالنسبة لوكيل الجمهورية فإنّه يقوم باستبلاغ الملف من قاضي التحقيق ثم يحيله إلى غرفة الاتهام مصحوبا بمذكرة تتضمن طلب الإبطال وأسبابه وتحديد الإجراء أو الإجراءات المراد إبطالها وتنص المادة: 171 من ق إ ج على أنّ الإجراءات المبطلة من طرف غرفة الاتهام تسحب من الملف وتتلف من طرف كتابة ضبط غرفة الاتهام وتبطل نسختها التي بقيت عند قاضي التحقيق من طرف كتابة ضبط ديوان التحقيق المعني
المطلب الثاني: الوقت الذي تجب فيه إثارة البطلان والمحاكم التي تمكن إثارته أمامها
لا تكون إثارة بطلان أيّ إجراء مهمة إلا إذا أثيرت في الوقت الذي يجب أن تثار فيه وأمام المحكمة التي تجب إثارته أمامها لذلك سأقسم هذا المطلب إلى فقرتين أتناول في أولاهما المحاكم التي يمكن أن يقدم أمامها بينما أخصص الثانية للوقت الذي يجب أن يقدم فيه طلب بطلان الإجراءات
الفقرة الأولى: المحاكم التي تمكن إثارة بطلان البحث الابتدائي والتحقيق الاعدادي أمامها
ينبغي التمييز في هذا الإطار بين محاكم التحقيق ومحاكم الأصل:
1- محاكم التحقيق: يتعلق الموضوع هنا بغرفة الاتهام التي سبق القول أعلاه إلى بأنّ لها إبطال أيّ إجراء ترى أنّه باطلا سواء كان ذلك بإيعاز من أحد أطراف المسطرة أو من تلقاء ذاتها وذلك تطبيقا للماد: 170- 207 من ق إ ج غير أنّه يجب التنبيه إلى أنّ غرفة الاتهام ينتهي اختصاصها في الملف عادة عندما يصير الأمر بالإحالة أمام قضاء الموضوع غير قابل لأيّ طعن سواء كان قرار الإحالة صادرا عنها أو عن قاضي التحقيق أمّا قاضي التحقيق فلم يمنحه القانون صلاحية إبطال الإجراءات وإن كانت له إثارتها ويشار قرارات غرفة الاتهام قابلة للطعن بالنقض حسب الإجراءات المعروفة في الطعن بالنقض
محاكم الأصل: إذا كان الأصل العام هو أنّ قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع فإن القانون حدّد المحاكم التي تمكن إثارة بطلان الإجراءات أو بعضها أمامها حيث يفهم من المواد: 183 – 211-429- 482- 548 - 552 من ق إج أن الأمور تختلف بحسب الأحوال:
* الغرفة الجزائية: يشي نصّ المادتين: 429 – 482 من ق إ ج أنّ للغرفة الجزائية بمحكمة الولاية أو بمحكمة الاستئناف إعلان عدم اختصاصها إذا رأت أنّ الواقعة المحالة إليها باعتبارها جنحة هي في الحقيقة جناية وذلك ما لم تكن الإحالة إلى الغرفة الجزائية وقعت من طرف المحكمة العليا طبقا للمادة: 552 من ق إ ج وخارج حالة عدم الاختصاص تتحصن العيوب ولا تمكن إثارتها أمامها عندما تكون الإحالة من غرفة الاتهام سواء كان ذلك ابتداء أو عبر تأكيد قرار بالإحالة صادر عن قاضي التحقيق وذلك وفقا للمادة: 211 من ق إ ج أمّا إذا كان القرار القاضي بالإحالة إلى الغرفة الجزائية صادرا من قاضي التحقيق وغير مؤكد من طرف غرفة الاتهام فيجوز التردد ذلك أنّ نصّ الفقرة الرابعة من المادة: 183 من ق إ ج يتعلق بقرار الإحالة أمام المحكمة الجنائية لا الإحالة أمام الغرفة الجزائية ويجب فهم النصوص بشكل يخدم مصالح المتهم وينزع إلى توسيع صلاحيات القاضي الجزائي المتعلقة بصيانة الحريات العامة والعمل على التطبيق السليم للقانون هذا مع الإشارة إلى أنّه في بلدان متعددة لا تمكن إثارة أيّ بطلان للإجراءات بعد صيرورة القرار القاضي بالإحالة أمام محاكم الأصل نهائيا ما لم يتعلق الأمر بعدم الاختصاص أمّا في حالة التلبس بالجنحة وفي الظروف المحددة بالمواد: 64 و 347 و 351 فإنّنا لا نكون أمام قرار بالإحالة بل أمام محضر بحث ابتدائي ومحضر حالة تلبس وبطاقة إيداع وبالتالي لا شيء يحول هنا دون إبطال الإجراءات هذا مع التذكير بأنّ الطلب الذي لم يقدم في الدرجة الأولى بشكل صحيح لا يمكن تقديمه في الدرجة الثانية خاصة إذا تعلق الأمر ببطلان إجراءات سابقة على الإحالة
المحكمة الجنائية: يتضح من نص الفقر الرابعة من المادة: 183 من ق إ ج والمادتين: 211- 548 من ذات القانون أنّه لا تمكن إثارة العيوب الإجرائية السابقة على الإحالة بعد صيرورة القرار القاضي بالإحالة إلى المحكمة الجنائية نهائيا أمّا في حالة التلبس بالجناية وتعهيد المحكمة الجنائية في الظروف المشار إليها في المادتين: 63- 223 من ق إ ج فلا تختلف الأوضاع عمّا ذكر بالنسبة للجنحة أي أنّه لا يحول شيء دون إبطال الإجراءات وفيما يتعلق بالغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف يجب التذكير بأنّه لا يمكن أن يثار أمامها دفع ببطلان محضر البحث الابتدائي أو التحقيق الإعدادي إلا إذا كان الدفع أثير في الدرجة الأولى بشكل صحيح
الفقرة الثانية: الوقت الذي يجب أن يقدم فيه طلب إبطال الإجراءات
يمكن التمييز في هذا المجال بين عدّة فروض تختلف بحسب ما إذا كان الدفع بالبطلان مقدما أمام غرفة الاتهام أو أمام محاكم الموضوع
أولا- الوقت الذي يجب أن يقدم فيه طلب الإبطال أمام محاكم التحقيق
* غرفة الاتهام: فيما يتعلق بغرفة الاتهام يجب التذكير هنا بأمور منها:
* أنّه يمكن تعهيدها من طرف الأطراف عبر استئناف لأحد قرارات قاضي التحقيق القابلة للاستئناف خاصة تلك المشار إليها في المادتين: 185- 186 من ق إ ج ولا يحول أيّ شيء دون جعل الطرف المستأنف استئنافه للقرار مناسبة لإثارة بطلان أيّ إجراء هذا مع الإشارة إلى أنّه إذا كان الإجراء قابلا للاستئناف فيمكن أن يكون التظلم منه بأيّ طريقة أخرى غير مقبول
* في حالة عدم قابلية الإجراء للاستئناف مثل محضر البحث الابتدائي أو محضر المثول الأول أو الاستجواب .... يكون من اللازم تعهيد غرفة الاتهام في هذا المجال عن طريق طلب إبطال يقدم حسب الشكل الذي تمّ الحديث عنه أعلاه ... ممّا يعني أنّ احتمال تعهيد غرفة الاتهام بالملف يبقى قائما طيلة سير إجراءات التحقيق ذلك أنّ طلب إبطال أيّ إجراء لم يحدّد له أجل يقدم فيه في قانون الإجراءات الجنائية الموريتاني على خلاف بعض القوانين الأخرى Alexandre Gallois op. cit p 80 و يشار إلى أنّ قرارات غرفة الاتهام في هذا المجال قابلة للطعن بالنقض في الظروف والطرق العادية له
ثانيا- الوقت الذي يجب أن يقدم فيه طلب الإبطال أمام محاكم الأصل: يشار في هذا المجال إلى أنّ المادة: 343 من ق إ ج نصت على أنّ اختصاص المحكمة المنشورة أمامها الدعوى العمومية يشمل البتّ في الدفوع المقدمة بمناسبتها وأنّ المادة: 344 من ذات القانون نصت على أن الدفوع المتعلقة ببطلان الإجراءات السابقة وعدم صحة الاستدعاء يجب تقديمها أمام محاكم الدرجة الأولى قبل أيّ دفاع في الأصل وإلا كانت غير مقبولة أمّا أمام محاكم الدرجة الثانية فيجب لقبول الدفوع المتعلقة ببطلان البحث الابتدائي والتحقيق الاعدادي:
* أن تكون هذه الدفوع أثيرت في الدرجة الأولى بشكل صحيح
* أن تثار أمام محكمة الدرجة الثانية قبل تقديم أيّ دفاع في الأصل
هذا معم الإشارة إلى أنّ قرارات محاكم الأصل قابلة للطعن بالنقض في الظروف والأشكال المحددة له
وعموما يتضح ممّا سبق أنّ طلب بطلان الإجراءات وسيلة للتظلم فتحها المشرع للمتضرر من أيّ إجراء خاصة إذا لم يكن من الممكن استئنافه وذلك مثل البحث الابتدائي ومحضر طلب فتح التحقيق والاستجواب أمام وكيل الجمهورية ومحضر حالة التلبس ومحضر المثول أمام قاضي التحقيق ومحضر الاستجواب أمامه ومحاضر الاستماع للشهود ومحاضر التفتيش المنزلي ومحضر حجز الوثائق والأشياء .... والبطاقات القضائية
فهذه كلّها يمكن إبطالها عن طريق طلب إبطال يقدم إلى المحكمة المختصة التي كثير ما تكون غرفة الاتهام أو محكمة المخالفات أو الغرفة الجزائية ...ويتم تعهيد مختلف هذه المحاكم بالإجراءات وفي الظروف التي سبق بيانها أعلاه
وفي الأخير أرجو أن تلفت هذه الأسطر انتباه شيوخي وأساتذتي الكبار إلى موضوع بطلان الإجراءات فيعمقون البحث فيه بشكل أكثر فنية الأمر الذي لا يصبو هذا الحديث إلى غيره ذلك أنّ تناول هذا النوع من المواضيع على درجة عالية من الأهمية خاصة أنّه:
- قلّ أن تقع عين الباحث على أيّ ملف إلا وكانت إجراءات التحقيق فيه قابلة للإبطال بوجه من الوجوه
- قلّ إبطال المحاكم للإجراءات ذلك أنّني لم أر أيّ إبطال للإجراءات خارج قضايا قليلة أبطلت فيها الغرفة الجزائية باستئنافية نواكشوط الإجراءات منها القضية موضوع القرار رقم: 63/ 2011 الصادر بتاريخ: 11/ 07/ 2011 الذي أبطلت فيه الإجراءات لزعمها خرقها لحقوق الدفاع والقرار رقم: 30/ 2015 الصادر عنها بتاريخ: 07/ 05/ 2015 الذي أبطلت فيه الإجراءات وذلك في قضية غريبة تمّت فيها متابعة عدد من المتهمين وفتح لهم ملفا ومنحت لهم بعد ذلك غرفة الاتهام حرية مؤقتة لكن الضحية وجدهم فشكاهم من جديد لذات لوقائع للشرطة فأعدت لهم محضرا ابتدائيا وأحالتهم إلى النيابة فتابعتهم بسبب ذات الوقائع وفتح لهم ملف جديد لكن الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بنواكشوط أبطلت فيه الإجراءات وهذا القرار عهدي به لم يحرّر
القاضي محمد ينج محمد محمود