تعد الصعوبات التي يواجهها الصحفي اثناء تناوله للشأن القضائي امرا بالغ الحساسية والاهمية في ذات الوقت، ما يتطلب التزام الحيطة عند الإخبار بمواد صحفية ملغومة بعواقب قانونية تتطلب المهارة واليقظة والثقافة القانونية في تحريرها، من خلال توظيف المصطلحات في محلها خوفا من الوقوع في المحظور وحتى لا يصبح الصحفي نفسه خبرا بعد استدعائه للتحقيق.
وتخضع التغطية الإعلامية لمجموعة من الضوابط لارتباطها بحريات الناس واعراضهم، وحفاظا على حقوق الأفراد وعدم المساس بها اثناء نقل الاحداث التي يكونون طرفا فيها.
ومن جانب آخر قد تكون الاخبار والتقارير بشأن حادثة بعينها محل تأثير على المسطرة القضائية بسبب خلق رأي عام حول الواقعة، ما قد يزعزع قناعة القضاة حول تلك النازلة.
لكن بالمقابل قد يقول قائل بأن الصحفي لا ينكر محاولته التأثير في قضية ما سلبا أو إيجابا لصالح المشتبه به، وإنما عليه تدقيق ما يكتبه في مراحل التقاضي لكونه يبدأ في مزاولة مهنته قبل القضاء، ويظل يمارسها حتى بعد الحكم لاستقصاء ابعاد الاحكام القضائية ومدى مطابقتها للقانون بالنسبة للمتخاصمين، واستجلاء وجهات النظر المتباينة حولها.
وعلينا الاستئناس بالمادة 10 من الدستور التي لا تقيد الحرية إلا بقانون، مع التسلح بالأمر القانوني 017/2006 الذي يحظر على الصحفي نشر المسطرة الجنائية القضائية قبل عرضها في الجلسة العلنية، والمتعلقة بمحاضر التحقيق حرفيا.
ويبقى الصحفي نفسه عرضة للسجن عكس ما هو منصوص في القانون 54/2011 الذي ألغى عقوبة الحبس، وذلك طبقا لقانون 07/2016 الخاص بالجريمة السبرانية، كما انه يمكن تكييف التهم وفقا للقانون الجنائي.
إلا انه بالمقابل يبدو ان بعض السادة القضاة يحتاجون للتكوين حول قانون الصحافة ذاته، كما يحتاجون لإبعاد نظرتهم الخاصة للعاملين في الحقل الإعلامي والتشديد عليهم بالإحكام وفقا لقناعة مسبقة عن عدم مهنية غالبية العاملين في قطاع الإعلام الخاص.
ويتسم القضاء عامة بنوع من الإنغلاق تجاه الصحافة، ومرد ذلك لحاجز السرية-في بعض مراحل التقاضي- والهيبة التي يجب ان تطبع المؤسسة القضائية، و لعدم تمكن الصحفيين من كسر هذا الحاجز من خلال التمتع بثقافة قضائية تجعل قطاع العدل يتأثر بالمواد الإعلامية من حيث صحة ما ينشر من ناحية استخدام مصطلحات قانونية وقضائية سلمية على الأقل.
الشيء الذي قد يمكن الصحفي من كسر الصمت المطبق الذي يميز العديد من القضاة ما يتعارض مع وظيفة الإعلام المطالب ببث الوقائع تباعا.
وكون الإعلام يشكل سلطة رابعة تجسد الرقابة المجتمعية على باقي السلطات، ما يجعل القضاء عندنا مطالبا بتبني مقاربة جديدة حول الصحافة من خلال انتهاج بعض المرونة في الوصول للمعلومة، و علينا نحن أن نعمل على ضبط قواعد حرية التعبير ، والأخذ بالاعتبار ان القاضي حر في تكييف التهم، وحر في قناعته حول القضايا ولا يسائل حولها، وهذه الحريات لا يتوفر عليها الصحفي الملزم بنشر الوقائع ضمن ضوابط معينة .