شخصية العام / بيرام ولد الداه: شخصية السنة 2013
الاعتصامات التي قامت بها المبادرة الانعتاقية (إيرا) في بتلميت ونواكشوط وروصو، حالات الاستترقاق التي تقدمت بها إلى العدالة أو أبلغت عنها، الجدل الذي خلقته المنظمة حول العبودية في موريتانيا، وجائزة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، أمور – من بين أخرى- مكنت زعيم المبادرة، بيرام ولد الداه، من أن يكون أبرز شخصية موريتانية للسنة 2013.
ويعتبر بيرام ولد الداه ولد اعبيد أحد أكبر الوجوه الحقوقية التي عرفتها موريتانيا. فقد برز كمناضل عن حقوق الانسان خاصة ضد ظاهرة الرق التي تعتبر المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية أنها ما تزال تنخر جسم المجتمع الموريتاني.
أنشأ الحقوقي بيرام، وبعض رفاقه، منظمة إيرا سنة 2008 بغية التصدي لظاهرة الرق، وحصل على تكريم وطني من قبل جريدة "شي إلوح افشي" كأبرز حقوقي لسنة 2012، ليحصل هذه السنة على "شخصية السنة 2013" في تقييم جريدة "صوت العمال" وموقع "الحرة".
ومعلوم أن الحقوقي بيرام حصل سنة 2012 على جائزة "الخط الأمامي للمدافعين عن حقوق الانسان" التي تمنحها منظمة غير حكومية إيرلندية، كما حصل هذه السنة (2013) على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، ليصبح ثالث زعيم أسود يحصل عليها بعد المناضل الجنوب إفريقي نيلسون منديلا والمناضل الأمريكي مارتين لوثر كينغ.
بيرام ولد الداه ولد اعبيد سجن، مع بعض رفاقه، عدة مرات في موريتانيا. ففي سنة 2011 سجن ثم أطلق سراحه فبراير 2011 بعد استفادته من عفو رئاسي أصدره الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
وخلق بيرام أكبر جدل عرفه تاريخ موريتانيا بعد إقدامه على حرق بعض كتب الفروع المالكية التي يتهمها بترويج ظاهرة العبودية وترسيخها في أذهان الناس وإحاطتها بهالة من القداسة الدينية. ورغم أن المبادرة الانعتاقية اعتذرت عن هذه الفعلة، إلا أنها أعطت نتائج جد مهمة إذ رفعت مستوى وحجم النقاش حول ظاهرة العبودية حيث شاركت فيه، عبر المقالات والندوات، كل فعاليات وشرائح المجتمع.
وقد سجن زعيم المبادرة إثر محرقة الرياض ليطلق سراحه بعد 4 أشهر في سبتمبر 2012.
بيرام ولد الداه ولد اعبيد منحدر من مقاطعة جدر المحكن شرقي روصو بولاية الترارزه. أب لخمسة أطفال. يعيش حاليا في مقاطعة الرياض بالعاصمة نواكشوط مع زوجته ليلى: بنت المناضل الحقوقي وأحد قادة حركة الحر، أحمد ولد اخليفه.
لا تجده إلا محاطا بمناضلي حركته ليل نهار، والكثير من الزوار والمناصرين والفضوليين والصحافة والسياسيين.. لقد أصبح الرجل رقما حقيقيا في المعادلة السياسية والحقوقية في موريتانيا رغم رفض النظام القائم تترخيص حزب موال لطروحات منظمته باسم "الحزب الراديكالي من اجل عمل شامل".
وعرف الحقوقي بيرام ولد الداه بالخطابة والقدرة على تهييج الجماهير، كما عرفت خطاباته بالدقة وحسن اختيار المفردات وجزالة اللغة (فرنسية كانت أم عربية)، بالإضافة إلى ما تحمل من رسائل قوية. يقول الحقوقي في خطابه أمام المنصة السابعة لمنظمة مدافعي الخط الأمامي، في العاصمة الإيرلندية، دبلن:
"إن الأجهزة الأمنية والقضائية الموريتانية ما تنفك تــُـذلنا بالإكراه الجسدي العنيف؛ فبالنسبة لهم، وهم الظالمون الحَرُونـــُـــون أمام التغيير، فإن المطالبة بالمساواة العرقية والفطرية بين المواطنين تشكل أحد المحاذير المطلقة التي يستدعي خرقها المعاقبة"، ليختم بقوله: "معا وإياكم، نتابع نضالاتنا من أجل إنسانية خلوقة ومنصفة".
وفي كلمته بمناسبة حصوله على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يقول الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيد:
"للأسف، فإن من ضمن الدول التي تحتضن ظاهرة العبودية، إن لم تكن تباركــُها، بلادي؛ موريتانيا التي تحطم الرقم العالمي الحزين لأكبر نسبة من السكان المسترَقــّـين. وهكذا فإن الامتياز الذي منحتموني إياه بكل إنسانية، يمثل عناية ثمينة للضحايا وبرهانا قيـّـما على التضامن مع مناضلي كل الأطياف الصامدين في وجه الحرمان من الإنسانية، والاضطهاد الديني والعرقي، والعنف ضد الجسد البشري، ومصادرة الحريات". ثم يردف قائلا: "إن التفاتتكم هذه، خلال السنة 2013، أكثرَ من أي وقت بذلتم فيه الجهد العالمي من أجل كرامة جنسنا، تحملُ في طياتها صفــّــارة إنذار للحكومات الظالمة المترددة في الاعتراف بالحق الدولي للأشخاص واحترامه. إنكم تذكــّـرون هنا بأنه، وفوق اعتبارات الدول والهيئات والهويات، يبقى الإنسانُ تجسيدا حقيقيا للقيمة المرجعية، يبقى قبسَ كل المسلكيات، بل ويبقى هدفَ كل المواثيق الاجتماعية". وعلى هذا المنوال الأخاذ يعيد بيرام الكرة قائلا: "اليوم، أيها الأصدقاء، جئت لأُسمِعكم شكاوى ونحيبَ أشخاص يمْـلِـكــُـهم أشخاصٌ آخرون، منذ ميلادهم، باتوا مجبرين على الأعمال الشاقة، ممنوعين من التعويض والعــُـطل والتعليم. إنهم دَوَابٌ بشرية لا تحوز أية حالة مدنية، ولا تستحق أي علاج، دأبـُـهم أن يظلوا خاضعين للعنف الجنسي والعقاب الجسدي. إنها نفس المجموعة المسترقــّـة التي ولدتُ بين أحضانها، ورفضتُ، بين ذات الأحضان، أن أترعرع. إن تجريد هؤلاء البشر من إنسانيتهم يتجاوز كل تصوراتكم".
وفي جزء آخر من رسالته الشهيرة، يعزف الحقوقي على وتر الزعيم الخالد، نيلسون منديلا، فيقول: "ومعلوم أنه بالرغم من العنف المعنوي والجسدي الذي تشكله هذه الممارسة السحيقة، فإن كفاحنا ضد الرق يظل دائما سلميا ومتحضرا. وإن مصدر إلهامنا في ذلك هم أولئك الذين ما انفكوا يشكلون مشكاة الكفاح ضد الخنوع والهوان، وأولهم ذلك الطـّـوْدُ الذي غادر عالمَــنا للتو، أخونا الأكبر وقدوتنا نلسون مانديلا"، واضعا طابعه الخاص في نهاية كل رسائله وكلماته حين يقدم خلاصات قليلة، لكنها تحمل معان كبيرة، وذلك في قوله: "يحيى القانون الدولي، وتحيى الشمولية رغم أنف النسبية الثقافية والدبلوماسية الغادرة المتمثلة في إلقاء حبل الأمور على غارب الزمن".
وللعلم فقد عاد مساء الجمعة الي نواكشوط رئيس مبادرة "إيرا" الحقوقية بيرام ولد الداه ولد اعبيد قادما من الولايات المتحدة الامريكية حاملا معه جائزة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، التي تسلمها في مقرها بنيورك يوم 10 دجمبر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان أمام حشد كبير من المولعين بكاريزميته ونضالاته (من موريتانيين، وحبشيين، وآنغوليين، وسودانيين وآفروأمريكيين...). واستقبل بيرام أمام مطار نواكشوط من قبل آلاف المناضلين والمناصرين له ولمنظمته.
ونددت الحشود التي كانت في انتظار مقدم زعيمها بتجاهل النظام الموريتاني وجزء كبير من طيفها السياسي والثقافي لهذه الجائزة الثمينة، كما شجبوا طريقة تعامل الدولة مع ظاهرة العبودية.
وقال بيرام عند خروجه من المطار في تصريح للصحافة الوطنية ان "هذه الجائزة وهذه الحشود تؤكدان سلامة أهداف نضاله وتقدير المجتمع الدولي له من خلال منحه أكبر جائزة دولية لحقوق الانسان". مضيفا أن " الواقع أثبت اليوم أن موريتانيا تنتج أبناء لهم القدرة الفائقة على الصمود والتصميم".
وقال بيرام خلال مسيرة أقيمت بمناسبلة مقدمه ان رسالته "للشعب الموريتاني ولجميع هيئاته وأحزابه ونظامه وكافة طبقاته، هي أن الكذب لا ينتصر ولا يقف أمام الحق، وأصدق مثال على ذلك كوني أنا الذي عادتني حكومة موريتانيا بهيئاتها الادارية والأمنية، وعادتني أحزابها السياسية في المعارضة وفي المولاة، وعاداني علماء وجهال موريتانيا وزوروا علي، وقاطعتني صحافتها، هذا كله لم يمنع من أن يكون صوتي مسموعا ونضالي مجازا أكبر من كل نضال آخر. وهذا كله بفضل الله علي ومعيته لقوله تعالى، "إن الله يدافع عن الذين آمنوا".
ورد بيرام على قول البعض إن منح هذه الجائزة مكافأة يهودية لحرقه لكتب الاسلام بقوله: "إن هذه الجائزة ممنوحة له من قبل الامم المتحدة، التي تضم جميع دول العالم بما فيهم كافة الدول الاسلامية". وشدد على أن الكتب التي حرق "ليست كتبا اسلامية، بل هي كتب جاهلية تكرس العبودية وتشوه الاسلام وتحرفه عن حقيقته كدين العدل والرحمة والمساواة بين العباد".
أبرز شخصيات العام 2013
فرضت شخصيات عديدة نفسها على الساحة الوطنية، خلال العام 2013، واستفادت من تموقع قضيتها الاعلامية. بعض هذه الشخصيات خرج من عباءة الخفاء إلى سماء الشهرة والتألق، فيما واصل البعض مسلسل الصعود الى القمة.
ويعود بزوغ بعض هؤلاء الى إنجازات ملموسة، حققوها على الصعيد الوطني، ومثلت إضافة نوعية للرفع من مكانة موريتانيا على أكثر من صعيد، كما كانت الإثارة الشراع الأهم الذي قاد سفينة بعض هؤلاء إلى شاطئ الانبراء، فأصبحوا معروفين لخصومهم ومؤيديهم على حد سواء. وساهمت بعض التصرفات والتصريحات المثيرة للبعض في إبراز صورته أكثر، فاتضحت للمشاهدين والقراء، حين برز الجانب الخفي من الصورة، بعد أن أزاحت عنه السياسة والاندفاع العاطفي قتابة المجاملة والرغبة في الاستقطاب، واستفاد بعض هؤلاء من النقد المصوب اتجاهه فكسب تعاطف المثقفين وقطاعات واسعة من الرأي العام الوطني