التعديل الذي يصبو إليه شباب القضاة بموريتانيا

قصر-ع

يصبو شباب القضاة إلى أن يكون التعديل المزمع إجراؤه على النصين السابقين يشكل قطيعة مع التعديلات السابقة ويكرس ترجمة للوعود التي قطع السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز على نفسه في مناسبات عديدة في ما يتعلق بإصلاح القضاء واستقلاله.

وعموما ورث النظام الحالي تعديلي (بتاح الصادر المتعلق منهما بالتنظيم القضائي بتاريخ:08 فبراير 2007 بينما صدر منهما المتعلق بالنظام الأساسي للقاء بتاريخ: 12 يوليو 2006 ) اللذين شكلا ضربة موجعة للسلطة القضائية وعدّ صدورهما تراجعا خطيرا عمّا كان موجودا من النزوع إلى استقلال القضاء، ذلك أنّ المادة:4 من النظام الأساسي جعلت لوزير العدل أن يحول أيّ قاض من القضاء الواقف (النيابة) بمقرر صادر عنه حتى ولو كان المدعي العام لدى المحكمة العليا لأن هذا النص عام عموما لا يمكن تقييده إلا بنص مساو له في الدرجة طبقا لهرم كلسن ممّا يجعل المادة:26 من قانون التنظيم القضائي لاغية لأنّها أدنى منه وبالتالي تطبيقها خطأ سببه الإهمال الذي يتسم به وزراء العدل ومستشاريهم منذ دخولي المهنة على الأقل.

 

كما أنّ المادة: 36 منه تمنح للسيد وزير العدل منع القاضي من ممارسة نشاطه الوظيفي وكذلك منعه من أخذ راتبه ولا يتطلب هذا الإجراء سوى موافقة المدعي العام لدى المحكمة العليا الذي سبقت الإشارة إلى أنّه تابع تبعية مطلقة لوزير العدل وكذلك رئيس المحكمة العليا الذي جرّده قانون (بتاح) المتعلق بالتنظيم القضائي من أيّ بصيص استقلال نظرا لأن المادة:18 منه نصت على أنّه يمكن أن يوضع حدّ لمهامه في أيّ وقت وقبل نهاية مأموريته التي هي خمس سنوات طبقا للمادة:14 من ذات القانون.
وعموما يمكن أن يكون الأخذ بالملاحظات الانطباعية التالية من الأمور المعينة في تحقيق جزء من استقلال القضاء والرفع من مردوديته ومن ثمّ تجسيد وعد السيد رئيس الجمهورية المتعلق بالموضوع وسنتعرض للملاحظات المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاة في (ا) بينما نعرض تلك المتعلقة بالتنظيم القضائي في (ب)
ا-الملاحظات المتعلقة بتعديل النظام الأساسي للقضاة
ويجب أن يأخذ تعديله في الحسبان الأمور التالية:
1- الرتب: يجب أن يجعل القضاة في رتبة واحدة لأسباب منها:
-ممارسة مهنة القاضي على درجة عالية من الخطورة وبالتالي يفترض في أيّ ممارس لها أنّه على درجة عالية من المسئولية والكفاءة والنزاهة فجعل القضاة رتبا يعلوا بعضها بعضا يمكن أن يهزّ ثقة الجمهور في ذوي الرتب الدنيا ذلك أنّ القضاة من مختلف الدرجات يمارسون نفس الوظائف فهم يحكمون في الأموال والأنفس والأعراض؛
-أن ما يؤسس عليه تعدّد الرتب في فرنسا وهو عمق التجربة وطولها وخلق المصداقية الشخصية والمهنية عبر الممارسة القضائية غير موجود عندنا للأسف ذلك أن القديمين في المهنة من قضاة موريتانيا خضع معظمهم لامتهان وزارته بجعله في أوضاع لا تتناسب مع وظيفته ووضعه بل يمكن أن تجعل شكوك الرأي العام تحول حوله هذا بالإضافة إلى أنّ شباب القضاة أي أصحاب الرتب الدنيا أكثر شهادات وأحدث إن لم يكونوا أحسن تكوينا وأكثر تجردا من مخلفات الماضي وبالتالي فإننّي شخصيا وانطلاقا ممّن عملت معه من ذوي الرتب العليا لا أعتقد أنّهم أكثر كفاءة من قضاة الرتب الدنيا؛
وهذا النظام –أعني كون القضاة رتبة واحدة ولا يفترض بينهم التدرج- هو المطبق في إيطاليا وأثبت نجاعته فيها ممّا يجعلنا نطالب وبشكل ملح بإلغاء المادة: 5 من النظام الأساسي للقضاء و الفقرة2: من المادة:51 منه هذا بالإضافة إلى أنّ التنقيط الذي يعتبر التقدم نتيجة له يطفح بعدم المصداقية

2-من ناحية التحويل
يجب تعديل المادة:8 من النظام الأساسي للقضاء التي تنص على أن القضاة الجالسين لايمكن تحويلهم بحيث تشمل قضاة القضاء الواقف وإلغاء المادة: 4 من النظام الأساسي للقضاء آنفة الذكر ذلك أنّ التحويل يعتبر هو أكبر خطر يخافه القضاة في موريتانيا لذلك يشكل أكبر وسيلة ضغط عليهم وبالتالي يجب أن يخضع للقيود التالية:
-أن لا يكون تحويل أيّ قاض من القضاء الجالس أو الواقف إلا تلبية لرغبته أو نتيجة لعقوبة تأديبية قرّرها المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية أو نتيجة لقوة قاهرة تتمثل في إنشاء محكمة جديدة أو فراغ أخرى نتيجة لتقاعد أو وفاة رئيسها أو أحد أعضائها؛
-في حالة تحويل القاضي نتيجة لقوة قاهرة يكون ذلك بالتشاور مع ممثلي القضاة وناديهم الذي نرجو أن يكون نقابة انطلاقا من هذا التعديل؛
3- بالنسبة للنيابة العامة
يجب تعزيز استقلال النيابة العامة نظرا لما تعانيه من صعوبات في مواجهة السلطة التنفيذية وما يخضع وكلاء الجمهورية من ضغوط يمارسها عليهم المدعون العامون (عملت وكيلا) فبالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه من عدم جواز التحويل يجب أن يعزّز استقلال النيابة بالأمور التالية:
1-أن يكون رأس النيابة العامة معينا من طرف المجلس الأعلى للقضاء وبعد أن يستشار في تعيينه ممثلو القضاة في المجلس الأعلى للقضاء وإعطاء رأي مطابق من نقيب القضاة؛
2-أن يعين لفترة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة لا يمكن عزله خلالها إلا نتيجة لعقوبة تأديبية أي في نفس الظروف التي يخضع لها زملاؤه القضاة وفي حالة خضوعه لهذه العقوبة يترأس رئيس المحكمة العليا هيئة التأديب؛
وإن لم يتمّ اعتماد هذه الإصلاحات بالنسبة للنيابة العامة يجب أن تسند ممارسة مهامها الحالية لأشخاص من غير القضاة وذلك مثل أن يتم إسناد وظائفها لإداريين أو ضباط شرطة قضائية صيانة لهيبة القضاء ذلك أنّ معظم ما يتهم به القضاء من أمور غير لائقة الآن والتي تمس بشكل خطير من مصداقيته مثل الحبس التحكمي ... والتقاعس عن تنفيذ الأحكام راجع إليها أعني النيابة العامة.
3-بالنسبة لرئيس المحكمة العليا
- يجب أن يكون تعيينه من طرف رئيس الجمهورية بعد التشاور مع نقيب القضاة وممثليهم في المجلس الأعلى للقضاء وموافقتهم على ذلك التعين أو موافقة أغلبيتهم على الأقل عليه؛
-يجب أن يكون تعيينه لمدة سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وبنفس الطريقة؛
- يجب أن يكون له راتب وامتيازات مثل راتب وامتيازات السيد رئيس الجمهوري أو على الأقل السيد الوزير الأول؛
- يجب أن تنظم طريقة تعيينه بالنظام الأساسي للقضاة لأنّه قانون نظامي أكثر علوا واستقرارا من التنظيم القضائي؛
ب- بالنسبة للتنظيم القضائي
يجب أن يأخذ تعديله في الحسبان الأمور التالية:
1- تعيين مستشاري محاكم الاستئناف من طرف المجلس الأعلى للقضاء ذلك أنّه وانطلاقا من تجربتي مستشارا في مختلف غرف محكمة الاستئناف بنواكشوط لمدّة تزيد على ثلاث سنوات لاحظت أن معظم رؤساء الغرف يعمل على حصوله على أغلبية في كلّ القضايا نظرا لطلبه من الجمعية العامة -التي تتولى عادة تقسيم المستشارين على مختلف الغرف والمنصوص عليها في المادة: 9 من التنظيم القضائي- أن تعين معه في التشكيلة التي يترأس أصدقاءه الحميمين وبالتالي يكون من صيانة العدالة تعيين مستشاري محاكم الاستئناف عن طريق المجلس الأعلى للقضاء وكذلك جميع المستشارين في كلّ المحاكم لصيانة العدالة وسيكون مفيدا العمل عبر التعيين على خلط تجارب وثقافات متعدّدة ؛
2-أن يعمل على تفعيل إرسال المحاكم للوائح الشهرية بالإضافة إلى نسخ من الأحكام التي أصدرت وذلك من أجل حثّ القضاة على بذل مزيد من الجهد في دراستهم للقضايا وتحريرهم للأحكام كما يمكن هذا من تسهيل الرقابة هذا بالإضافة إلى أنّه يمكن الوزارة من معرفة القضاة الذين يحتاجون إلى تكوين والمواد التي يحتاجون فيها للتكوين انطلاقا من دراسة الأحكام
3-النص على مراعاة التخصص أثناء التعيين ذلك أنّ كثيرا من القضاة الذين لا يعرفون الشريعة وأطرها النظرية بشكل جيّد- مثلي أنا- يحتاجون أحيانا إلى كثير من الجهود ليميزوا العمليات الربوية كما أعتقد أن بعض القضاة من خرجي الشريعة يمكن أن يجدوا صعوبة في تطبيقهم للقانون التجاري.
وعموما أعتقد أنّ أخذ التعديل لهذه الملاحظات بالحسبان سيمنحه هو والسلطة القضائية مزيدا من الجدوائية والمصداقية كما يجعله مستجيبا لبعض تطلعات الأسرة القضائية والمواطنين وتجسدا لوعود السيد رئيس الجمهورية المتعلقة باستقلال القضاء التي أطلق في أكثر من مناسبة.

القاضي محمد ينج/ محمد محمود
رئيس محكمة مقاطعة تمبدغة ومكون من طرف الاتحاد الأوربي كمكون بوزارة العدل
 

اثنين, 22/12/2014 - 01:30

إعلانات