ستة أيام مضت على الشرطي ابراهيم ولد صالحي وهو يرقد في غيبوبة على إثر تعرضه لمحاولة قتل أثناء قيامه بواجب عمله وسط لا مبالاة من طرف سلطات البلد، تتلخص القضية في أن مجرما موريتانيا شهيرا من أم مغربية يقود عصابة دوخت العباد والبلاد يدعى عمر قام صحبة أفراد عصابته بعدة عمليات إجرامية كان آخرها اختلاس 61 مليون أوقية من محاسبة أحد البنوك، وتم رصده من طرف بعض عيون الشرطة في مقاطعة دار النعيم، وكانت شرطة تفرغ زينه 2 هي المسؤولة ترابيا عن المنطقة التي وقعت فيها جريمة الاختلاس، فقام المفوض ولد الهادي بإعارة ابراهيم ولد صالحي من مفوضية عرفات 2 بسبب شهرة هذا الشرطي في الإقدام والشجاعة وخبرته في طرق تتبع المجرمين وفك الخيوط المتشابكة لعملياتهم، غير أن المفوضية أخطأت حين بعثت بصحبته شرطيا واحدا متواضع الخبرات لا يعرف حتى سياقة السيارات.
قام ابراهيم ليلة الخميس الماضي بتحديد موقع المجرم وحاصره بصحبة الشرطي الذي أرسل لمساعدته غير أن المكان كان يعج بالمارّة وبائعي الفواكه وسيارات الأجرة، مما جعل ابراهيم يقول لمساعده إن عليهم الامتناع عن إطلاق الرصاص على عجلات سيارة المجرم حتى لا يتأذى بعض الأبرياء، وأن عليهم محاولة إمساك اللص يدويا، فنزل إبراهيم من سيارته على حين غفلة من اللص وفتح باب سيارة اللص الموالي لمقعد السائق ومسك بتلابيبه، غير أن المجرم المتمرس والخبير في أساليب الإجرام ضغط على دواسة السرعة في سيارته فانطلقت بسرعة فائقة، إلا أن إبراهيم الذي لا يحب الفشل قرر أن يصمد وأن لا يُفلت اللص مهما كانت المخاطر، فضغط اللص على مكبح السيارة في محاولة منه لإسقاط إبراهيم، لكنه لم يسقط، فأعاد اللص الكرة من جديد وانطلق بالسيارة بسرعة هائلة، وعند المنطقة المعروفة ب"فراج ولد ابادو" ضغط على المكبح من جديد وفي هذه المرة سقط إبراهيم ليرتطم رأسه بالأرض فانهمرت الدماء من رأسه وأصيب بنزيف داخلي وأغمي عليه ودخل في غيبوبة لم يفق منها حتى اليوم، وفر اللص الذي تم القبض عليه في اليوم الموالي. الشرطي المتواضع الذي كان بصحبته والذي لا يتقن حتى السياقة كان مرتبكا فاستنجد بصاحب بقالة مجاورة للمكان لعله يعرف كيف يقود السيارة، فانتشل معه إبراهيم ونقلاه إلى مستشفى الشيخ زايد ليتم نقله بسبب خطورة وضعه إلى المستشفى العسكري ومن ثم إلى المستشفى الوطني، ومرة أخرى إلى المستشفى العسكري ليظل في غيبوبة لازمته إلى الآن، وحالته حسب الأطباء تتطلب رفعه إلى الخارج غير أن سلطات البلد لم تعر الأمر كبير اهتمام ومازالت تسوّف. حالة إبراهيم هي الحالة التي ستصيب أي مواطن غيور يضحي من أجل هذا الوطن حيث سيلقى اللامبالاة ونكران الجميل من سلطاته، في هذا البلد الذي يهرع فيه جميع الأطباء والضباط والوزراء والمستشارين والقباطنة لإنقاذ فتاة كانت ستظل نسيا منسيا لولا أن الذي أطلق عليها الرصاص هو ابن الرئيس الذي كان معها بعد منتصف الليل في مهمة أقل ما يقال عنها إنها ليست من أجل الوطن، ومازالت حتى الآن تتعالج منذ سنتين في الخارج على حساب الدولة دون أن تستطيع الوقوف على قدميها، وهو نفس الاهتمام الذي لاقاه الرئيس -بل أكبر منه- حينما كان هو الآخر عائدا من مهمة بعيدة تماما عن خدمة الوطن وتلقى رصاصات نقل على إثرها إلى أكبر مستشفيات فرنسا من "برسي كالامار" إلى "فال دكراس" على حساب الدولة، وهاهي عائلة إبراهيم المكونة من والدته المسنة المريضة منذ زمن بعيد وطفله الذي لم يبلغ الفطام وابنته التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها، وهم ينتظرون عودة أبيهم ومعيلهم الذي يقبع تحت غيبوبة منذ ستة أيام لأنه ضحى من أجل إنقاذ هذا الوطن الذي لم يعد فيه مكان آمن ولا وقت مأمون من صولة عصابات جرائم القتل والحرابة والاغتصاب والسطو والسرقة. كان على الدولة قانونيا وأخلاقيا وإنسانيا أن تبعث هذا الشرطي الذي ضحى من أجلها على متن سيارة خاصة وعلى وجه السرعة إلى أكفأ مستشفيات العالم وأن تتكفل بعلاجه وبإعالة أسرته حتى يعود إليها أبوها سالما وبكامل صحته. وتتعهد الحياة الوطنية بمتابعة هذه القضية التي تبين مدى ازدواجية المعايير لدى سلطات هذا البلد.