عند ما توفي محيي السنة، مجدد القرن الرابع عشرالشيخ سيدي باب رضي الله عنه، ظُهر الخميسالثالث من جمادى الآخر عام 1342 هجرية، الموافقللعاشر من يناير 1924، كانت حماية حقوق الملكيةالفكرية في إقليم موريتانيا خاضعة لأحكام اتفاقية"برن Berne" الدولية لحماية المصنفات الأدبيةوالفنية، الموقعة في مدينة Berne السويسرية بتاريخ09 سبتمبر 1886، التي دخلت حيّز النفاذ بتاريخ 05ديسمبر 1887، وكانت فرنسا عضوا مؤسسا فيها،وقعت عليها يوم 09 سبتمبر 1886، وصادقت عليهايوم 05 ديسمبر 1887..
وموريتانيا في ذلك الوقت - كما هو معلوم - جزء منإقليم إفريقيا الغربية الفرنسية، تُطَبَّقُ فيها أحكامالقوانين الفرنسية النافذة، والاتفاقيات الدولية التيصادقت عليها فرنسا..
طبقا لأحكام البند الأول من المادة 7 من اتفاقيةBerne فإن مدة حماية حقوق الملكية الفكرية المتعلقةبالمصنفات الأدبية والفنية التي تمنحها الاتفاقية هي:مدة حياة المؤلف + خمسين سنة بعد الوفاة، وعليهفإنه ابتداء من ما بعد العاشر من يناير 1974 ارتفعتالحماية القانونية لحقوق المؤلف عن مؤلفات الشيخسيدي باب وإنتاجه الأدبي والعلمي..
انضمت موريتانيا المستقلة إلى اتفاقية Berne بتاريخ16 أكتوبر 1972، وأكملت إجراءات التصديق عليهايوم 06 فبراير 1973، لتستمرَّ أحكام هذه الاتفاقيةإطارا قانونيا مرجعيا يحكم حقوق الملكية الأدبيةوالفنية في موريتانيا، إلى أن انضافت إليها أحكاماتفاقيات دولية أخرى، أبرزها اتفاقية بَانْگِي التيدخلت حيّز النفاذ بالنسبة لموريتانيا بتاريخ 08 فبراير1982، ولاحقا تعززت المنظومة التشريعية بقوانينوطنية، منها القانون رقم 038/2012 الصادر بتاريخ17 يوليو 2012 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية، لكنأحكام هذه القوانين تسري على ما استقبلت من قضايالا على ما استدبرت، فالقانون لا يسري بأثر رجعي..
عند استقلال موريتانيا عام 1960، اعتمدت الدولةقصيدة الشيخ سيدي باب: "كن للإله ناصرا.." نشيداوطنيا، وكان جُلُّ أبناء الشيخ سيدي باب المباشرينرحمهم الله تعالى، في ذلك الوقت أحياء، ولهم مكانتهمونفوذهم، وجرى ذلك وبعضهم مشارك في السلطة،وسمعه الآخرون بلا شك، ولم يكن لهم أي اعتراضعلى اعتماد القصيدة نشيدا وطنيا لموريتانيا، وصحتبذلك حيازة الدولة للقصيدة المذكورة، وخلا تصرفهافيها من منازع، وقد قال الشيخ خليل رحمه الله فيمختصره: <<..وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍوَحَوْزٍ طَالَ كعشرة أشهر..>>، وقال: <<..وَإِنْ حَازَأَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌبِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لم تسمع..>>، ومرَّ على حيازةالدولة لكلمات النشيد الوطني الحالي وتصرفها فيهاأكثر من خمسين عاما..
ومن كل ذلك، فإن كلمات النشيد الوطني الحالي: "كنللإله ناصرا.." ملك للدولة الموريتانية، يحق لها أنتتصرف فيها بإضافة أبيات إليها، وحذف أخرىمنها، وتضمينها والاقتباس منها، ولا يتعلق بهذهالكلمات حق يحميه القانون لأحفاد الشيخ سيدي باب،بارك الله فيهم، ولا يمكن رفع دعوى مؤسسة بهذاالخصوص ضد الدولة..
أحمد عبد الله المصطفى