الســـــــــؤال : سؤال عما يعرف محليا بالكيس : اتفق خمسة أشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مائة ألف أوقية ويقترعون على من يأخذ المبلغ كله أولا، وهكذا حتى يدور الأمر بينهم، يفعلون ذلك كل خمسة عشر يوما، هل هذا الفعل جائز؟ وهل هو من باب التعاون على البر والتقوى؟
الجـــــــــــــــواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه؛ أما بعد : فإن هذه العملية عملية مسالفة يأخذ الشخص المشارك فيها مقابل ما دفعه قبل ذلك قضاء لما دفع سابقا والباقي يكون سلفا له على أن يقتضى منه منجما، وهذا هو صريح : أسلفني وأسلفك، فهو قد أسلف الجماعة أولا فقضت له دينه، وأسلفته الباقي وهم داخلون على هذا ومشترطون له بمقتضى اتفاقهم القائم على هذا الغرض لا غير. وصورة أسلفني وأسلفك صورة مشهورة بين العلماء بالمنع، نص على ذلك الحطاب في حاشيته على المختصر، فقال : ولا خلاف في المنع من أن يسلف الإنسان شخصا ليسلفه بعد ذلك ، ونص على المنع أيضا ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني فقال : وإن شرط في العقد أن يقرضه المقترض مرة أخرى لم يجز . ونقل المواق في شرحه لمختصر خليل عن ابن يونس أنه قال : من أبواب الربا ما جر من السلف نفعا ، وقد ذكر ابن حجر في الزواجر أن من الكبائر أن يجر السلف نفعا، وقال إنه ربا، وإن كل ما جاء من الوعيد في الربا فهو شامل له. وقال النووي في المنهاج ممزوجا بكلام الشربيني : ولا يجوز بجر نفع للمقرض، ويفسد بذلك العقد على الصحيح . وقال الشيرازي في المهذب : ولا يجوز قرض جر منفعة ، وقال ابن عابدين الحنفي في رد المحتار : وفي الأشباه كل قرض جر نفعا فهو حرام ، وقال بهاء الدين الحنبلي في العدة : ولا يجوز شرط شيء ينتفع به المقرض . والخلاصة : أن علماء المذاهب اتفقت أقوالهم وتواترت على أن كل سلف جر نفعا فهو حرام، ومن هنا اتفقوا على حرمة : أسلفني وأسلفك، لما في ذلك من انتفاع كل منهما بسلف الآخر له. وبناء على ما تقدم فالذي يفتي به المجلس الأعلى للفتوى والمظالم هو منع هذا النوع من المعاملات، لأنه ميل بالقرض عن سنته المتمثلة في التفضل والتبرع إلى المكافأة والمكايسة، المتمثلة في اشتراط دفع مبالغ متساوية وتوزيعها على الجماعة حسب فترات زمنية متساوية، وحصر الانتفاع منها على من دفع قسطه دون من لم يدفع، وإن كان أشد احتياجا، مما يبرهن على أن عنصر التفضل والإرفاق لا مكان له في هذه العملية وإنما هي عملية معاوضة بسلف وذلك غير مقبول، فالسلف إنما يطلب جزاؤه من الله تعالى في الدار الآخرة، وعنده أحسن الجزاء.